عبد الباري عطوان
قافلة الصمود المغاربية التي انطلقت من الجزائر والتحمت بشقيها التونسي والليبي، مبادرة وطنية عربية إسلامية فريدة من نوعها، تعكس تحركا شعبيا يجسد موقفا سياسيا واخلاقيا وانسانيا لكسر جدار الصمت، يفضح جرائم الاحتلال، وحرب إبادته والتجويعية، وإيصال رسالة وطنية واضحة وفي الوقت المناسب لأهلنا الصامدين المحاصرين في قطاع غزة، يقول عنوانها الرئيسي “انتم لستم وحدكم، فإذا كانت معظم الحكومات الرسمية وجيوشها قد خذلتكم، فإننا لن نتخلى عنكم، وسنقف في خندقكم بكل ما نملك من إمكانيات”، ما أقوى وأجمل وأعمق وأشرف هذه الرسالة.
أكثر من 2000 ناشط يحملون شرف الإنخراط في هذه القافلة، وحوالي 165 حافلة حتى الآن، ومعظم النشطاء فيها من القيادات المدنية والشعبية، وأعضاء برلمان، ودبلوماسيين حاليين وسابقين، وأكاديميين، ورجال أعمال، وكل شرائح المجتمع المغاربي، الجزائري والتونسي والليبي.
مآدب غداء وعشاء من المواطنين الشرفاء على طول خط سير القافلة في الأراضي التونسية والجزائرية والليبية، لإكرام المشاركين، علاوة على الآلاف من الشباب الذين استقبلوهم بالهتافات الوطنية الداعمة للحق الفلسطيني المشروع في تحرير ارضه كلها واقامة دولته، مدعومة بالتلويح بالعلم الفلسطيني في عناق أخوي ذي معنى كبير مع الاعلام الوطنية الجزائرية والتونسية والليبية حتى كتابة هذه السطور.
***
انها مبادرة شعبية وطنية ثورية غير مسبوقة، تؤكد مجددا اللحمة الوطنية القوية بين المغرب والمشرق العربي الإسلامي، وعلى أرضية القضية الفلسطينية المركزية الأولى، في مواجهة المجازر الصهيونية التي اسفرت حتى الآن عن استشهاد 55 الف فلسطيني في قطاع غزة الصامد من بينهم أكثر من 30 الف طفل، ومعظم الباقين من الحرائر التي انجبت هؤلاء الإبطال الذين غيروا التاريخ، وتصدوا لعدو مجرم متوحش لجأ الى الإبادة، والتجويع، لتغطية هزائمه العسكرية الميدانية والمعنوية، وفشله في تحقيق أي من أهدافه على طول الأشهر العشرين الماضية من عدوانه الأخير.
من المؤكد ان الآلاف من المواطنين العرب والمسلمين الشرفاء سينضمون الى هذه القافلة تعبيرا عن تضامنهم ودعمهم لهذه المبادرة المغاربية الشجاعة، على طول الطريق الى الحدود مع قطاع غزة، من مصر واليمن والسودان، والصومال وجيبوتي، واريتريا والقائمة تطول فالإبادة والتطهير العرقي لن يقتصران على المجاهدين في قطاع غزة، بل التمدد لتشمل الامتين العربية والإسلامية، الم يتباهى نتنياهو بأنه سيغير خريطة الشرق الأوسط سياسيا جغرافيا وسينصب نفسه، بدعم أمريكا، حاكما لها؟
نتمنى ان تتعاطى القيادة المصرية مع هذه القافلة بشكل إيجابي وداعم، وتسهل مهمتها في الوصول الى محطتها الأخيرة على حدود قطاع غزة، بل الى قلبه، دون اي مضايقات او عقبات، فهذه القافلة التي تأتي استكمالا لسفينة “مادلين” الدولية التي اقتحمتها قوات الاحتلال بالقوة المفرطة واعتقلت كل الشرفاء على ظهرها قبل ثلاثة ايام، قد تكون الشرارة التي تشعل فتيل ثورة الغضب الشعبي والرسمي العربي والإسلامي، لوضع حد لهذه المجازر الدموية الاسرائيلية، ووصمة العار التي لحقت بهذه الامة وأكثر من مليارين من أبنائها، الذين وقفوا موقف المتفرج للأسف.
***
شكرا لكل المنظمين، والمشاركين، والمتضامنين مع قافلة الصمود المغاربية، التي جاءت نقطة ضوء ساطعة وسط حالة الظلام التي تعيشها الامة هذه الايام، ونقول أيضا شكرا لكل من قدم لها ولأبطالها المساعدة ومن مدّ لها يد العون، فلعلها تكون البداية على طريق الصحوة والتصحيح لهذا الوضع العربي الراكد المتعفن، وقيادة الامة الى المكانة التي تستحقها بين الأمم، ومن المؤكد انه ستكون لنا عودة لهذه المبادرة الشعبية المغاربية المشرفة لمتابعتها خطوة خطوة، ولن نقف “مكتوفي الأقلام” لأي محاولة رسمية عربية لإجهاضها، ونختم بالقول للأنظمة، طالما انكم لم ترسلوا جيوشكم والانتصار للمجوعين الصامدين المقاومين دفاعا عن كرامتكم وعقيدتكم وإرثكم الإسلامي في قطاع غزة، فاتركوا هؤلاء الشرفاء يقومون بهذه المهمة غسلا لعاركم وتخاذلكم، بل وتواطؤ بعضكم مع هذه المجازر، ليس بالصمت فقط، بل والدعم العسكري واللوجستي سواء تحت الطاولة او الإبقاء على علم نجمة داوود يرفرف في قلب عواصمكم في وقت يحرقه غير العرب والمسلمين في العديد من العواصم العالمية.
أخيرا، كنا نتمنى لو ان وفودا من المشاركين المغاربة والموريتانيين شاركت، او بالأحرى دعيت للمشاركة في هذه المبادرة حتى يكتمل النصاب، فالغالبية الساحقة من الشعبين تقف في خندق فلسطين والصامدين المتصديين للمجازر وحرب الإبادة والتجويع.. ففلسطين توحد بين الشعوب ولا تفرق، وما تزال هناك فرصة لتحقيق هذا الهدف.
المصدر: رأي اليوم