الكاتب/ اسعد عبدالله عبدعلي
مع بدء مرحلة ترامب الرئاسية الثانية هنالك شكوك كبيرة حول علاقة الرئاسة الأمريكية بالعراق, ويمكن تصور الاستراتيجيات المحتملة التي قد يتبناها ترامب، بدءًا من إعادة النظر في سياسات “الضغط الأقصى” ضد إيران, ووصولاً إلى التعامل مع التحديات الداخلية التي يواجهها العراق وسط النفوذ الإيراني. ويتوقع لترامب ان يكون قريبا من القضايا الحاسمة مثل اتفاقيات سحب القوات الأمريكية، وفصائل المقاومة العراقية المسلحة المدعومة من إيران، ودور بغداد في الصراعات الإقليمية مثل غزة ولبنان, ويضاف لها تحدي مهم للعراق وهو: حماية مصالحه مع تعزيز علاقة متوازنة مع كل من واشنطن وطهران.
بعد وصول دونالد ترامب للبيت الابيض من جديد يبرز سؤال حاسم: ما هو النهج الاستراتيجي الذي يعتمده الرئيس ترامب تجاه العراق؟ هل سنشهد استمراراً لولايته الأولى، التي وضعت العراق ضمن السياق الأوسع للتنافس بين الولايات المتحدة وإيران، أم هل سيتم منح العراق تركيزاً استراتيجياً متميزاً، منفصلاً عن المسألة الإيرانية؟ علاوة على ذلك، ما هي عواقب استراتيجيته على مستقبل العلاقات العراقية – الامريكية والتي لا تزال هشة بسبب العديد من العوامل الداخلية والخارجية؟
إرث مضطرب
بعد انتخابه الأول سعى ترامب إلى معالجة إخفاقات السياسة الأمريكية في العراق في عهد الرئيس السابق باراك أوباما, فشكل نهجه السابق ضغطا كبيرا على العراق, حيث مر العراق في موقف صعب للغاية ايام ترامب واستراتيجيته السابقة, ومن المرجح أنه سيحاول أيضًا تصحيح أوجه القصور نفسها الموروثة من إدارة جو بايدن خلال فترة ولايته الثانية, إن التحديات التي ورثها العراق من الحرب ضد داعش لا تزال قائمة وشكلت حجر الزاوية في التفاعلات الأمريكية الإيرانية في البلاد, وأصبحت هذه التحديات واضحة بشكل خاص بعد هزيمة داعش، حيث ارتفع نجم الفصائل المقاومة التي دحرت خطر الدواعش, مما أدى إلى استعداء الولايات المتحدة بشكل مباشر لفصائل المقاومة, والتي كانت تخطط لأمر آخر في العراق.
وصلت العلاقة بين العراق وادارة ترامب إلى نقطة الانهيار عندما أمرت إدارة ترامب، في أوائل يناير/كانون الثاني 2020، باغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني، وأبو مهدي المهندس نائب رئيس قوات الحشد الشعبي العراقية, وأثارت هذه العملية رد فعل عنيفًا، حيث أصدر البرلمان العراقي قرارًا يدعو إلى انسحاب القوات الأمريكية. ورافق ذلك تصاعد الهجمات على القواعد الأمريكية في العراق من قبل الفصائل العراقية، مما دفع الولايات المتحدة إلى ممارسة ضغوط سياسية وعسكرية واقتصادية أكبر على العراق.
خلال فترة ولاية ترامب الأولى عانى اقتصاد البلاد بشكل كبير نتيجة للعقوبات الأمريكية التي استهدفت مؤسساتها المالية.
وعلى الرغم من الجهود العراقية للدخول في حوارات استراتيجية مع أمريكا لتحقيق الاستقرار في العلاقات الثنائية، إلا ان تلك الحوارات تعرقلت لأسباب خارجية, مع ملاحظة ان سياسة إدارة بايدن اللاحقة كانت لخفض التصعيد مع إيران, وتواجه البلاد احتمال حدوث موجة متجددة من التصعيد بين امريكا وإيران خلال فترة ولاية ترامب الثانية. وتشير الملفات الشخصية للأفراد الذين من المرجح أن يتولوا مناصب رئيسية في إدارته إلى مرحلة صعبة للغاية بالنسبة للعراق، مع توقع موقف أميركي أكثر صرامة تجاه إيران.
ولاية ثانية تحت الضغط
إن التعقيدات التي قد يواجهها العراق في ظل إدارة ترامب الجديدة تمتد إلى ما هو أبعد من تصوره السلبي للبلاد. كما أنها مرتبطة بالتحديات الإقليمية الأوسع التي تواجه امريكا، ورغم أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني اتبع موقفاً محايداً لحماية العراق من الحرب الصهيونية في غزة ولبنان، من المرجح أن إدارة ترامب الجديدة تدرك التعقيدات المحيطة بالعراق, تختلف بغداد اليوم بشكل كبير عما كانت عليه خلال ولاية ترامب الأولى.
هناك منعطف حاسم ينتظرنا، حيث من المقرر إجراء الانتخابات العامة في العراق في هذا العام, ومن شأن رؤية أمريكية واضحة وقابلة للتنفيذ أن تسهل إجراء تغيير حقيقي في هذه الانتخابات.
الأولويات الأمريكية الرئيسية في العراق
من المرجح أن تحدد ثلاث قضايا رئيسية التعامل الأمريكي مع العراق خلال فترة ولاية ترامب الثانية.. وهي:
أولاً: فيما يتعلق بالوفاق العسكري، اتفقت الولايات المتحدة والعراق في سبتمبر 2024 على انسحاب تدريجي للقوات الأمريكية، مع فك الاشتباك الجزئي بحلول سبتمبر 2025 والخروج الكامل بحلول سبتمبر 2026. فهل ستحترم إدارة ترامب هذه الاتفاقيات، أو ستتخلى عنها، أو هل يمكن ربطها بتطورات الصراعات الإقليمية مثل تلك الموجودة في غزة ولبنان؟
ثانياً: لا تزال الفصائل المسلحة تشكل مصدراً حاسماً للتوتر في العلاقات بين امريكا والعراق. ونظراً لتاريخ المواجهة طوال فترة ولاية ترامب الأولى، فإن عودته إلى الرئاسة قد تشهد إجراءات أكثر صرامة، تتراوح من العمل العسكري إلى الاحتواء الاقتصادي، اعتماداً على الديناميكية الأوسع بين الولايات المتحدة وإيران.
ثالثا: ساهم الدعم الإيراني الكبير للحكومة العراقية, في تشكيل سياسة امريكية معادية للعراق وبشكل ثابت منذ عام 2003,
توصيات استراتيجية للعراق
مازال العراق نقطة محورية في المنافسة بين الولايات المتحدة والدول المؤثرة, لكنه يواجه أيضًا أزمات داخلية تتفاقم بسبب تقلب أسعار النفط، والصراعات الإقليمية، وانتشار الفساد، والبطالة. وتعيق هذه القضايا تقدم العراق نحو السيادة الكاملة في المسائل الاقتصادية والسياسية والأمنية.
للتغلب على هذه التحديات، يجب على العراق صياغة رؤية وطنية واضحة، تحدد أولوياته مع إدارة ترامب الجديدة, ومن أجل الحفاظ على قربه من واشنطن وحماية مصالحهم، يجب على العراق أن يقدم إجراءات لحماية الأمريكيين.
المصالح والقواعد والشركات العاملة داخل حدودها, ويجب على الحكومة أيضًا أن تثبت قدرتها على إدارة واحتواء الفصائل المقاومة الاسلامية, بشكل فعال لتقليل مخاوف الولايات المتحدة بشأن عدم الاستقرار والصراع. وفيما يتعلق بالعلاقات العراقية الإيرانية، تحتاج بغداد إلى توضيح موقفها من إيران, وتقديم استراتيجيات لتحقيق التوازن في علاقاتها مع كل من طهران وواشنطن.
وأخيراً، يجب على العراق أن يشرك الولايات المتحدة في سبل تحقيق استقرار اقتصاده, وتعزيز قدراته العسكرية والاستخباراتية, لمواجهة التهديدات مثل داعش.
مسؤوليات الولايات المتحدة
وعلى العكس من ذلك، من المرجح أن يطرح العراق شكوكه الخاصة على إدارة ترامب الجديدة، الأمر الذي سيتطلب إجابات أمريكية واضحة لإنشاء إطار بناء للعلاقات الثنائية. وتشمل هذه الاستفسارات بشأن الخطوات العملية التي ترغب الولايات المتحدة في اتخاذها لحماية السيادة العراقية, واعتماد برامج واضحة تدعم مساعي العراق الإقليمية والدولية.
وبالمثل، سيسعى العراق إلى الحصول على توضيح بشأن التدابير التي يمكن للولايات المتحدة تنفيذها لتعزيز الأجندات الاقتصادية والتنموية للبلاد، لا سيما في مجالات الصحة والبنية التحتية. علاوة على ذلك، سوف يستفسر العراق حول الخطوات التي تنوي الولايات المتحدة اتخاذها لتعزيز القدرات العسكرية العراقية، مع التركيز على الأمن والاستخبارات والدعم اللوجستي.
الخاتمة
إن نجاح العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق خلال فترة ولاية ترامب الثانية سوف يتوقف على الالتزام المتبادل بإطار استراتيجي مستقر وشفاف, وهذا يتطلب جداول زمنية واضحة ومسؤوليات مشتركة لتحويل العراق إلى دولة ذات سيادة كاملة, قادرة على المساهمة في الاستقرار الإقليمي.
يتعين على الولايات المتحدة أن تستثمر في تعزيز المؤسسات العراقية بدلاً من استخدامها كأدوات للصراعات الإقليمية.
كذلك يتعين على العراق بدوره أن يعمل على تأكيد حياده وتعزيز النهج المتوازن في التعامل مع القوى الخارجية، من أجل ضمان المسار نحو الاستقرار الطويل الأمد والتكامل الدولي.
المصدر: صوت العراق