عبد الباري عطوان
الصّاروخ الفرط صوتي “الأوّل” الذي أطلقته وحدة الدفاعات الجويّة في جيش “أنصار الله” اليمني يوم الأربعاء الماضي أصابَ مطار اللّد (بن غوريون) في مقتل، ودفع بعشرات شركات الطّيران العالميّة الكُبرى إلى وقف رحلاتها إلى دولة الاحتلال، أمّا “الثّاني” الذي قصفت فيه مطار اللّد يوم أمس الجمعة وفشلت المنظومات الجويّة الإسرائيليّة في اعتراضه مِثل شقيقه الأوّل فأحدث حالةً من الهيستيريا فيها، قد يُؤدّي إلى توسيع الحرب وتوجيه ضرباتٍ انتقاميّة ضدّ إيران المُتّهمة بدعمِ الحوثيين، وتزويدهم بتكنولوجيا الصّواريخ والمُسيّرات، وهذا التطوّر لو حصل قد يُؤدّي إلى كارثةٍ لدولة الاحتلال لن تستطيع الخُروج منها.
عندما نقول “هيستيريا” فإنّنا نستخدم هذا التوصيف استنادًا إلى تحليلات خُبراء الصّحافة العبريّة، وتصريحات جنرالات مُتقاعدين، بل وزعماء المُعارضة مِثل يائير لابيد رئيس الوزراء السّابق الذي اتّهم الجيش الإسرائيلي ودفاعاته الجويّة بالفشل في وقف هذه الصّواريخ اليمنيّة أو اعتراضها وتدميرها ووصف بنيامين نتنياهو ووزير حربه بـ”الجُبن” وخاصّة في قطعِ “رأسِ الأخطبوط” في إيران مثلما كانَ يُهَدِّد دائمًا.
***
الحظر الجوّي الذي فَرضته قيادة “أنصار الله” وأذرعها العسكريّة على دولة الاحتلال حقّق نجاحًا كبيرًا رُغم عُمره القصير، فأكثر من مئة شركة طيران عالميّة ألغت رحَلاتها إلى المطارات “الإسرائيليّة”، ويوم أمس أعلنت شركة طيران لوفتهانزا الألمانيّة التي تضمّ إلى جانبها شركاتٍ أوروبيّة مِثل النمساويّة والبلجيكيّة والسويسريّة تمديد وقف رحَلاتها إلى فِلسطين المُحتلّة لأجلٍ مفتوح وغير مُسمّى، جنبًا إلى جنب مع أُخرى أمريكيّة وآسيويّة، حِرصًا على أمنِ طائراتها ورُكّابها.
هذه “الهيستيريا” التي تسود دولة الاحتلال حاليًّا أمرٌ مفهوم، فإذا كانت الولايات المتحدة الدولة الأعظم في التّاريخ الحديث، رفعت الرّايات البيضاء، واضْطرّت للجوء إلى الوسيط العُماني لترتيب وقف إطلاق نار مُتبادل مع الحوثيين بعد تعاظُم الخسائر الماديّة والعسكريّة في صُفوفها، وسُقوط طائرتين حربيتين من نوع “MQ9” السّمينة الأحدث في سلاح الجو الأمريكي، وإلغاء الصّواريخ الباليستيّة البحريّة اليمنيّة لمفعول حاملات الطّائرات، وهُروبها (ترومان) إلى شِمال البحر الأحمر، فإذا كانت الولايات المتحدة اقتنعت وبعد أكثر من 1300 غارة على اليمن من عبثيّة هذه الحرب وأنّ الهزيمة حتميّة، وقرّرت رفع الرّايات البيضاء، فلماذا نستغرب هذه الهيستيريا وحالة القلق والرّعب التي تسود دولة الاحتلال الإسرائيلي حاليًّا وهي التي فشلت في قطاع غزة ومخيّم جنين في الضفّة الذي لا تزيد مِساحته عن كيلومتر مُربّع واقتحمته عشَرات المرّات حتّى الآن.
المُقاتل اليمني الشُّجاع يُسقط هذه الطّائرات الأمريكيّة، ويعطب حاملات الطّائرات، ويُغلق مطار اللّد ورامون، ومينائيّ أسدود وعسقلان بصواريخ لا تُكلّف إلّا بضعة آلاف من الدّولارات فقط، بينما تُكلّف طائرة “إف 18” أكثر من خمسين مِليونًا، وبعض المُسيّرات “السّمينة” ثلاثة أضعاف هذا الرّقم.
صحيفة “يديعوت أحرونوت” واسعة الانتشار قالت نقلًا عن مسؤولين عسكريين أن الجيش الإسرائيلي يعتزم توسيع نطاق هجماته في اليمن بعد توقّف العمليّات الأمريكيّة هُناك، وتدرس قيادته ضرب أهدافٍ في إيران، الأمر الذي يعكس حجم حالة الإحباط واليأس والمُقامرة التي تعيشها هذه القيادة بفِعل الصّواريخ والمُسيّرات اليمنيّة “المُباركة” وتوالدها، فدولة الاحتلال لا تستطيع تحمّل ضرباتها هذه ونُزول ملايين المُستوطنين إلى الملاجئ بصُورةٍ شِبه يوميّة.
جميع الانتِصارات التي حقّقها الجيش الإسرائيلي في حُروبه الأربعة أو الستّة ضدّ الأنظمة العربيّة، تعود إلى تفوّق طائراته وقوّاته ودفاعاته الجويّة، وتأمين جبهتها الداخليّة بنقل المعارك والمُواجهات إلى أراضي الجِوار العربي ضدّ جُيوش مُتكرّشة، وقيادات “مضبوعة”، وجنرالات احتلّوا مناصبهم القياديّة لصِلاتٍ عائليّة أو “محسوبيّة” ومنظومات الفساد، وليس على أساس الكفاءة العسكريّة، طبعًا هُناك استِثناءات ولكنّها محدودة، الآن تتغيّر المُعادلة، ونرى ذلك بوضوحٍ في جبهتين في الوقتِ الرّاهن، اليمنيّة والفِلسطينيّة في قطاع غزة والضفّة الغربيّة، ولا ننس مُطلقًا جبهة جنوب لبنان، العائدة حتمًا إلى أمجادها السّابقة بعد تجاوز مرحلة نكسة “البيجرات”، والاغتِيالات لقياداتها.
***
ما يُميّز اليمنيّون قيادةً وشعبًا، ويجعلهم يُشكّلون كابوسًا مُرعبًا لدولة الاحتلال ومُستوطنيها وحُلفائها العرب، أنّهم كسروا هذه القاعدة، وألغوا بشكلٍ مُتدرّج هذه المُعادلة، لأنّهم لا يُهابون الشّهادة، وتعهّدوا بالوقوف في خندقِ الصّامدين في قطاع غزة، وأقسموا صادقين بأنّهم لن يخذلونهم مُطلقًا، وصدَقوا الوعد، وأعطوا الشّعوب العربيّة المُحبَطة الكثير من الأمل ورفع المعنويّات.
نتنياهو مُحبطٌ، وبدأ يشعر بالهزيمة في حربه في اليمن أوّلًا، وقطاع غزة ثانيًا، وقال وزير دفاعه يسرائيل كاتس في بيانٍ مُشترك أنّهم دمّروا “حزب الله” في لبنان، وأنهوا سيطرة “حماس” على قطاع غزة، وقصفوا الموانئ والمطارات اليمنيّة ودمّروها، وجاء الدّور الآن على إيران التي لن تخرج “نظيفةً” من هذه الحرب.
القيادة الإيرانيّة لا تستبعد هذا الاحتِمال، بل تستعدّ لمُواجهته، فالجنرال حسين سلامي قائد الحرس الثوري الإيراني أكّد أنّ بلاده ستفتح أبواب الجحيم على دولة الاحتلال أو الولايات المتحدة إذا أقدمتا على شن عُدوان على إيران.
لهب أبواب الجحيم قد يصل إلى جميع القواعد الأمريكيّة، وخمسين ألفًا من جُنودها في الخليج والعِراق والأردن وسورية، علاوةً على العُمُق الإسرائيلي المُحتل ومطاراته وموانئه وبُناه التحتيّة الكهربائيّة والمائيّة تحديدًا.
قصف 30 طائرة حربيّة إسرائيليّة لمحطّات الكهرباء وخزّانات الوقود في الحديدة وصنعاء وصعدة ومطار صنعاء، وتدمير طائراته السِّت، اختراق لكُل الخُطوط الحُمر، سيُعطي “أنصار الله” شرعيّة توسيع المُواجهة والانتقال من مُعادلة المطار مُقابل المطار، إلى مُعادلات الميناء مُقابل الميناء، ومحطّات الكهرباء مُقابل نظيراتها في فِلسطين المُحتلّة، فاليمني الذي لم يتقاض راتبًا مُنذ 10 أعوام يستطيع أن يعيش على ضُوءِ الشّموع، وبضعة حبّات من التّمر لأيّامٍ عديدة، لنْ يَصرُخ أوّلًا.. والأيّام بيننا.
المصدر: رأي اليوم