أوقعت الصين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في موقف حرج بشأن ملف الرسوم الجمركية، بعد إعلانها أنها لا تُجري حاليًا أي مفاوضات تجارية مع واشنطن، في وقتٍ تستمر فيه هذه الرسوم في فرض ضغوط سياسية واقتصادية على الإدارة الأمريكية.
ورغم إصرار ترامب والبيت الأبيض على إحراز تقدم في المفاوضات، لم يُقدَّم أي دليل ملموس يدعم ذلك، وهو ما نفته الصين بشدة، منتقدة سياسة إدارة ترامب في هذا الملف الحساس.
ورغم الارتفاع الذي شهدته الأسواق يوم الخميس، تسببت الحرب التجارية في أضرار اقتصادية واضحة للولايات المتحدة، وانعكست سلبًا على شعبية ترامب.
وانخفض مؤشر “ستاندرد آند بورز” بنسبة 10% منذ توليه الحكم، وسط تصاعد المخاوف من ركود اقتصادي محتمل، وتراجع الثقة بقوة الدولار، وهو ما انعكس في انخفاض نسب تأييده بين الناخبين الأمريكيين.
شعبية ترامب تحت الضغط
أظهرت بيانات من صحيفة “ذا هيل” أن متوسط نسبة تأييد ترامب التي تجاوزت 50% في بداية ولايته، انخفضت إلى ما دون 45% بحلول أواخر أبريل/ نيسان. ويُعد الأداء الاقتصادي – الذي كان سابقًا أحد أبرز إنجازاته – السبب الرئيسي لهذا التراجع.
وفي استطلاع أجرته وكالة “رويترز/إبسوس”، نالت سياساته الاقتصادية دعمًا لا يتجاوز 37%، وهو أدنى مستوى خلال فترة رئاسته.
التوتر الجمركي ومواقف متضاربة
رغم تهديداته المستمرة، ألمح ترامب مؤخرًا إلى احتمال خفض الرسوم الجمركية، متأثرًا بتقلبات سوق السندات وضغوط قادة الأعمال الذين حذروا من احتمال “تفريغ رفوف المتاجر” قريبًا بسبب السياسة الجمركية.
وتزامن ذلك مع تصريحات وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، الذي أشار إلى “تهدئة مرتقبة” في الحرب التجارية. لكن مراقبين يرون أن هذا الوضع يمنح الصين نفوذًا أكبر، في معركة تُوصف بـ”لعبة الدجاج” بين أكبر اقتصادين عالميين.
الصين تستعد… وترامب يتراجع؟
يرى محللون أن بكين أظهرت استعدادًا أكبر للمعركة، بينما بدا ترامب أكثر عرضة للتراجع تحت الضغط، رغم خطابه الصارم. ويؤكد الخبير أوين تيدفورد من “بيكون بوليسي أدفايزرز” أن ترامب قد يُضطر للانحناء تحت وطأة الضغوط.
كما تُدرك الصين أن واشنطن تُعد الطرف البادئ بالحرب التجارية، ما يمنحها “أرضية أخلاقية” لمواصلة موقفها الصلب، حتى مع تأثر اقتصادها.
من يُجبر الآخر على التفاوض؟
رفضت الصين المزاعم الأمريكية بشأن المفاوضات، وصرّح المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية بأن “أي حديث عن تقدم في المفاوضات هو محض خيال”. ومع ذلك، يصر ترامب على أن المحادثات جارية، مهاجمًا وسائل الإعلام لعدم دقتها في تغطية الملف.
ويُظهر الواقع أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب – والتي وصلت إلى 125% – أضرت بالصين ولكن أيضًا بالمستهلك الأمريكي والشركات المحلية، ما تسبب في ردود فعل انتقامية من بكين، شملت إلغاء صفقات تجارية كبرى.
ضغوط الأعمال… وحاجة الصين للتصدير
تحتاج الصين، رغم مناوراتها، إلى التفاوض، فاقتصادها القائم على التصدير لا يستطيع تحمّل تباطؤ طويل الأمد. في المقابل، تعتمد الولايات المتحدة على الواردات، ما يجعل الحرب خاسرة للطرفين.
وقد نقل مسؤول أمني سابق عن بكين قولها: “ترامب أطلق كل أسلحته دفعة واحدة”، في إشارة إلى فقدانه لأوراق الضغط، مقابل تمركز استراتيجي من الجانب الصيني.
الطريق إلى الحل… محفوف بالاعتبارات السياسية
يرى تيدفورد أن الطريق الوحيد للخروج من الأزمة هو الحوار، لكنه يعترف بأن الخلاف في الرؤى بين القيادتين الأمريكية والصينية يُعقّد المسألة. فترامب يفضل مفاوضات مباشرة على أعلى المستويات، بينما تفضل بكين انطلاقة أكثر هدوءا وواقعية.
ويبقى العامل الحاسم في تغيير الموقف الأمريكي هو الضغط المتصاعد من الأسواق ومجتمع الأعمال، لكن كلما تأخر القرار، ازداد الأثر الاقتصادي سوءًا.
المصدر: القدس العربي
لا محادثات جدية بشأن الرسوم الجمركية ..والصين تسعى لترك ترامب في مهب الريح