You are currently viewing اللعب بالنار: العودة إلى السلطة أو إحراق ما تبقى من التاريخ السياسي

اللعب بالنار: العودة إلى السلطة أو إحراق ما تبقى من التاريخ السياسي

رؤفائيل حنه

 

في زحمة الأيام، حيث تتسارع الساعات وتتماوج الأحداث، تظهر بعض الوجوه القديمة، تحمل معها عبق الماضي وأثقاله، وتعود لتقف على أبواب الانتخابات المقبلة. لكن هذه المرة، ليسوا مجرد سياسيين يسعون للسلطة، بل هم أشباح ماضٍ يحاولون التسلل إلى حاضرٍ لا مكان لهم فيه.

مع اقتراب الانتخابات النيابية العراقية المقررة في 11/11/2025، يعود بعض الوجوه القديمة إلى الواجهة، يحملون معهم حقائب الماضي الثقيلة، وذاكرة الناس المثقوبة بالخذلان. وجوهٌ كانت في القمة، وسقطت، وبعضها تحاول الآن – بحذر أو عناد – تسلق الجدار من جديد، غير مدركة أن الزمن تغيّر، وأن القمة نفسها لم تعد في المكان ذاته.

لكن عودتهم هذه المرة لا تبدو كرجال دولة، بل كمقامرين… يلعبون بالنار، ويخاطرون بما تبقى من رصيدهم السياسي، وربما من كرامتهم التاريخية

🔺إياد علاوي: الورقة الأخيرة… والاحتراق الأخير؟

أما إياد علاوي، فالحديث مختلف. الرجل، الذي تصدّر المشهد في انتخابات 2010 وقاد كتلة “العراقية” إلى النصر الانتخابي، لم يعد ذلك الاسم الثقيل في الذاكرة الشعبية. أصبح، كما يراه كثيرون، رمزًا لفرصة ضائعة. كبر سنه، وتراجع حضوره، وابتعاده عن ديناميات الشارع والسياسة، جعله اليوم يخوض آخر مقامرة سياسية في حياته. علاوي اليوم لا ينافس خصومه فقط، بل ينافس النسيان… وهو يخسر.

يقول بعض المحللين إن ترشحه القادم لا يعدو كونه رقصة أخيرة قبل الخروج الكامل من المسرح

🔺عادل عبد المهدي: ذاكرة الدم لا تُمحى

ومن بين الأسماء العائدة، يظهر عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء الأسبق، الذي ارتبط اسمه بمرحلة من أحلك المراحل في ذاكرة العراقيين. تولّى السلطة في زمنٍ سالت فيه دماء شباب ثورة تشرين، وسقط فيه العشرات بين قتيل وجريح، واغتيل قادة “النصر” أمام أعين حكومته. لم تحمِ حكومته سيادة الدولة، ولم تستطع احتواء غضب الشعب، حتى جاءت لحظة الخلاص بضغط المرجعية التي طالبته بالاستقالة.

اليوم، عبد المهدي يعود للترشح وكأن الذاكرة الجمعية للشارع العراقي قد مُحيت. لكن الحقيقة؟ ذاكرة الدم لا تُمحى بسهولة، ولا تُشترى بصناديق الاقتراع.

🔺نوري المالكي: المسؤول الأول عن سقوط الموصل

نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، كان القائد العام للقوات المسلحة خلال سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم داعش في يونيو 2014. لجنة برلمانية عراقية اتهمته و35 مسؤولًا آخرين بالمسؤولية عن سقوط المدينة، مشيرة إلى أن المالكي أصدر أوامر بانسحاب القوات العسكرية من الموصل، مما سهل سيطرة التنظيم على المدينة.

رغم ذلك، نفى المالكي هذه الاتهامات، مدعيًا أن ما حدث كان “مؤامرة” تم التخطيط لها في أنقرة، ثم انتقلت إلى أربيل.

🔺حيدر العبادي: دعم دولي دون تأثير محلي

حيدر العبادي، رئيس الوزراء الأسبق، تولى الحكم بعد سقوط الموصل، وحظي بدعم دولي واسع لمكافحة داعش. رغم ذلك، لم يتمكن من تحقيق تأثير سياسي كبير داخليًا. تحالفه مع زعيم الوسطية عمار الحكيم لم يكن كافيًا لتعزيز مكانته السياسية، مما جعله يواجه تحديات كبيرة في تعزيز سلطته محليًا.

🔺عبد الحسين عبطان: حلم الرئاسة والاستيقاظ على لا شيء

عبد الحسين عبطان، وزير الشباب والرياضة الأسبق، كان يُعتبر من الشخصيات الشابة الواعدة. حلم بالرئاسة، لكن سرعان ما استيقظ على واقع سياسي معقد، حيث لم يتمكن من تحقيق أي تقدم ملموس في مسيرته السياسية، مما جعله يواجه تحديات كبيرة في تعزيز مكانته السياسية.

🔺باقر جبر صولاغ: الذاكرة المتصدئة في عقول العراقيين

باقر جبر صولاغ، وزير الداخلية الأسبق، ارتبط اسمه بملفات فساد وشبهات حول دوره في قضايا أمنية حساسة. رغم محاولاته العودة إلى الساحة السياسية، إلا أن ذاكرة العراقيين لا تزال تحتفظ بصورته كأحد المسؤولين الذين ارتبطت أسماؤهم بالفساد والتجاوزات، مما جعله يواجه صعوبة في استعادة ثقة الشارع.

🔺محمد شياع السوداني: الاستثناء وسط الحطام

لنكن منصفين؛ محمد شياع السوداني، رئيس الوزراء الحالي، ليس من بين أولئك الذين يطلّون من خلف الستار. الرجل في الصدارة، وحضوره لا يُنكر. خلال فترة حكمه، نفّذ سلسلة من المشاريع العمرانية والخدمية والاقتصادية التي غيّرت مشهد العاصمة ومحافظات أخرى. الناس بدأت تربط اسمه بالشوارع التي تفتح، وبسياسات اقتصادية بدأت تلامس هموم المواطن. السوداني لا ينافس على استعادة المجد؛ هو يبنيه الآن. والتاريخ السياسي القريب – للمفارقة – بات يبتسم له في زمنٍ يعبس في وجوه آخرين.

🔺مفارقة الزمن… ومقامرة السياسيين

القاسم المشترك بين هؤلاء، باستثناء السوداني، هو الغربة عن واقع العراق الجديد. بلد تغيّر فيه الشارع، وتحوّل فيه المزاج الشعبي من الطاعة إلى المحاسبة. فالشباب لم يعودوا يكتفون بالمشاهدة، والسوشيال ميديا لم تعد تخبئ شيئًا.

ذاكرة العراقيين أصبحت حادّة، لا تغفر بسهولة، ولا تنسى من كان السبب في الخراب والدم والخذلان.

السياسيون الذين يحاولون الآن العودة، لا يفهمون أن العودة ليست إلى كراسي الحكم… بل إلى منصة المحاسبة. لم تعد اللعبة سياسية فحسب، بل شعبية وشعورية وتاريخية.

لقد تغيّرت القواعد، ولم يعد يكفي أن تمشي في الأحياء الشعبية أو أن ترفع شعار الوطنية، فالعراقي اليوم يعرف: من كان مع الشعب، ومن كان على ظهره.

🔺الذاكرة لا تنتخب… لكنها تُسقط

قد ينجح البعض في دخول البرلمان، بالتحالفات أو الأموال أو شبكات المصالح، لكنّ الشارع العراقي لم يعد يعترف بهذه “الشرعية الشكلية”. هنالك شرعية أخطر: شرعية الذاكرة. وهي لا تُمنح… بل تُكسب. ولا تُشترى… بل تُستحق.

من يحاول العودة الآن، عليه أن يدرك أن ذاكرة الناس ما زالت تحفظ:

• خطابات المالكي وهو يتوعد… ثم ينهزم.

• بيانات عبد المهدي الباردة وسط الدماء.

• صور العبادي بين حطام المعارك… وحطام الخطاب.

• لقاءات صولاغ وهو يعد ويبتسم… ثم يغيب.

• أحلام عبطان وهو يطمح للرئاسة… ثم يصحو فجأة.

🔺من القمة إلى الهاوية… والهاوية بلا قاع

لم تكن هذه الأسماء مجرد شخصيات سياسية. كانوا رموز مرحلة، وصنّاع قرارات. لكنهم اليوم يعودون كظل ما كانوا عليه. البعض عاد بجسد هشّ، والآخر عاد بعقلية قديمة لعصر انقرض.

🔹هذه ليست انتخابات عادية… بل استفتاء على الذاكرة. وهي لن تكون عادلة مع من خذلها.

🔺الخاتمة: صندوق الاقتراع… أم نعش التاريخ؟

في نوفمبر المقبل، ستُفتح الصناديق. البعض يظنها بوابة عودة، لكنها ربما تكون النعش السياسي الأخير.

سيصوّت الناس، لكنهم لا يختارون ممثليهم فقط… بل يقررون من يستحق البقاء في ذاكرتهم، ومن يجب أن يُمحى.

إما العودة برجولة وشرعية ونزاهة… أو الخروج النهائي بعار لا يُغسل.

السياسة لعبة خطرة، لكنها اليوم أكثر من ذلك: إنها لعب بالنار.

فهل ينجو من احترق سابقًا؟ أم أن هذه المرة… سيكون الاحتراق نهائيًا؟

شارك المقالة