You are currently viewing  إيران والمفاوضات النووية: الكرة في ملعب واشنطن

 إيران والمفاوضات النووية: الكرة في ملعب واشنطن

بقلم :محمد نجاح علي

منذ إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، عاد الحديث عن إمكانية استئناف المفاوضات بين واشنطن وطهران، لكن هذه المرة بشروط إيرانية واضحة. فالقيادة الإيرانية، وعلى رأسها الإمام السيد علي خامنئي، لم تغلق الباب نهائيًا أمام التفاوض، لكنها رفضت أي حوار تحت الضغط أو التهديد. في المقابل، تحاول عدة وساطات، من بينها روسيا، قطر، سويسرا، سلطنة عمان، والسعودية، تمهيد الأرضية لمحادثات جديدة، وسط تعقيدات إقليمية ودولية متشابكة.
إيران تفرض شروطها: لا مفاوضات تحت الإكراه

الموقف الإيراني كان ثابتًا منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، وزاد وضوحًا بعد أن فرضت إدارة ترامب عقوبات غير مسبوقة على طهران، ضمن ما سُمي بسياسة “الضغط الأقصى”. ومع عودته إلى البيت الأبيض، يبدو أن ترامب لا يزال مقتنعًا بجدوى هذه السياسة، لكنه يقول إنه أرسل مؤخرًا رسالة مباشرة إلى آية الله السيد خامنئي، يعرض فيها التفاوض مجددًا، وهو تطور يكشف عن إدراك واشنطن أن العقوبات وحدها لم تحقق أهدافها.

لكن إيران التي لم تكن يوماً في موقع من يتلقى العروض، أكدت حتى في المفاوضات السابقة أنها من يضع الشروط. وقد صرّح السيد خامنئي بشكل لا لبس فيه بأن إيران لن تتفاوض إلا إذا رفعت العقوبات غير القانونية والأحادية الظالمة بالكامل، وتم التخلي عن التهديدات ، وتعاملت واشنطن مع طهران بندية واحترام. فبالنسبة لإيران، ليس المطلوب مجرد العودة إلى اتفاق 2015، بل تصحيح المسار والتأكد من أن الولايات المتحدة لن تنقض عهودها مجددًا.
الدور الروسي: بين الوساطة والمصالح المشتركة
إحدى أبرز الوساطات المطروحة اليوم تأتي من موسكو، حيث أكد الكرملين أن الرئيس فلاديمير بوتين مستعد للعب دور الوسيط بناءً على طلب ترامب. تصريحات ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم الخارجية الروسية، حول احتمال موافقة إيران على تقديم تنازلات نووية مقابل رفع العقوبات، أثارت تكهنات حول طبيعة الدور الروسي في هذه المرحلة.
ورغم أن إيران لا تعتمد على روسيا بشكل مطلق، فإن العلاقات الاستراتيجية بين البلدين تجعل من موسكو لاعبًا مهمًا في تحديد مسار المفاوضات. فروسيا، التي تخوض صراعًا مفتوحًا مع الغرب في أوكرانيا، تجد في إيران شريكًا يمكن استثماره في معادلة التوازنات الإقليمية. لكن هناك من يعتقد في طهران أيضًا أن موسكو قد تساوم بملفها النووي ضمن صفقات أوسع مع واشنطن، كما فعلت سابقًا في قضايا أخرى.
هل يمكن أن تقبل إيران بتقييد برنامجها النووي؟
إعلان زاخاروفا عن إمكانية قبول طهران ببعض القيود على برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات أثار جدلًا واسعًا. فإيران ظلت تؤكد أن برنامجها سلمي تمامًا، وترفض تقديم أي تنازلات خارج إطار الاتفاق النووي الأصلي. لكن مع استمرار الوساطات، قد يكون هناك مجال لمناقشة حلول وسط.
وبالعودة إلى تصريحات زاخاروفا،، بشأن احتمال موافقة إيران على تقديم تنازلات نووية مقابل رفع العقوبات تبرز عدة احتمالات:

العودة إلى اتفاق مشابه للاتفاق النووي لعام 2015

قد تعني تصريحات زاخاروفا أن موسكو ترى إمكانية قبول إيران ببعض القيود على برنامجها النووي، مثل خفض مستوى تخصيب اليورانيوم، تقليل عدد أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، أو زيادة التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في مقابل رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية.

اتفاق جديد بشروط مختلفة

ربما تسعى روسيا إلى دفع إيران لقبول اتفاق جديد، أكثر شمولًا من الاتفاق السابق، لا يشمل بالطبع ماتروج له واشنطن بشأن الحد من البرنامج الصاروخي والدور الإقليمي.

موقف تفاوضي مرن من إيران

قد تعني التصريحات أن إيران قد تكون مرنة في بعض الملفات، مثل وقف بعض الأنشطة النووية الحساسة أو تعزيز الشفافية، لكنها لن تقدم تنازلات مجانية، وستطالب بضمانات حقيقية من واشنطن بعدم الانسحاب من أي اتفاق مستقبلي كما حدث مع ترامب في 2018.

مناورة روسية للضغط على الغرب

من المحتمل أن موسكو تستخدم الورقة الإيرانية للضغط على الولايات المتحدة وأوروبا، خاصة في ظل الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا. بمعنى أن روسيا قد تعرض مساعدة الغرب في احتواء البرنامج النووي الإيراني، مقابل تنازلات أمريكية أو أوروبية في قضايا أخرى.
في العموم ، تصريحات زاخاروفا تشير إلى احتمال وجود اتصالات غير معلنة حول اتفاق جديد، لكنه لن يكون بشروط أمريكية بالكامل، بل وفق معادلة جديدة تفرضها إيران. لكن السؤال الأهم: هل ستقبل واشنطن بهذا السيناريو؟ أم أن التصعيد سيكون الخيار الأقرب؟
و مع ذلك، فإن أي تنازل إيراني لن يكون مجانيًا، وسيكون ضمن استراتيجية مدروسة تضمن الحفاظ على مكاسبها الاستراتيجية. وحتى لو قَبِلت إيران ببعض القيود، فسيكون ذلك وفق شروطها وليس نتيجة ضغوط أمريكية أو تهديدات عسكرية.
الرسالة الأمريكية: بين الدبلوماسية والتهديدات
إعلان ترامب عن إرساله رسالة إلى آية الله السيد خامنئي وإن كان يعكس رغبة أمريكية في التفاوض، لكن تصريحاته المتكررة عن اقتراب “المراحل الأخيرة” في المواجهة مع إيران تكشف عن ازدواجية في الخطاب. فمن جهة، يريد ترامب أن يظهر بمظهر القائد القادر على حل الأزمة من خلال التفاوض، ومن جهة أخرى، يواصل التهديد بالخيار العسكري إذا لم تستجب طهران.
هذه الاستراتيجية لا تنطلي على الإيرانيين، الذين يعتبرون أن واشنطن تبحث عن تفاوض بشروطها، وهو ما ترفضه طهران تمامًا. فبالنسبة لإيران، الخيار الوحيد المطروح هو أن تعود أمريكا إلى الاتفاق النووي، وترفع العقوبات، وتتعامل مع إيران كدولة مستقلة لها مصالحها وسيادتها.
الدور الأوروبي والخليجي: تأثير محدود أم وساطة فعالة؟
في ظل التجاذب الأمريكي-الإيراني، تسعى بعض الدول الأوروبية والخليجية للعب دور الوسيط، خصوصًا قطر وسويسرا وسلطنة عمان، إضافة إلى السعودية التي بدأت في الآونة الأخيرة بإعادة تقييم موقفها من طهران. لكن تأثير هذه الوساطات يظل محدودًا ما لم تغير واشنطن موقفها بشكل جذري.
الدول الأوروبية، من جانبها، لا تزال عاجزة عن اتخاذ موقف مستقل عن واشنطن، رغم انتقاداتها لسياسة “الضغط الأقصى”. وحتى الآن، لم تنجح أوروبا في تقديم أي ضمانات حقيقية لإيران، ما يجعلها خارج الحسابات الفعلية لطهران عند الحديث عن أي مفاوضات محتملة.
ماذا بعد؟ السيناريوهات المحتملة
مع تصاعد الحديث عن الوساطات، هناك عدة سيناريوهات ممكنة للمستقبل:

العودة إلى المفاوضات بشروط إيرانية

إذا قبلت واشنطن برفع العقوبات وإظهار حسن نية حقيقي، فقد تدخل إيران في مفاوضات جديدة، لكن وفق قواعد جديدة تضمن عدم تكرار تجربة 2018، عندما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق دون أي التزام.

تصعيد التوتر والمواجهة

إذا أصر ترامب على سياسته المتشددة، فقد تستمر إيران في تصعيد خطواتها النووية، ما قد يدفع المواجهة إلى مستويات خطيرة، خاصة مع الحديث عن احتمال إحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن.

وساطة روسية-صينية تنقذ الموقف

في ظل الصراع الأمريكي-الروسي في أوكرانيا، قد تسعى موسكو وبكين إلى تقديم مبادرة تنقذ الاتفاق النووي، ضمن صفقة أكبر تشمل قضايا دولية أخرى.
المهم : لا تراجع إيراني دون مكاسب واضحة
إيران تدرك أن قوتها التفاوضية اليوم أكبر من أي وقت مضى، فهي لم تنهار تحت العقوبات، واستمرت في تطوير برنامجها النووي السلمي تحت سقف معاهدة الحد من الانتشار النووي ، ونجحت في تعزيز علاقاتها الإقليمية والدولية. الرسالة التي تبعث بها طهران إلى واشنطن والعالم واضحة: إذا أردتم اتفاقًا، فعليكم التعامل مع إيران باحترام وندية، وإلا فإنكم الخاسرون.
الموقف الآن في ملعب الإدارة الأمريكية، فإما أن تقبل بشروط إيران وتعود إلى طاولة المفاوضات بجدية، أو تستمر في سياسة العقوبات والتهديدات، مع كل المخاطر التي قد تترتب على ذلك.

المصدر: الوثيقة
شارك المقالة