بعد انسحاب الولايات المُتحدّة من محاربة جماعة (أنصار الله) في اليمن، بقيت دولة الاحتلال وحدها في ساحة المواجهة، وعلى الرغم من التهديدات الإسرائيليّة المُتكررة، فإنّ الصواريخ اليمينيّة باتت تتساقط على العمق الإسرائيليّ بشكلٍ شبه يوميٍّ، دون أنْ تتمكّن الدفاعات في الكيان من اعتراضها، كما أنّ إطلاق الصواريخ من اليمن يؤدّي لإدخال ملايين المستوطنين إلى الملاجئ، الأمر الذي جعل حياتهم صعبةً، إنْ لم يكُنْ أكثر من ذلك.
ورغم أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يفتقر لأيّ معرفةٍ بالتاريخ العسكريّ، تعلم شيئًا من هنري كيسنجر، مستشار الأمن القوميّ ووزير الخارجية الأسبق، ونفّذ استراتيجيّة مماثلة ضدّ الحوثيين في اليمن، فقد أقنع الرئيس ريتشارد نيكسون بإعلان (النصر) في فيتنام، وإعادة القوات للوطن، وهذا ما فعله ترامب، بعد 52 يومًا من القصف المكثف، و1100 غارة جويّة ألحقت أضرارًا بالغةً بالحوثيين، لكنّها لم تكن قاتلة، عندما أعلن (النصر) نتيجة لاتفاق عدم الاعتداء المتبادل، في صفقةٍ لم تشمل دولة الاحتلال، الأمر الذي أثار غضبها واستياءها وحنقها.
وفي هذا السياق، أكّد مردخاي شالوم، نائب المدير العام السابق لوزارة الاقتصاد، والمبعوث الاقتصادي لنصف دزينة من بلدان أمريكا الشمالية وأوروبا، أكّد أنّ “دولة الاحتلال على عكس الولايات المتحدة، لا تستطيع أنْ تعلن (النصر) رغم هجماتها الشديدة على البنية التحتية العسكرية والمدنية في اليمن، بما فيها المطارات والموانئ، لأنّ الحوثيين يواصلون إطلاق صاروخ أوْ اثنين عليها كلّ يومٍ تقريبًا، وبالتالي فإنّ ضرباتها الجوية تكلفها عشرات ملايين الدولارات لكلّ طلعةٍ جويّةٍ بمشاركة عشرات الطائرات، فيما يبلغ سعر تشغيل صواريخ (حيتس) للدفاع ثلاثة ملايين دولار لكلّ صاروخٍ“.
وأضاف في مقال نشره موقع (زمان إسرائيل)، أنّه “بالإضافة إلى ذلك، فإنّ وضع قرابة ثلاثة ملايين إسرائيليّ في الثكنات والملاجئ لخمسة عشر دقيقة له تكلفة اقتصادية ضارة وكبيرة، بجانب تبعاتها النفسية السلبية، ويبقى السؤال عن نجاح الحوثيين في اجتياز صاروخهم لرحلة بطول ألفي كيلومتر، دون تصدي له، مما أنشأ أمام دولة الاحتلال وضعا كارثيا عنوانه (لا بلع، ولا تقيؤ)، ويتطلب حلاً سياسيًا أوْ عسكريًا”.
وأكّد أنّ “أمام إسرائيل خياران: أولاهما السعي للتوصل لاتفاق لإعادة جميع الأسرى، ووقف القتال في غزة، والاعتماد على تصريحات قيادة الحوثيين بأن هذا سيوقف إطلاق الصواريخ عليها، وثانيهما القضاء عليهم، مع العلم أنّ الإيرانيين يتمتعون بنفوذ كبير وقوة كبيرة لتفعيلهم في الوقت المناسب لهم، ويزودونهم بالأسلحة والمعدات العسكرية، ليس فقط عن طريق الموانئ والمطارات التي يتم قصفها، بل أيضاً عبر البر من خلال عُمان“.
وأوضح أنّه “مرّ أكثر من عام ونصف منذ الهجوم الأول للحوثيين فور اندلاع حرب غزة، مما يوضح أن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية لم تكن متيقظة لهجومهم في 2021 على شركة أرامكو السعودية، والتسبب بشلل نصف إنتاجها من النفط، وقبلها في 2019، حين سقط هجوم صاروخي وطائرة مسيرة حوثية على منشآت نفطية سعودية، باستخدام أسلحة من أصل غير واضح ربما إيران أو اليمن، فيما لا يتردد الإيرانيون في التلميح علناً أن هذه القدرة التي يمتلكها الحوثيون لا تقتصر على خليج إيلات“.
وأشار إلى أنّ “القضاء على القيادة الحوثية المكونة من 10-15 فردًا بقيادة عبد الملك الحوثي، هناك عدة طرق للقيام بذلك، أولاها بقصفٍ دقيقٍ وثقيلٍ بقنابل وزنها طنّ على المخابئ التي يتواجدون فيها، وثانيها عملية كوماندوز بالتعاون مع القوات الجوية لإضعافهم، وتحييدهم، ورغم أنّه من السهل التحدث، لكن من الصعب القيام بالأمر، لأنّ كلّ واحدٍ من هذه الخيارات يتطلب قدرًا كبيرًا من الذكاء الدقيق، لأنّنا أمام مناطق بعيدة جدًا على القدرات العملياتية والاستخباراتية للجيش الإسرائيليّ” طبقًا لأقواله.
علاوة على ما ذكر أعلاه، لفت الخبير إلى أنّه “من أجل أغراض عمليات الكوماندوز الجراحية السرية التي قد ينفذها الاحتلال، يمكن “تقصير” مسافة 2000 كيلومتر من خلال الاستخدام الذكي لمناطق التجمع والخروج القريبة مثل جيبوتي وإريتريا وإثيوبيا، أو حتى من حاملة طائرات أمريكية في المنطقة، ناهيك عن الهبوط الاضطراري بواسطة غواصة سرية، وبطبيعة الحال فإن الهجوم المباشر والمستهدف على قيادة الحوثيين بواسطة سلاح الجو أفضل من عملية كوماندوز تنطوي على مخاطر لا بأس بها“.
وخلص إلى القول إنّ “الخيار الثالث الذي لا يعتبر خيالاً علميًا أوْ حلمًا بعيد المنال، فهو رشوة وتزويد القراصنة الصوماليين في منطقة القرن الأفريقي بالمال بغرض اغتيال زعماء الحوثيين، ورغم أنّهم حصلوا على أسلحتهم الأوليّة من اليمن في 2005، فإنّ أطماعهم قد تكون قابلة للتغيير مقابل عشرات ملايين الدولارات“.
وتوقف الحوثيون عن القصف بعد التوصل إلى وقف إطلاق نار بين إسرائيل وحماس في يناير 2025، وبحلول ذلك الوقت، كانوا قد أطلقوا أكثر من 40 صاروخًا باليستيًا وعشرات المسيّرات وصواريخ كروز على إسرائيل.
ومنذ استئناف الجيش الإسرائيليّ عملياته ضد حماس في غزة في 18 مارس، أطلق الحوثيون 41 صاروخًا باليستيًا وما لا يقل عن 10 طائراتٍ مسيّرةٍ على إسرائيل.
المصدر: رأي اليوم