You are currently viewing لماذا قصف الكيان “إدلب” عاصمة “دولة” الجولاني الأولى بعد المجمع الرئاسي في دمشق؟ وما هي استراتيجيّة نتنياهو الجديدة التي يُطبّقها حاليًّا في حقل التّجارب السوري استِعدادًا لنقلها إلى دُوَلٍ عربيّةٍ كُبرى أُخرى؟

لماذا قصف الكيان “إدلب” عاصمة “دولة” الجولاني الأولى بعد المجمع الرئاسي في دمشق؟ وما هي استراتيجيّة نتنياهو الجديدة التي يُطبّقها حاليًّا في حقل التّجارب السوري استِعدادًا لنقلها إلى دُوَلٍ عربيّةٍ كُبرى أُخرى؟

عبد الباري عطوان

بعد الغارات الجويّة التي قصفت المجمع الرئاسي السوري، ووصلت شظاياها إلى مقرّ الرئيس أحمد الشرع، شنّت الطّائرات الإسرائيليّة فجر اليوم السبت 20 غارة جديدة استهدفت مراكز عسكريّة في مُختلف أنحاء سورية، خاصّة في إدلب (عاصمة الجولاني السّابقة)، وحماة واللاذقيّة، في رسالةٍ واضحةٍ تنفيذًا أوّليًّا للبيان المُشترك الذي صدر عن بنيامين نتنياهو ووزير حربه يسرائيل كاتس الذي قالا فيه “إنّ هذا القصف رسالة واضحة للنظام السوري الجديد تقول مُفرداتها: “لن نسمح بنشر قوّات سوريّة جنوب دمشق، أو بتشكيل أيّ تهديد للطّائفة الدرزيّة بأيّ شكلٍ من الأشكال”.
جنوب سورية أصبح مُحتَلًّا بالكامل من قِبَل القوّات الإسرائيليّة التي أقامت “9 قواعد” عسكريّة فيه، والذّريعة عدم السّماح بوجود قوّات مُعادية (الجيش السوري) في المناطق الدرزيّة التي تعهّدت هذه القوّات بحمايتها، ومنع وصول أسلحة لسورية، وبقاء العاصمة دمشق تحت التّهديد الإسرائيلي.

***

دولة الاحتلال الإسرائيلي تُريد أن تُعيد رسم خريطة الشّرق الأوسط، التّرابيّة والسياسيّة وفق استراتيجيّة جديدة بدأ تطبيق أوّل فُصولها في سورية وتقوم على الأركان التّالية:
أوّلًا: “تثوير” الأقليّات الطائفيّة والعِرقيّة في جميع الدّول العربيّة الرئيسيّة ضدّ أنظمة الحُكم القائمة فيها، من خلال “فبركة” فتن تُصعّد الكراهية وتقود إلى الصِّدام، وتُمهّد الطّريق للتدخّل العسكريّ الإسرائيليّ “المُنقِذ”.
ثانيًا: الشّريط الذي جرى توزيعه لشخص قيل إنّه درزي جرى التّطاول فيه على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، هو أحد عناصر وأدوات هذه الخطّة، ونكاد نجزم بأنّ غُرَف العمليّات الاستخباريّة الإسرائيليّة السّوداء هي التي صنّعته، وحقّقت نجاحًا كبيرًا بتفجير الصِّدامات في جرمانا وصحنايا، وقبلهما في السّاحل الشّمالي بطَريقةٍ أُخرى.
ثالثًا: جميع الدّول العربيّة، والكُبرى منها خاصّة، مِثل مِصر والسعوديّة والعِراق والجزائر هي المُستَهدفة في المرحلة القادمة، ولا بُدّ مِن تحصين أمنها الدّاخلي من هذا المُخطّط، ففي جميعها تُوجَد “أقليّات” طائفيّة وعِرقيّة، ونترك التّفاصيل لكُم، وهي واضحة ولا تحتاج إلى ذِكرها وشَرحها.
رابعًا: سورية مُجرّد حقل تجارب لتطبيقات هذا المُخطّط، لأنّها في صُورتها الحاليّة المكان المُلائم والأنسب بسبب الانقسامات العِرقيّة والطّائفيّة فيها، وعدم وجود الدّولة أو الحُكومة الجامعة، ومنسوب التّعايش المُلائم على أرضيّةٍ توحيديّة وطنيّة، وما حدث في السّاحل الشّمالي مِن مجازر، وتسريح أكثر من ما يُقارب المِليون جندي، ورجل أمن، ومُوظّف في مُؤسّسات الدّولة بحُجّة أنّهم من فُلول النّظام السّابق كلّها قد تُجسّد البيئة الصّالحة للاقتِتال الدّاخلي الطّائفي أو العِرقي، أو الاثنين في المرحلةِ المُقبلة.
خامسًا: نقول، ونُكرّر، إنّ التّفتيت والتّقسيم هو الهدف النّهائي من هذا المُخطّط، من حيثُ إقامة دول أو كانتونات طائفيّة أو عِرقيّة، ونجاحه في سورية يعني الانتقال إلى المرحلةِ الثّانية، أي نقله إلى المراكز العربيّة الرئيسيّة الأُخرى.
سادسًا: الولايات المتحدة ودول غربيّة أُخرى على علمٍ ودراية بهذا المُخطّط الإسرائيلي، والأخطر من ذلك أنّها تدعمه وتُباركه، وصمتها، بل تشجعيها، لهذا التوغّل الإسرائيلي في جنوب سورية وجنوب لبنان، ناهيك عن حربيّ الإبادة في قطاع غزة والضفّة الغربيّة واليمن، علاوةً على تبنّيها للتّفكيك الحالي في ليبيا، وليتَ قومي يعلمون.
اختلفنا كثيرًا مع السيّد وليد جنبلاط، وبعض سياساته المُتناقضة مع إرث والده في وقوف الأشقّاء الدروز المُوحّدين في خندق الإسلام والعُروبة والمُقاومة، أُسوةً بالقائد المُوحّد العظيم سُلطان باشا الأطرش، ولكنّنا نتّفق معه في موقفه الوطنيّ الجديد في التّأكيد على الانتماء العربي لأبناء طائفته، وحثّهم على التمسّك بسُوريّتهم، والوقوف في خندق المُواجهة للفتن الإسرائيليّة، وتخوين كُل من يطلب الوقوف تحت مظلّة حماية الجيش الإسرائيلي.
نعم إسرائيل تُريد توريط الأشقّاء المُوحّدين في حُروبٍ مفتوحة مع أكثر من مِلياريّ مُسلم في العالم، وتحويلهم إلى أدواتٍ في خدمةِ مُخطّطاتها، وهي حرب خاسرة حتمًا، وإسرائيل التي انهزمت في غزة واليمن، وكادت تتلقّى هزيمةً تاريخيّةً في لبنان، وهذا موضوعٌ آخر، لا يُمكن، بل لا يجب أن تنتصر ومُخطّطاتها في سورية، أو مكان عربي مُسلم آخر، ونرى هزيمتها مكتوبة على الحائط، وهي الآن تلفظ أنفاسها الأخيرة، فقتل الأطفال والتّدمير والتّجويع لا يُمكن أن يكون مُؤشِّرًا على النّصر.
***
إذا كان النظام السوري الجديد يُعارض مشروع التّفكيك، والتّقطيع الإسرائيلي، فإنّ أوّل خطوة يجب أن يتّخذها هي الوقوف في خندق المُقاومة، وإعلان صريح برفض التّطبيع مع دولة الاحتلال، وجعل سورية عُنوانًا للتّعايش والتّسامح ووطنًا للجميع دون أيّ تفرقة أو تمييز، فهل يقول ويفعل؟
نتنياهو شدّد على أنّه لا يُريد وصول أيّ أسلحة لهذا النّظام الحاكم في دمشق، فلماذا لا يردّ عليه النظام السوري فورًا، بالسّماح بمُرور كُلّ الأسلحة والصّواريخ إلى المُقاومة في لبنان؟ ولماذا لا يُطالب حاضنته التركيّة التي تملك ترسانةً هائلةً مِن الصّواريخ والطّائرات والمُسيّرات والأساطيل البحَريّة والبريّة بالتّدخّل لحمايته، وهو الذي وُلِدَ من رَحِمِها؟
ختامًا نقول إنّ جميع هذه الدّول العربيّة التي اكتفت بإصدار بيانات إدانة “شديدة” اللّهجة للتّدخّل العسكري الإسرائيلي الاحتِلالي والتّفكيكي للأراضي السوريّة، وأدارت وجهها إلى الجانب الآخَر عمّا يجري فيها، تمامًا مثلما فعلت وتفعل في قطاع غزة، نقول لها إنّ دوركم قادم، وقريبًا جدًّا، وستدفعون الجزية ليس لترامب فقط، وإنّما لسموتريتش وبن غفير، فاستَمرّوا بإصدار البيانات فقط.. والأيّام بيننا.

 

المصدر: رأي اليوم

لماذا قصفت إسرائيل “إدلب” عاصمة “دولة” الجولاني الأولى بعد المجمع الرئاسي في دمشق؟ وما هي استراتيجيّة نتنياهو الجديدة التي يُطبّقها حاليًّا في حقل التّجارب السوري استِعدادًا لنقلها إلى دُوَلٍ عربيّةٍ كُبرى أُخرى؟ | رأي اليوم

شارك المقالة