نشرت صحيفة “الغارديان” مقالًا للأستاذ الفخري بدراسات السلام في جامعة برادفورد، بول روجرز، انتقد فيه الخطوة البريطانية لضرب الحوثيين كلفتة إلى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وأشار إلى أن السياسة الخارجية في عهد ترامب أصبحت منبوذة دوليًا، إلا أن الغارة التي نفذتها الحكومة العمالية تمثل دعمًا جديدًا لها.
وأضاف أن طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني قامت هذا الأسبوع بضرب المتمردين الحوثيين في اليمن، وهي أول ضربة تصادق عليها حكومة العمال بزعامة كير ستارمر. وبهذا انضمت للعملية العسكرية الأمريكية التي بدأت منتصف شهر آذار/مارس، وشملت غارات جوية مستمرة منذ 45 يومًا.
فعملية “الراكب الخشن” هي محاولة من إدارة ترامب لإظهار قدرتها على شن حرب أكثر قوة مما فعلته إدارة جو بايدن ضد الحوثيين، وقد فعلت، حيث أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاغون، عن استهداف أكثر من 1,000 هدف.
وتشير التقارير إلى أن عملية سلاح الجو الملكي البريطاني استهدفت مصنعًا لتصنيع مسيّرات مسلحة تُستخدم في هجمات الحوثيين على السفن العابرة للبحر الأحمر، وأظهرت أن كير ستارمر قرر أن يكون أقرب حليف عسكري لدونالد ترامب.
فمنذ وقت قصير بعد بدء الحرب الحالية في غزة، بدأ الحوثيون بمهاجمة السفن التجارية المرتبطة بطريقة ما بإسرائيل، بدافع معلن هو دعم الفلسطينيين، وهو ما أدى لانخفاض حركة المرور عبر قناة السويس إلى النصف تقريبًا بين عامي 2023 و2024، حسب أحد التحليلات.
وكان الرد الأمريكي الرئيسي هو الغارات الجوية، التي بدأت في عهد بايدن في كانون الثاني/يناير 2024، وشملت خمس موجات من الغارات الجوية التي نفذها سلاح الجو الملكي البريطاني في وقت مبكر من ذلك العام، وكلها وافقت عليها حكومة ريشي سوناك المحافظة.
وما يحدث الآن يتم بوتيرة أعلى، لكنه لم يجذب إلا اهتمامًا ضئيلًا من الإعلام.
وقد يتغير هذا الآن، حيث بدأت التقارير تتحدث عن ارتفاع عدد الضحايا المدنيين، وتشمل هذه الهجمات هجومًا أمريكيًا، في وقت سابق من هذا الأسبوع، عندما قُتل ما يقرب من 70 مهاجرًا أفريقيًا بعد قصف مركز احتجاز كانوا فيه، حسب الحوثيين.
ومنذ بدء هذه الحرب مع الحوثيين، تم ضرب آلاف الأهداف التي نفذت الغالبية العظمى منها وحدات القوات الجوية والبحرية الأمريكية. لكن مشاركة بريطانيا كانت أكثر من مجرد مشاركة رمزية.
فعلى سبيل المثال، قبل ستة أسابيع، قامت مقاتلة بريطانية تعمل من قاعدة سلاح الجو الملكي في أكروتيري- قبرص بدعم طائرات القوات الجوية الأمريكية خلال الغارات الجوية التي أسفرت عن مقتل 53 شخصًا، بمن فيهم نساء وأطفال.
ويضيف روجرز أن قاعدة أكروتيري ربما ارتبطت بالحرب الأمريكية ضد الحوثيين، لكنها أهم بكثير في الحرب الإسرائيلية في غزة، وتمثل مركزًا للقوات الأمريكية والبريطانية الداعمة لإسرائيل وبطرق متعددة.
وقد قامت طائرات التجسس التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني، مثلًا، بأكثر من 500 طلعة جوية فوق غزة منذ بدء الحرب. في حين أن هذه الطلعات تُجرى تحت إطار البحث عن الأسرى لدى “حماس”، إلا أن كثافتها تزداد وبشكل خاص عندما تخوض القوات الإسرائيلية هجمات كبرى، وفي إحدى المناسبات هبطت طائرة تجسس تابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني، على الأرجح، في قاعدة في إسرائيل نفسها.
وبشكل منفصل، استخدمت الطائرات العسكرية الأمريكية قاعدة أكروتيري في مهام متعددة، في حين أبدت السلطات البريطانية تمنعًا شديدًا عن تقديم المعلومات، حتى لأعضاء البرلمان. وتشير مؤشرات غير رسمية إلى أن التحرك المحتمل للقوات الخاصة الأمريكية إلى إسرائيل، فضلًا عن النقل العسكري الذي يحمل الأسلحة، يمر عبر أكروتيري. ولدى سلاح الجو البريطاني والقوات الإسرائيلية علاقات قوية، وتشمل زيارات منتظمة بين المسؤولين البارزين من كلا الطرفين.
وبالإضافة إلى ذلك، خلال الحرب الحالية في غزة، هبطت طائرات نقل عسكرية إسرائيلية في القاعدة التشغيلية الرئيسية لسلاح الجو الملكي البريطاني في برايز نورتون في أوكسفوردشاير. وإذا نظرنا إلى هذه الأمثلة وغيرها مما يؤشر للروابط الوثيقة بين الجيشين البريطاني والإسرائيلي، فسنجد أن لها عواقب سياسية كبيرة.
الأول يتعلق بتطور الحرب نفسها، حيث تعرضت إسرائيل لانتقادات أشد بسبب سلوكها العنيف مع طول أمد الحرب. ومنذ أن انتهكت إسرائيل وقف إطلاق النار الأخير، فإن فرضها للحصار على القطاع ومنع دخول المواد الغذائية والإمدادات الطبية والوقود والمياه إليه أضاف المزيد من الانتقادات اللاذعة.
وعلاوة على ذلك، حتى في حالة انتهاء الحرب في وقت مبكر، وهو أمر غير مرجح للغاية، فإن الضرر سوف يستمر لسنوات عديدة، إن لم يكن لعقود.
وهنا يأتي العنصر السياسي الثاني، وبخاصة في بريطانيا مع حكومة ستارمر، فمن بين نسبة كبيرة من الرأي العام، وتحديدًا اليسار السياسي الواسع، أصبح الدعم للفلسطينيين راسخًا بشكل عميق في الخطاب السياسي.
ويتجلى هذا في المظاهرات والاجتماعات العديدة التي تُنظّم في المدن والبلدات، وكثير منها أسبوعي، ولكن نادرًا ما تهتم وسائل الإعلام الرئيسية بتغطيتها. ويُضاف إلى ذلك حالات الاحتجاج المباشرة ضد الشركات التي تتخذ من بريطانيا مقرًا لها والتي تزود إسرائيل بالمعدات العسكرية.
ويعود التراجع السريع لـ “حزب العمال” في استطلاعات الرأي في الأشهر الأخيرة إلى عوامل عديدة، لكن الدعم المستمر من جانب حكومة ستارمر لإسرائيل، على الرغم من سلوكها في غزة، يؤثر بشكل مباشر على المؤيدين الملتزمين على المدى الطويل الذين تعتمد عليهم.
وغادر العديد من الأعضاء الحزب، منذ الانتخابات العامة التي جرت في تموز/يوليو الماضي، وكانت غزة هي القشة التي قصمت ظهر البعير.
وتأتي الغارة التي نفذها سلاح الجو البريطاني هذا الأسبوع ضد أهداف حوثية، وكجزء من الحرب الإقليمية التي يشنها ترامب، في الوقت الذي تستخدم فيه حكومة نتنياهو، بدعم من الولايات المتحدة، أساليب وحشية متزايدة للسيطرة على غزة. وفي هذه الأثناء، ربما تكون حكومة ستارمر قادرة على استخدام نفوذها المحدود لكبح جماح نتنياهو. وبدلًا من ذلك، تعمل على زيادة دعمها العسكري لترامب وتتورط بشكل أكبر في صراع مثير للجدل إلى حد كبير.
المصدر: القدس الربي
من غزة إلى اليمن.. حكومة ستارمر إلى مزيد من التورّط في حروب ترامب