You are currently viewing فورين بوليسي: نتنياهو يكرر سيناريو “المهمة أُنجزت” لبوش.. لكن المكاسب التكتيكية ليست ضماناً للشرق الأوسط الذي يريده

فورين بوليسي: نتنياهو يكرر سيناريو “المهمة أُنجزت” لبوش.. لكن المكاسب التكتيكية ليست ضماناً للشرق الأوسط الذي يريده

حذّر أستاذ كرسي روبرت ورينيه بيلفر للعلاقات الدولية بجامعة هارفارد ستيفن والت من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو في الطريق لارتكاب نفس الخطأ الفادح الذي ارتكبه جورج دبليو بوش في العراق.

وتحت عنوان “لحظة إسرائيل.. المهمة أكملت في الشرق الأوسط”، في “فورين بوليسي”، ذكّر الكاتب بإعلان بوش، في الأول من أيار/مايو 2003، الذي ارتدى زياً قتالياً، وهبطت مروحية أس-3 على ظهر حاملة الطائرات أبراهام لينكولن،حيث وقف وخلفه يافطة كتب عليها “المهمة أكملت”، وقال إن العمليات القتالية الكبرى في العراق قد انتهت، و”قد انتصرت الولايات المتحدة مع حلفائنا”، حيث بدا سعيداً وزادت شعبيته في الاستطلاعات، وهنّأ المحافظون الجدد، الذين هندسوا غزو العراق، أنفسهم بسبب جرأتهم وحكمتهم.

إلا أن الظروف في العراق تدهورت، وأصبح ينظر إلى قرار غزو العراق بأنه فشل إستراتيجي ذريع.

ويقول والت: “لقد تذكرت ذلك الحادث وأنا أشاهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأنصاره يحتفلون بدكّ لبنان الذي توّج ( بدون نهاية) باغتيال زعيم “حزب الله”، حسن نصر الله، إلى جانب عدد من القيادات العسكرية البارزة. فعلى مدى عام تحدى نتنياهو وزير دفاعه ومنافسيه المحليين وعائلات الأسرى لدى “حماس” وإدارة بايدن، حيث قام بمدّ وتوسيع الحرب، التي بدأت بهجوم “حماس” على إسرائيل، قبل عام تقريباً. فالبلد الذي تم تقديمه بدولة الشركات الناشئة أصبحت دولة تفجير الأشياء”.

بادر نتنياهو بتذكير أعداء إسرائيل بأن لا شيء يمنعها من الوصول إليهم. وفي ضوء الضرر الذي أحدثته القوات والمخابرات الإسرائيلية على أعدائها، ليس مفاجئاً أن يقوم نتنياهو برقصة انتصار مثل بوش

و”بادر نتنياهو بتذكير أعداء إسرائيل بأن لا شيء يمنعها من الوصول إليهم. وفي ضوء الضرر الذي أحدثته القوات والمخابرات الإسرائيلية على أعدائها (وقتل عشرات الآلاف من المدنيين)، فليس مفاجئاً أن يقوم نتنياهو برقصة انتصار مثل بوش”.

ويرى والت أن إسرائيل حققت، وبلا شك، خلال الأسابيع الماضية، إنجازات تكتيكية، واستغلت أخطاء محيّرة من قيادة “حزب الله”، وفجّرت أجهزة بيجر وتوكي ووكي، و”كما حدث في غزة، فقد استخدمت القوات الإسرائيلية الأسلحة المتقدمة التي زودها بها العم سام، والتي تسبّبت بأضرار كبيرة في لبنان، وأضعفت قدرات “حزب الله” الصاروخية. وأتبع سلاح الجو الإسرائيلي هذا بغارات ضد الحوثيين في اليمن، ودخلت القوات الإسرائيلية جنوب لبنان، وستواجه إيران انتقاماً من إسرائيل على الغارات الصاروخية الأخيرة”.

وأضاف أن نتنياهو وحكومته المتطرفة استخدموا الحرب والرد الأمريكي الضعيف لزيادة العنف وسرقة الأراضي في الضفة الغربية، وكجزء من مخطط “إسرائيل الكبرى”.

وتساءل، ما الذي سيوقف نتنياهو عن تحريك الطاولة، ويعيد حرف الميزان الإقليمي لصالح إسرائيل، وللأبد؟

وأجاب أن الإنجازات التكتيكية لا تضمن النجاح الإستراتيجي، لكنك لو جمعت الكثير من هذه الإنجازات، فربما كنت قادراً على تغيير المناخ بطريقة مهمة ودائمة. وهذا في الحقيقة ما يهدف إليه نتنياهو، لكن هناك عدة أسباب تشكّك في قدرته على تحقيق هذا.

وبداية، فالضرر الذي تسبّبت به إسرائيل ضد محور المقاومة لن يدفعه للتخلي عن القضية أو يرفع الراية البيضاء.

وهناك أمر مضحك، فإسقاط أطنان من المتفجرات على السكان لن يزيد في حبهم لك، بل سيغرس في نفوس الكثيرين منهم الرغبة بالانتقام، أو على الأقل دفع جلادهم للتوقف. فلا يزال “حزب الله” يطلق الصواريخ على إسرائيل، بشكل يجعل من الاستحالة عودة 60,000 إسرائيلي فرّوا من الشمال.

 

وسيعيد الحزب تشكيل نفسه من جديد مع مرور الوقت. ويحلّ محل القادة آخرون، ويقوم الكادر بإعادة البناء والتسلّح من جديد، وبأساليب حربية جديدة، والتعلّم من الدروس.

وتحاول إسرائيل إرسال جنودها من جديد إلى جنوب لبنان، لكن توغلاتها السابقة لم تنته بشكل جيد.

وبالنسبة للفلسطينيين الذين تسبّبت سوء معاملة إسرائيل لهم بالمشكلة، فليس لديهم خيارات سوى مواصلة المقاومة مع ما تفعله إسرائيل بهم. وربما كانت الأمور مختلفة لو كانت إسرائيل تعرض عليهم بديلاً جذاباً، مثل دولة قابلة للحياة خاصة بهم، أو حقوق متساوية داخل إسرائيل الكبرى، ولكن نتنياهو أغلق الباب أمام هذه الاحتمالات. فقد عقد الرئيس المصري أنور السادات السلام مع إسرائيل، واستعادت مصر سيناء، وعقدت “منظمة التحرير الفلسطينية” السلام مع إسرائيل، وحصلت على المزيد من المستوطنات غير الشرعية.

فالخيارات الوحيدة التي تعرضها إسرائيل عليهم اليوم هي: الطرد، الإبادة، أو قبول نظام التمييز العنصري، ولن يرضى أي شعب بهذه المصائر دون قتال.

وليس غريباً أن تتراجع شعبية السلطة الوطنية التي وقّعت اتفاقية مع إسرائيل، واعترفت بها وتعاونت معها، في وقت زادت فيه شعبية “حماس”.

وبالمثل، فقد أحبطت إسرائيل وأنصارها في الولايات المتحدة جهود إيران في ظلّ رئيسيها، علي أكبر هاشمي رفسنجاني وحسن روحاني، لتحسين العلاقات مع واشنطن (وبالضرورة إسرائيل). وكان هذا واضحاً عندما أقنعوا الرئيس السابق دونالد ترامب الساذج بالخروج من خطة العمل الشاملة المشتركة، وهي الصفقة التاريخية التي تحدّ بشدة من البرنامج النووي الإيراني، في عام 2018. وقد عززت هذه التحركات أيدي المتشددين الإيرانيين. وستفعل الأزمة الحالية في المنطقة الشيء نفسه، على الرغم من أن الرئيس الإيراني الجديد أشار، أكثر من مرة، إلى رغبته في خفض التوترات. وردت إيران على جهود إسرائيل لإضعاف أو القضاء على حلفائها الإقليميين (بما في ذلك اغتيال الزعيم السياسي لـ

“حماس” إسماعيل هنية في طهران، في تموز/يوليو) بإطلاق صواريخها على إسرائيل، وهي خطوة محفوفة بالمخاطر من شأنها أن تدفع إسرائيل إلى الرد، لكن طهران شعرت بلا شك أنها لا تستطيع البقاء على الهامش والاحتفاظ بمصداقيتها. ولسوء الحظ، فستدفع هذه الأحداث، على الأرجح، قادة إيران، إلى تجاوز وضعهم كدولة نووية كامنة، وبناء ترسانة نووية خاصة بهم. ومن شأن مثل هذا القرار أن يزيد من احتمالات اندلاع حرب إقليمية شاملة، ولكن إسرائيل تواصل منحهم حوافز إضافية تدفعهم إلى الرغبة في الحصول على الرادع النهائي. وإذا حدث هذا فإن النجاحات التي حققتها إسرائيل مؤخراً سوف تبدو قصيرة النظر إلى حد كبير.

ويقول والت إن تصرفات إسرائيل الأخيرة عزّزت من عزلتها الجيوسياسية، وربما عرّضت علاقاتها التاريخية مع الولايات المتحدة للخطر.

وقد تبخّرَ التعاطف الدولي الذي حصلت عليه إسرائيل بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر، بعدما راقبها العالم وهي ترتكب المذبحة ضد السكان المدنيين في غزة ولبنان.

وأعلنت “محكمة العدل الدولية” أن احتلال إسرائيل للضفة الغربية يشكّل انتهاكاً للقانون الدولي، وقد يواجه نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت أوامر اعتقال من “المحكمة الجنائية الدولية” بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

الكاتب: الخيارات الوحيدة التي تعرضها إسرائيل اليوم هي الطرد، الإبادة، أو قبول نظام التمييز العنصري، ولن يرضى أي شعب بهذه المصائر دون قتال

والآن أصبح اعتراف المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى معلقاً، وتحوّلَ أغلب دول الجنوب العالمي ضدها، وأصبحت الحكومات الأوروبية منزعجة بشكل متزايد.

كان الانسحاب الذي استقبل خطاب نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، لفتة رمزية، لكنه انعكاسٌ واضح عن الطريقة التي ينظر فيها الكثيرون له ولإسرائيل.

وربما وجد نتنياهو وأنصاره العزاء في الصك المفتوح الذي منحته إدارة بايدن له، وتدفق الأسلحة الأمريكية لقواته، والتصفيق الحار الذي حظي به أمام الجلسة المشتركة في الكونغرس، ونجاح اللوبي المؤيد لإسرائيل بإسكات كل الأصوات الناقدة له ولحكومته والحرب في الجامعات والكليات الأمريكية. وتظل هذه نجاحات تكتيكية قصيرة الأمد، وربما أدت لردة فعل عكسية وخطيرة. ولا يحب الكثير من الناس لغة التنمّر عليهم، أو فرض قيود على الخطاب، والقيود الأخرى التي تهدف لإسكات النقد المشروع لإسرائيل وأفعالها.

كل هذا من شأنه أن يولد الكثير من الاستياء، خاصة عندما يتم ذلك بشكل صارخ ومفتوح لحماية بلد منخرط في حملة إبادة جماعية من العنف والتطهير العرقي. وأكثر من هذا، فقد تقود أفعال إسرائيل إلى حرب إقليمية تجر الولايات المتحدة إليها. وربما تساءل الأمريكيون عن قيمة “العلاقات الخاصة”.

فقد كانت حملة المحافظين الجدد للإطاحة بصدام حسين تدفعها رغباتهم بتأمين إسرائيل، ولهذا السبب عملت اللجنة الأمريكية- الإسرائيلية للشؤون العامة أو إيباك ونتنياهو على مساعدة بوش لتسويق حربه.

لكن الدعم لم يكن السبب لاندلاع الحرب، حيث لم يتم تحميل إسرائيل أو إيباك المسؤولية. واليوم، فلو قتل جنود أمريكيون أو بحارة في الشرق الأوسط فسيكون الخطاب السائد هو أن الإدارة الأمريكية عرضت أرواح الأمريكيين للخطر دفاعاً عن دولة عميلة جاحدة إلى الأبد، تأخذ المال والأسلحة من الولايات المتحدة، ثم تفعل ما يحلو لها.

وعلاوة على ذلك، إذا تسبّب سوء إدارة الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن للموقف في خسارة كامالا هاريس للانتخابات، في تشرين الثاني/نوفمبر، فسوف يبدأ كلٌّ من الديمقراطيين والجمهوريين في التساؤل عما إذا كان الدعم لإسرائيل، والذي ارتدّ سلباً، لا يزال الموقف السياسي الذكي. وإذا حدث أيّ من هذا، فإن خطر رد الفعل العنيف ضد مؤيدي إسرائيل في الولايات المتحدة سوف يزداد. و”إذا كنت قلقاً بشأن تصاعد معاداة السامية في الولايات المتحدة، فإن هذا الاحتمال يجب أن يخيفك أكثر بكثير من بعض المظاهرات غير الضارة عادة في الحرم الجامعي”.

وفي النهاية، فإن سياسة نتنياهو وأنصاره في الولايات المتحدة لا تضرّ فقط بالعلاقات مع واشنطن، ولا تتسبّب بالعزلة العالمية، فهي ستترك أثراً على إسرائيل نفسها. ففي أعقاب هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، كان لدى إسرائيل فرصة للتخلص من نتنياهو الذي عرضت قرارته الإسرائيليين لهجمات “حماس”، وبالتالي حرف وجهة البلاد نحو الحياة الطبيعية، ولم يحدث هذا.

كانت حملة المحافظين الجدد للإطاحة بصدام حسين تدفعها رغباتهم بتأمين إسرائيل، ولهذا السبب عملت اللجنة الأمريكية- الإسرائيلية للشؤون العامة أو إيباك ونتنياهو على مساعدة بوش لتسويق حربه

وستعمل النجاحات التكتيكية التي حققها نتنياهو، في الأسابيع الأخيرة، على تقوية موقفه السياسي مع المتطرفين اليمينيين الذين تستند سياساتهم إلى رؤية دينية ومسيانية متشددة لمستقبل إسرائيل. وسوف يستمر الإسرائيليون المعتدلون والعلمانيون، الذين يشكّلون محور القطاعات التكنولوجية العالية التي غذت الاقتصاد في السنوات الأخيرة، في الرحيل، لتجنّب العيش في إسرائيل التي يريد رجال مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش خلقها.

ويعيش بالفعل أكثر من 500 ألف إسرائيلي (أي نحو 5% من السكان) في الخارج؛ وتشير الاستطلاعات إلى أن 80% منهم لا ينوون العودة.

وقد ارتفع عدد المهاجرين بشكل كبير في العام الماضي. وتشير تقارير صحيفة “واشنطن بوست” إلى أن اقتصاد إسرائيل “في خطر شديد”. وتفيد التقارير الصادرة عن الجامعات الإسرائيلية إلى انخفاض حاد في أعداد الطلاب الأجانب، وهو ما يشكل علامة أخرى على تآكل صورتها، وضربة للتقدم العلمي في المستقبل.

وباختصار، عزّزت إنجازاتُ نتنياهو القصيرة الأجل الاتجاهات التي تعرّض مستقبل البلاد للخطر في الأمد البعيد.

وعلى العموم، فالحياة ليست مؤكدة، وخاصة في السياسة، وكل استشرافات الكاتب ليست محتومة، و”كما كتبت قبل بضعة أسابيع، فإن ما يبدو للوهلة الأولى وكأنه انتصارٌ عسكري أو سياسي مذهل قد يحتوي في بعض الأحيان على بذور مشاكل أعمق تبرز مع مرور الوقت. والتحدي الذي يواجه الزعيم الناجح هو استخدام المزايا المؤقتة لتأمين فوائد طويلة الأجل. ولكن القيام بذلك يتطلب معرفة متى يتوقف، ومتى يتحول من القتال إلى حلّ الصراع. ومن المؤسف أنه لا يوجد أي علامة على أن نتنياهو يتمتع بهذه المهارات، أو لديه أدنى اهتمام باكتسابها”.

القدس العربي

شارك المقالة