عبد الباري عطوان
تنعرض حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وبعض مسؤوليها والناطقين باسمها، خاصة الدكتور خليل الحية، و”أبو عبيدة” المتحدث العسكري هذه الأيام الى انتقادات شديدة سواء بشكل مباشر من حكومات عربية، او غير مباشر عبر ما يسمى بالذباب الالكتروني على منصات التواصل الاجتماعي والجريمة التي ارتكبها هذين القياديين المجاهدين، انهما لم يشيدا بها ومواقفها “الداعمة” للمقاومة اثناء حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، والاعتراف بدورها في النصر الكبير.
حقيقة ان الدكتور الحية وزميله “أبو عبيدة” هما اللذان يجب ان يوجه لهما الشكر من قبل الحكومات العربية لانهما كانا في قمة الأدب والتهذيب ولم يفضحا هذه الحكومات لوقوفها في خندق دولة الاحتلال ضد المقاومة، بل ما حدث بالعكس وهو مطالبتها إسرائيل وداعمتها الامريكية بالقضاء على المقاومة في القطاع (حماس والجهاد) بأسرع وقت ممكن، وهذا كله موثق في كتاب “الحرب” للصحافي الأمريكي بوب وودورد.
معظم الحكومات “الرسمية” العربية ستدخل التاريخ، مكللة بعار الصمت على المجازر الإسرائيلية، بل وتواطئ بعضها معها عمليا، ولم تحرك جيوشها، او حتى فرق كشافتها، للتصدي لحرب الإبادة، وإنهاء الحصار التجويعي لأكثر من مليونين من اشقائهم في القطاع المحاصر.
***
حركة “حماس” والمتحدثون باسمها كانوا محقين تماما في تجاهل هذه الحكومات المتواطئة وعدم توجيه أي شكر لها، ولو فعلت عكس ذلك لكنا أول المنتقدين لها، فلا يمكن التزاوج بين الجهاد والنفاق والمجاملات، وندعم رأينا هذا بالتذكير بخطايا هذه الحكومات:
أولا: لم تقدم أيا من هذه الحكومات رصاصة واحدة دعما لحركة حماس او الجهاد الإسلامي، او باقي فصائل المقاومة، سواء اثناء حرب الإبادة في غزة او في المستقبل القريب او البعيد.
ثانيا: لم تبادر أيا من الحكومات العربية المطبعة مع دولة الاحتلال على طرد السفير الإسرائيلي واغلاق سفارته تضامنا ومساندة واحتجاجا على المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة، أسوة بدول غير عربية وغير إسلامية، مثل جنوب افريقيا، نيكاراغوا، بوليفيا، مملكة بيليز، هندوراس، كولومبيا، تشيلي، فنزويلا، والبرازيل.
ثالثا: جميع الدول المطبعة التي يرفرف العلم الإسرائيلي في سماء عواصمها لم تسمح مطلقا لفتح “مكتب” لحركة “حماس” فيها، والشيء نفسه يقال عن معظم الدول العربية الأخرى غير المطبعة، الا ما ندر.
رابعا: معظم الحكومات العربية لم تكتف بعدم الاعتراف، ولو بطرق غير رسمية، بحركة حماس فقط، وانما أقدمت، وتقدم أجهزتها الأمنية على اعتقال أي “متهم” بالانتماء اليها، لتبرئة نفسها عند أمريكا ودولة الاحتلال، والحصول على رضائهما، ويوجد في الوقت الراهن العديد من كوادر الحركة في السجون العربية، وترفض هذه الحكومات محاكمتهم او حتى الاعتراف باعتقالهم.
خامسا: رغم العلاقات القوية جدا بين معظم الحكومات العربية سواء مع أمريكا او إسرائيل، وهي علاقات تصل الى درجة التواطؤ، والتعاون الأمني، واستضافة قواعد عسكرية أمريكية، وربما صهيونية أيضا، رغم كل هذه العلاقات، لم تستطع ارسال علبه حليب واحدة، او علبة دواء او تضميد جراح جريح مجاهد، او حتى توفير الاكفان للشهداء.
سادسا: في الوقت الذي تشارك فيه بعض الحكومات العربية في تشديد الحصار على قطاع غزة، وقبلها على العراق العظيم، وسورية ولبنان واليمن، أقدمت بعضها وما زالت، تقيم الجسور البرية لدعم الاحتلال باحتياجاته من الغذاء والسلاح، وحافظت على علاقاتها التجارية معه، ورحلات طيرانها، وممكن إضافة دولة الخلافة التركية الى هذه الفئة.
المجاهدان الحية وأبو عبيدة وجها الشكر لمن يستحقونه، بشكل صريح ومباشر، فالمجاهد أبو عبيدة، وننقل حرفيا ما ورد في خطابه الأخير الذي القاه بعد غياب بمناسبة الإعلان عن وقف إطلاق النار قال “نوجه الشكر الى جماعة انصار الله والشعب اليمني، والمقاومة الإسلامية (حزب الله) والشعب اللبناني، وايران، والمقاومة العراقية، واحرار الأردن، لمشاركتهم جميعا في طوفان الأقصى”.
ووجه الشكر والتحية “الى كل شعوب أمتنا العربية والإسلامية، التي تظاهرت وناصرت قضيتنا، ولا تزال، وارسلت لنا كل أشكال الدعم المادي والمعنوي ولا تزال، ابتداء من شعوب الخليج العربي شرقا وانتهاء بشعوب المغرب العربي غربا وكافة شعوب أمتنا الاسلامية من طنجة الى جاكرتا، كما نحيي احرار العالم الذين تظاهروا بالملايين ولا يزالون، لأكثر من 14 شهرا ضد حرب الإبادة ونصرة للقضية الفلسطينية”.
***
من أهم أسباب نجاح حركات المقاومة في الضفة الغربية وقطاع غزة استقلالية قرارها، وعدم اعتمادها على أموال ودعم أي حكومات عربية متواطئة او مطبعة مع أمريكا ودولة الاحتلال، تجنبا للسقوط في الحفرة العميقة التي سقطت فيها منظمة التحرير الفلسطينية، ولم تخرج منها حتى الآن، واعتقد انها ستخرج منها في المستقبل القريب، ويضاف الى ذلك عدم خوفها من الاحتلال وقوته، ونظرية توازن القوى، والصبر الاستراتيجي، والرهان على المجتمع الدولي ومؤسساته.
ختاما يشرفنا ان نتقدم بالشكر الى المجاهدين الحية وأبو عبيدة اللذين كانا على درجة عالية من الشجاعة ترتقي الى مستوى الصمود الأسطوري، وانتصار طوفان الأقصى، وعدم “مجاملة” أنظمة عربية متواطئة، لا تعرف شيئا اسمه الكرامة وعزة النفس، والدفاع عن حرمة الأوطان والمقدسات، فحرب غزة كانت الامتحان الأكبر لقيم العروبة والعقيدة الإسلامية وإرثهما، ومن المؤسف، وربما من المفرح، ان معظم الحكومات العربية، سقطت سقوطا مريعا، وجاءت درجاتها دون الصفر، ولكن المقاومة تسير، وبسرعة حتى النصر الأكبر الوشيك بإذن الله.
المصدر: رأي اليوم