عبد الباري عطوان
من يُتابع وسائل الإعلام الإسرائيليّة والأمريكيّة (لا فرق كبير بين الاثنين) اليوم يخرج بانطباعٍ مُؤكّدٍ بأنّ اتّفاقًا لوقفِ إطلاق النّار بين دولة الاحتلال وحزب الله في لبنان بات قريبًا جدًّا، وربّما خلال يومين، وأنّ بنيامين نتنياهو أعطى الضّوء الأخضر، وبعد اجتماع مع وزرائه الأعضاء في حُكومة الحرب، لعاموس هوكشتاين للمُضيّ قدمًا في ترتيباته لتوقيع الاتّفاق الأمريكي المُقترح رسميًّا بأسرعِ وقتٍ مُمكن.
“حزب الله” لم يُعلّق رسميًّا على موجاتِ “التّفاؤل” هذه، وصمته لا يُمكن تفسيره على أنّه من علاماتِ الرّضا، ولكنّه حذّر سابقًا من نشر دولة الاحتلال وعُملائها في لبنان، أخبارًا تخلق “أجواءً إيجابيّةً كاذبة” بهدف التّضليل وخلق البلبلة، وتعميق الخِلافات والانقسامات اللبنانيّة بأشكالها كافّة.
***
هُناك عدّة نقاط لا يُمكن تجاوزها في أيّ قراءةٍ موضوعيّةٍ لتطوّرات الأحداث في لبنان في الأيّام القليلة الماضية:
الأولى: أن نشر موجات التّفاؤل المدروسة والمُعدّة جيّدًا، جاءت بعد يوم “الأحد الأسود” بالنّسبة لإسرائيل الذي يتجسّد في إطلاق مُقاتلي حزب الله أكثر من 340 صاروخًا والعديد من المُسيّرات الانقضاضيّة على قواعدٍ عسكريّةٍ واستخباريّة إسرائيليّة في قلب تل أبيب الكُبرى وحيفا وصفد ممّا أدّى إلى هرولة 4 ملايين إسرائيلي إلى الملاجئ، وإغلاق مطار اللّد (بن غوريون) واشتعال حرائقٍ ضخمةٍ، ووقوع إصابات.
الثانية: أنّ ضخّ هذه الأخبار حول التطوّرات الإيجابيّة فجأةً، الهدف منها مُحاولة امتصاص حالة الهلع التي تسود أوساط المُستوطنين اليهود في شمال ووسط وجنوب فِلسطين المحتلّة، الذين باتوا ينامون ويصحون على صافرات الإنذار، وأصوات انفِجارات الصّواريخ.
ثالثًا: توقّف الحياة كُلِّيًّا في مُعظم أنحاء الشّمال ومُدُن الجليل الغربي (عكا، حيفا، نهاريا) والشّرقي (صفد) بسبب رقم قياسي من العمليّات الصاروخيّة والمُسيّرات الانقضاضيّة، وصل إلى 51 عمليّة يوم الأحد (الرّقم السّابق 34 عمليّة) ممّا أدّى إلى إغلاقِ المدارس كُلِّيًّا، والاستِغناء عنها بالتّدريس في المنازلِ عبر الإنترنت.
رابعًا: وصول صواريخ حزب الله، ومُعظمها ثقيلة ودقيقة للمرّة الأولى إلى ميناء أسدود ثاني أكبر الموانئ في فلسطين المحتلّة وللمرّة الأولى في تاريخ الصّراع، وإصابة قاعدة بحريّة فيها بخسائرٍ كبيرة، فقد جرت العادة أن يتم قصف هذه المدينة الميناء بصواريخ المُقاومة في قطاع غزة الأقل دقّة، وهذا تطوّرٌ مُهِمٌّ جدًّا، لأنّ من تصل صواريخه إلى أسدود في الجنوب يُمكن أن يقصف “ديمونا” النوويّة المُوازية لها في النقب المُحتل.
***
نتنياهو أرادَ التّفاوض بالنّار وتحتها، وها هُم أُسود “حزب الله” يُحقّقون لهُ هذا الطّلب، و”زيادة حبّتين”، مثلما يقول أشقاؤنا المِصريّون، بهجماتِ يوم الأحد (أمس) التّاريخي الحافل بالسّوابق، وكسر الأرقام القياسيّة عسكريًّا.
إنّ هذه الصّواريخ والمُسيّرات وعددها القياسيّ، وقُدراتها التدميريّة العالية جدًّا، هي الرّد الأقوى على أكاذيب نتنياهو التي ادّعى فيها أنّ قوّاته دمّرت أكثر من 80 بالمئة من قُدرات حزب الله القتاليّة والصاروخيّة، وأنّ الحزب باتَ أكثر ضعفًا من أيّ وقتٍ مضَى.
نتنياهو يعترف بضُوئه الأخضر، وحمَلاته الإعلاميّة التي تُركّز على قُرب وقف إطلاق النّار في لبنان، بالهزيمة في لبنان، ويُريد الهُروب منه بسُرعةٍ تقليصًا للخسائر خاصَّةً أنّ حربه البريّة لم تُحقّق أيا مِن أهدافه وأبرزها إعادة مُستوطني الشّمال الهاربين، أو تدمير “حزب الله” وإنهاء وجوده في جنوب لبنان.
ختامًا نقول إنّ الميدان وفعاليّاته وصواريخه ومُسيّراته هو الذي يضع نهاية الحرب في لبنان أو غزة، وليس نتنياهو أو هوكشتاين، أو حتّى المبعوث اليهودي الجديد دانيال شابيرو نائب مُساعد وزير الدفاع الأمريكي الذي حطّ الرّحال في تل أبيب أمس.
الشيخ نعيم قاسم أمين عام “حزب الله” قال في خطابه الأخير، وصدق، “الرّد على قصف بيروت سيكون في وسط تل أبيب، ونحنُ لن نصرخ أوّلًا”، وها هو العدو يصرخ بأعلى صوته وَجَعًا من صواريخ يوم الأحد العظيم.
المصدر: رأي اليوم