عبد الباري عطوان
جاء الرد المصري برفض مقترحات يائير لابيد زعيم المعارضة الإسرائيلية بإدارة القاهرة لقطاع غزة لمدة 15 عاما مقابل إسقاط الديون عنها سريعا وقويا بالرفض الكامل، والتأكيد على ثوابت الموقف المصري بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
مجرد طرح هذا العرض ومن زعيم المعارضة وفي مؤتمر انعقد تحت مظلة منظمة “الايباك” الصهيونية في واشنطن يؤكد فشل وهزيمة كل المشاريع الامريكية والإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية، ابتداء من التهجير، ومرورا بحرب الإبادة وانتهاء بإنهاء حكم المقاومة للقطاع خاصة.
أكثر ما يرفع ضغطنا، ويزعجنا في هذا الطرح الوقح هو النظرة “الدونية” لمصر العظمى، والتعاطي معها كدولة “موز” “متسولة” تركض وشعبها خلف الرشاوى المادية، واستغلال أوضاعها الاقتصادية الصعبة، وخاصة الديون المالية الخارجية التي تصل الى 155 مليار دولار لابتزازها.. انهم لا يعرفون مصر، جينات كرامة واصالة، ولا يعرفون شعبها العربي الأصيل.
***
فعندما يفشل نتنياهو وجيشه في السيطرة على القطاع عسكريا، ويشعرون بالإذلال بكافة انواعه امام قوة حركة “حماس” وصمودها، وفوزها في حرب العقول والاعلام بإدارتها وتنظيمها لعملية تبادل الاسرى، لدرجة التوسل الى أمريكا لكي تتدخل وتمارس ضغوطها من أجل انهاء العروض العسكرية المبهرة لتسليم الاسرى الاسرائيليين، وبالتقسيط المريح والمدروس بعناية، ودهاء غير مسبوق، ويستجدي زعيم معارضتها مصر لكي تعود الى إدارة قطاع غزة، والاشراف على عملية الاعمار، بعد ان فشلت كل المحاولات والحلول الأخرى لمرحلة ما بعد “حماس” في قطاع غزة، وبات السؤال الآن هو ما بعد هزيمة الاحتلال وجيشه فيها.
إذا كان قطاع غزة ليس للبيع فإن مصر أيضا التي تملك ارثا حضاريا لأكثر من ثمانية آلاف عام، ليست للبيع أيضا، وعرض لابيد هذا الذي لا يزيد عمر كيانه العنصري “المنفوخ” عن 76 عاما، يشكل جهلا بالتاريخ، وإهانة لمصر وشعبها العظيم، ووطنيتها عميقة الجذور التي تتمثل في خوض أربع حروب انتصارا للقضية الفلسطينية ومواجهة المشروع الصهيوني الارهابي.
عرض لابيد هذا لا يمكن ان يكون من “عندياته” وانما موحى به من جهات صهيونية عليا باتت تحكم الولايات المتحدة ودول كثيرة في العالم الغربي، بل ودول عربية أيضا للأسف، وهو يؤكد على أمرين رئيسيين نسوقهما في هذه العجالة:
الأول: التسريبات التي وردت على لسان بعض الإعلاميين المقربين من الحكومة المصرية، وتفيد بأن هذه الحكومة تلقت عرضا قبل بضعة أسابيع من الولايات المتحدة ودولة الاحتلال، بالحصول على 250 مليار دولار وشطب جميع ديونها مقابل موافقتها على توطين مليونين من أهلنا بقطاع غزة في مدن تقام في سيناء.
الثاني: ان عمليات التجويع والأزمات الاقتصادية التي تتعرض لها دول عربية مثل مصر والأردن ولبنان متعمدة وتقف خلفها دولة الاحتلال وامريكا، لإجبارها للسقوط في مصيدة قروض الغرب وصندوق النقد الدولي، وبما يؤدي الى ابتزازها لاحقا، والا ما هي قوة زعيم المعارضة الإسرائيلي لطرح هذا العرض المشروط والمهين؟
***
هذا الموقف المصري المدعوم رسميا وشعبيا من عدة دول عربية، ويجب ان يكون البند الأول لأجندات عمل القمة العربية الطارئة التي ستعقد في القاهرة يوم الرابع من شهر آذار (مارس) المقبل، يستحق الدعم والتشجيع، لأن المؤامرة الامريكية الإسرائيلية لن تتوقف عند الضفة والقطاع، وانما ستمتد الى مصر والأردن والمملكة العربية السعودية واليمن والجزائر وسورية ولبنان، ويجب ان تشكر وتقدر شعوب هذه الدول وحكوماتها المقاومة والشعب الفلسطيني الذي كان حائط الصد في مواجهتها وهزيمتها، وتقديم أكثر من 160 الف شهيد وجريح دفاعا عن الامة ومقدساتها، وما زالت هذه المقاومة الفلسطينية وحاضنتها الشعبية البطلة مستعدة لتقديم المزيد تأكيدا على وحدة الدم والعقيدة والمصير المشترك.
المصدر: رأي اليوم