You are currently viewing انتخابات كردستان العراق وسط الخلافات البينية والتجاذبات الإقليمية

انتخابات كردستان العراق وسط الخلافات البينية والتجاذبات الإقليمية

إقليم كردستان العراق على موعد مع الانتخابات التشريعية المحلية، فبعد لقاءات المسؤولين الكرد مع ممثلي القوى السياسية الفاعلة في بغداد، فضلاً عن الاتصالات واللقاءات بين القوى السياسية الكردية في الإقليم، تم التوافق على تحديد يوم 20 تشرين الأول/اكتوبر المقبل موعداً للانتخابات التشريعية المشار إليها لاختيار أعضاء برلمان، وهي الانتخابات التي تكتسي أهمية إضافية في هذا الدور التشريعي قياساً إلى الدورات السابقة.
فهذه الانتخابات تأتي في أجواء تجاذب داخلي بين القوى الكردستانية، خاصة بين (الديمقراطي/البارتي، والوطني/ يكيتي) كونهما من أكبر الأحزاب، وأكثرها تأثيراً على المستويين السياسي والعسكري؛ هذا مع أهمية أخذ تقدم الديمقراطي على الوطني تنتظيمياً وسياسياً وعسكرياً وجماهيرياً سواء في داخل الإقليم أم على المستوى الكردستاني بعين الاعتبار. وعلاوة على ذلك، هناك شبكة علاقات دبلوماسية واسعة على الصعيدين العالمي والإقليمي راكمها الديمقراطي على مدى تاريخه الطويل، وبفعل مواقفه اللافتة في المراحل الحرجة. بالإضافة إلى ما تقدم، يمثل وجود الرئيس مسعود بارزاني، ودوره التوازني المؤثر كردستانياً وعراقياً، إلى جانب مصداقيته الدولية والإقليمية، والتزامه بوعوده وعهوده ميزة إضافية لا يمتلكها الوطني، ولا تمتلكها الأحزاب الكردية الأخرى ضمن إقليم كردستان وخارجه. واليوم ينُظر إليه بوصفه زعيم الكرد من دون منازع، وليس مجرد رئيس لحزب.
هذا في حين أن التحولات التي طرأت على قيادة الاتحاد الوطني بعد وفاة زعيمه ومؤسسه الراحل جلال الطالباني، الرئيس العراق الأسبق، أثرت سلباً على الواقع التنظيمي للحزب، ودوره السياسي والمجتمعي؛ هذا فضلاً عن تراجع دوره في الساحتين الإقليمية والدولية، خاصة مع الدول العربية وتركيا. وفي المقابل توطدت العلاقات بين الاتحاد الوطني في ظل قيادته الجديدة والنظام الإيراني، وبلغت حد الاصطفاف شبه المطلق معه في ما يخص القضايا العراقية والكردية في الوقت ذاته. وما أسهم في ذلك عدة عوامل في مقدمتها استبعاد القيادات المعروفة ضمن الاتحاد عن مراكز القرار، بل وتهميشها، وإلغاء دورها بصورة شبه نهائية. هذا إلى جانب الخلافات الداخلية ضمن القيادة الجديدة نفسها، وهي الخلافات التي أدت في نهاية المطاف إلى حد الانشقاق بين كل من بافل طالباني نجل الرئيس الطالباني، رئيس الاتحاد الوطني الراهن، ولاهور شيخ جنكي ابن عمه الذي انشق عنه وأسس حزب جبهة الشعب.
وما يضفي المزيد من التعقيد على المشهد الكردي الداخلي، هو أن هذه الأحزاب تمتلك القوات العسكرية، والأجهزة الأمنية الخاصة بها، رغم دعوات ووعود كثيرة تمحورت حول ضرورة التوحيد. حتى أنه قيل في أكثر من مرة أن قرارات قد اتخذت لدمج القوات العسكرية، وتوحيد الأجهزة الأمنية، لتكون جزءا من المنظومة الدفاعية الأمنية الرسمية للإقليم، تأخذ الأوامر من حكومة الإقليم، لا من الجهات الحزبية ولصالح أجندات حزبية أو إقليمية، ولكن كل تلك الدعوات والوعود ظلت مجرد كلام لم يجد طريقه إلى الواقع الملموس.
ومن الواضح أن القوى الإقليمية المعنية بالقضية الكردية أكثر من غيرها، كونها لم تتمكن حتى الآن من التوصل إلى حل واقعي عادل بشأن القضية الكردية مع كردها، ونشير هنا على وجه التحديد إلى تركيا وإيران، إلى جانب السلطة الأسدية، تستغل نقاط الضعف في الوضع الكردي الداخلي في إقليم كردستان، وتحاول من حين إلى آخر الضغط على هذا الطرف أو ذاك، سواء بالوعود المعسولة، والأعمال العسكرية المباشرة، كما يفعل النظام الإيراني، أو نقل معاركها إلى داخل الإقليم كما تفعل تركيا بحجة ملاحقة حزب العمال الكردستاني، والقضاء على تهديداته ومخاطره، وهو الأمر المستمر منذ عقود، ويؤثر سلباً على الواقع الاقتصادي والسياسي والأمني والمجتمعي في الإقليم.
وعلاوة على ذلك، يعتمد النظام الإيراني بصورة واضحة من خلال الأقوال والأفعال والتحالفات، وتوجيه المؤسسات العراقية الاتحادية بالتعليمات والأوامر، خاصة المحكمة الاتحادية والبرلمان أسلوب الضغط على الحزب الديمقراطي الكردستاني، وعلى الرئيس مسعود بارزاني شخصياً. وهو يعد بالنسبة إلى النظام الإيراني عقبة أمام خططه الرامية إلى ابتلاع العراق بالكامل مع إقليمه الكردستاني، والسيطرة على سيادته وقراراته المصيرية، ولبلوغ ذلك يحاول النظام المعني بشتى السبل، السياسية والاقتصادية والعسكرية، وعبر بعض الأطراف الكردية، احتواء الرئيس بارزاني، أو اخراجه من المعادلة بطريقة ما.
ولكن، ونظراً لأهمية العراق في المنطقة بصورة عامة على صعيد الجغرافيا، والدور السياسي، والقدرة على التواصل مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، يلاحظ أن عقبات أخرى، غير العقبة الكردية، تقف أمام الخطط الإيرانية الخاصة بالعراق. فهناك عقبات إقليمية تتمثل في تركيا (التي لم يعد التنافس بينها وبين إيران في سوريا والعراق وآسيا الوسطى خافياً على أحد) والسعودية ومعها دول مجلس التعاون الخليجي رغم التوافقات الدبلوماسية التي تمت بينها وبين إيران بوساطة عراقية صينية، والسبب في ذلك هو أن التوافقات التي تمت تفتقر إلى مقوّمات الثقة. بالإضافة إلى كل ما سبق ذكره، هناك عقبات دولية تتجسد بصورة خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها حليفاتها الغربيات، خاصة بريطانيا.
ولعل ما ورد ذكره يفسر زخم المتابعة الإعلامية لزيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى كل من بغداد وأربيل والسليمانية، ومتابعة التصريحات التي صدرت عنه، لا سيما العاطفية التي خاطبت الكرد بلغتهم.
والأمر الذي يستوقف هو أن هذه الزيارة أتت بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إلى كل من بغداد وأربيل قبل مدة قصيرة. مع فارق كبير بين صلاحيات الرئيسين. فاردوغان هو الذي يحكم في بلاده؛ أما بزشكيان فسيقدم تقريره حول الزيارة إلى المرشد، ليقرر الأخير ما يراه في مصلحة نظامه.
وبناء على ما تقدم، يُلاحظ أن أهداف إيران في العراق لم تعد سهلة البلوغ، لا سيما في وقت تسعى فيه إلى انقاذ رأسها، وتحاول بكل السبل التوصل مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى تفاهمات واتفاقيات بخصوص ملفات: النووي، والعقوبات الاقتصادية، والحصول على ضمانات تؤكد عدم التدخل الأمريكي والغربي في الشأن الداخلي الإيراني. والمطلوب إيرانيا في هذا السياق هو أن تعتمد الولايات المتحدة سياسة غض النظر أمام احتجاجات الشعب الإيراني بكل مكوناته المجتمعية وشرائحه السكانية، ضد النظام الإيراني، مع الالتزام بعدم تقديم المساعدات للقوى السياسية التي تمثل المكونات القومية في إيران.
كما أن التوترات الإقليمية المتصاعدة نتيجة الحرب الإسرائيلية على غزة، والعمليات العسكرية والمخابراتية النوعية التي تقوم بها إسرائيل ضد الأذرع الإيرانية في المنطقة، لا سيما «حزب الله» في لبنان و«الحرس الثوري» الإيراني في سوريا، إلى جانب الاختراقات الأمنية غير المسبوقة في الداخل الإيراني نفسه، كل ذلك من المؤشرات التي تؤكد أن النظام الإيراني ليس في وارد مجابهة إسرائيل المدعومة أمريكياً بصورة علنية، لذلك يحاول، النظام المعني، الاستفادة من النقاط التي تجمعها الأذرع، ومفاوضة الأمريكان على أساسها، وذلك بهدف تحسين شروط الصفقات الجديدة، أو رفع سقفها ضمن المعادلات المستقبلية التي يبدو أن منطقتنا ستسير بموجبها.
وبالعودة إلى الانتخابات في إقليم كردستان، يلاحظ أن الأنظار في معظمها متجهة نحو مواقف الحزبين الكرديين الرئيسين (الديمقراطي والوطني) رغم وجود عدد كبير من القوائم الحزبية ومن المرشحين المستقلين. فعلى ضوء النتائج التي سيحققها الحزبان المعنيان ستتبلور معالم مستقبل الإقليم في المرحلة المقبلة.
والسؤال القديم الجديد الذي يُطرح عادة في المحطات الكردية المفصلية: هل سيتعظ الكرد من تجاربهم، ليقرروا التنازل لبعضهم، والتوافق على تفاهمات تأخذ بعين الاعتبار الهواجس والمصالح والطموحات؟ أم أن الصراع حول المسائل الآنية، بكل أنواعها، سيمنعهم مجدداً من الانفتاح البيني، ليضطروا إلى القبول بمساومات مع الدول الإقليمية المتربصة بهم؛ وتسليم المناضلين الكرد إليها، وهي الدول التي لم، ولن، تسعد بالتجربة الكردية في الإقليم؟ فهي تعتبر هذه التجربة تهديداً لها، ودفعاً حيوياً لكردها؛ كما أنها (الدول المشار إليها) لم تطمئن يوماً للدور الكردي الذي يتطلع نحو الحفاظ على العراق وسيادته، وبذل سائر الجهود من أجل إبعاده عن المناكفات والتصفيات بين القوى الإقليمية التي اتخذت من العراق ميداناً للنفوذ واستعراض القوة، ونقطة الانطلاق للتمدد في المنطقة لتخريب دولها ومجتمعاتها، ووضع العراقيل أمام شعوبها بغية منعها من أن تكون سيدة حاضرها ومستقبلها، ومستقبل أجيالها المقبلة؟

عبد الباسط سيدا
كاتب وأكاديمي سوري

القدس العربي

شارك المقالة