عبد الباري عطوان
تعكس وقائع وأحداث الجولة السابعة من تبادل الأسرى التي جرت اليوم السبت أمورا على درجة عالية من الأهمية أبرزها تفوق كتائب القسام والعقول الخارقة فيها في الإدارة والتنظيم، والدهاء السياسي والإعلامي، وفنون علم وقواعد العلاقات العامة، والاهم من كل ذلك حالة الثقة التي تسود قياداتها وتؤكد كسبها “معركة العقول” جنبا الى جنب مع الانتصار في الميادين والمواجهات العسكرية أيضا.
بعد أكثر من 500 يوم من الصمود والإنجازات العسكرية والاستخبارية الضخمة، تُبين صفقات التبادل هذه بشكل جلي ان قوة هذه الكتائب الميدانية والتنظيمية ما زالت عالية جدا، وعلى عكس ما كان يراهن عليه العدو، أي الضعف والانهيار ونفاذ الذخيرة، والتعب والانقسام، ولعل أبرز ما كشفته جولات التبادل السبع، سيطرة الكتائب المحكمة على قطاع غزة، وإفشال جميع مخططات العدو، سواء في التهجير او تفريغ الشمال من سكانه لاستبدالهم بالمستوطنين، ونهب الغاز، وتحرير الاسرى بالقوة العسكرية، ورضوخ نتنياهو المذل والمهين لشروطها بالكامل، فغزة ليست صفقة عقارية وانما اسطورة عسكرية وسياسية.
***
نشرح أكثر ونقول ان نقل الاسرى من أماكن احتجازهم تحت الأرض وفوقها، الى مواقع افراج مختلفة، طوال الجولات السبع، مرة في غزة، وأخرى في خان يونس، وثالثة في جباليا، ورابعة في النصيرات، وخامسة في رفح، وسادسة في دير البلح، (مسقط رأسي) دون ان يعرف العدو اسرار عمليات النقل هذه، او أماكن الاحتجاز، وآلية الحركة، وضبط الاعصاب، والنفس الطويل، وعدم حدوث أي خطأ واحد في عملية الاستلام، كلها تعكس إنجازات ووجود عقليات إدارية تتسم بالعبقرية غير المسبوقة عربيا او فلسطينيا، وتفوقا على العدو الذي يملك أحدث الأسلحة والرادارات، وأجهزة الرصد المتقدمة جدا عدة مؤشرات رئيسية يمكن استخلاصها من خلال رصد استراتيجية كتائب المقاومة المُعدة جيدا، وتجسد ما ذكرناه سابقا حول هذا الدهاء السياسي والإداري والإعلامي والاستخباري الذي لا يوجد له مثيل في كتب الاكاديميات العالمية والمتخصصة:
أولا: في الوقت الذي يخسر فيه نتنياهو دعم معظم المستوطنين لأدائه الهزلي في معركة عمليات التبادل الى جانب فشله العسكري والميداني، وعدم تحقيق أي من أهدافه بغزوه وحرب ابادته في القطاع، يسارع احد الاسرى لتقبيل رأس احد كوادر “وحدة الظل” المسؤولية عن حماية الاسرى امام جميع كاميرات العالم عرفانا بالجميل واعترافا عفويا بالمعاملة الإنسانية الحسنة تطبيقا لقيم العقيدة الإسلامية السمحاء.
ثانيا: الذكاء الباهر في اعداد منصة تسليم الاسرى في جولة اليوم، مثل تزيينها بصور الشهيدين القائدين محمد الضيف ويحيى السنوار وفي الوسط صورة قبة الصخرة، وفي الأسفل بنادق إسرائيلية غنمتها قوات المقاومة، جرى عرضها مقلوبة ومنكسة، وحملت المنصة عبارة “نستطيع ان نغير مجرى التاريخ” في رسالة حافلة بالمعاني لكل الإسرائيليين وداعميهم.
ثالثا: ظهور جميع الاسرى الستة في حالة صحية جيدة، ولياقة بدنية، وروح معنوية عالية الأمر الذي يعكس التغذية الجيدة، والمعاملة الحسنة، والرعاية الصحية المتقدمة على عكس الاسرى العرب الذين كانت آثار التعذيب والتجويع واضحة عليهم بعد الافراج عنهم.. هذه اخلاقنا وهذه هي اخلاقهم.
رابعا: الافراج عن الأسير هشام السيد، العربي الأصل، دون مراسم احتراما لمشاعر فلسطيني الداخل، رغم انه ارتكب خطيئة كبرى بقتال أهله في صفوف العدو، انها قمة كتم الغيظ، والترفع عن الأخطاء، وتثبيت مبدأ العفو عدن المقدرة.
خامسا: الانتشار الأمني الجيد عالي التنظيم لقوات القسام بملابس عسكرية نظيفة مرتبة، ولياقة بدنية عالية.
***
نعم كتائب المقاومة في قطاع غزة التي هزمت نتنياهو وجيشه، وأفشلت مخطط التهجير وضربت عرض الحائط بتهديدات ترامب وأجبرته على التراجع مهانا، نعم تستطيع ان تغير مجرى التاريخ مثلما كتبت على منصة التسليم لأنها بدأت عملية هذا التغيير فعلا بإطلاق عملية “طوفان الأقصى” التي غيرت كل المعادلات وأعادت القضية العربية الفلسطينية الى الواجهة، وكسرت أنف الغطرسة الإسرائيلية، ونسفت أسس المشروع الصهيوني من جذورها، وتحقق حاليا حالة من الصحوة العربية والإسلامية شعبيا ورسميا التي بدأت تتبلور وتحل تدريجيا محل ثقافة الاستسلام.
المقاومة انتصرت في حرب العقول، الى جانب انتصارها في ميادين القتال، وخاضت، وتخوض، حرب تبادل الاسرى بنجاح كبير، ولم تتراجع ميلمترا واحدا عن شروطها رغم الضغوط الهائلة عربيا ودوليا واسرائيليا.
ختاما نقول كنا نتمنى ان يكون معنا سيد الشهداء حسن نصر الله والشهيدين السنوار والضيف ليشاهدوا فصول هذه الهزائم الاسرائيلية في غزة والضفة الغربية، وقريبا جنوب لبنان “الجديد”، ولكن أراد الله ان ينضموا ورفاقهم الى قوائم العز والكرامة والانبياء الصالحين حيث المكان الذي يليق بهم وتاريخهم، ومكانتهم وقيادتهم وتضحيات شعوبهم، ومن المؤكد ان مشاركة الآلاف في “مهرجان” تشييع سيد الشهداء حسن نصر الله غدا الاحد سيكون انعكاسا عفويا صادقا لما نقول.
المصدر: رأي اليوم