في الوقت الذي تستمر فيه آلة الحرب الصهيونيّة بارتكاب المجازر التي يندى لها الجبين في قطاع غزّة وفي الضفّة الغربيّة المُحتلّة، وفي ظلّ صمتٍ عربيٍّ وإسلاميٍّ ودوليٍّ، فإنّه من الناحية الإستراتيجيّة ستُواصِل الولايات المتحدة الأمريكيّة الحفاظ على المصالح الإسرائيليّة لأنّ الأخيرة، كما بات يؤكِّد كبار المحللين والمختّصين في تل أبيب، باتت دولة وصايةٍ أمريكيّةٍ، ولكن من الناحية التكتيكيّة تسمح واشنطن لنفسها انتهاج سياسةٍ أخرى لا تصُبّ في مصالح الكيان، وعلى نحو خاص إذا كان الحديث يجري عن إدخال مليارات الدولارات إلى خزينة الولايات المُتحدّة، كما هو الحال في العلاقات الأمريكيّة مع المملكة العربيّة السعوديّة.
وفي هذا السياق، ونقلاً عن محافل رفيعةٍ جدًا بالمستويين الأمنيّ والسياسيّ الإسرائيليّ، كشفت القناة الـ 12 بالتلفزيون العبريّ في تقريرٍ لها النقاب عن تصاعد المخاوف داخل الأوساط السياسية والأمنية في دولة الاحتلال الإسرائيليّ، إزاء تقارب محتمل بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة في عهد الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب، والذي قد يؤدي إلى تغييراتٍ جذريّةٍ في موازين القوى الإقليميّة، دون الأخذ بمصالح دولة الاحتلال الإسرائيليّ.
وذكر التقرير، الذي كما ذكرنا اعتمد على مصادر وازنةٍ في الكيان، أنّ السعودية، وخلال أسبوعٍ واحدٍ فقط، وجّهت خمس إدانات شديدة اللهجة ضدّ الاحتلال الإسرائيليّ، على خلفية الحرب في قطاع غزة، مظهرة تحوّلًا لافتًا في خطابها السياسيّ، الذي تخلى عن اللغة الدبلوماسية التقليدية لصالح موقف أكثر صرامة، كما حدث عقب قصف مستشفى المعمداني في غزة، والذي وصفته وزارة الخارجية السعودية بـ”الجريمة النكراء والانتهاك الصارخ للقوانين الدولية”.
علاوة على ذلك، سلطّت القناة الإسرائيليّة العبريّة الضوء على ما وصفته بـ”الفجوة العميقة” بين المواقف الحالية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان من جهة، وتصريحاته السابقة التي تحدث فيها عن إمكانية إبرام اتفاق تطبيعٍ تاريخيٍّ مع الاحتلال الإسرائيليّ.
وأكّدت في الوقت عينه على أنّ هذا التباين يعكس تغيرًا استراتيجيًا في السياسة السعودية، خاصّةً في ظلّ استمرار العدوان الإسرائيليّ على غزة، طبقًا لأقوالها.
وأشارت القناة إلى أنّ إسرائيل تحاول التهوين من دلالات هذا التحول، مفسرةً ذلك بأنّه يأتي استجابةً لمزاجٍ عامٍّ عربيٍّ متأثرٍ بما يجري في القطاع، لكن المؤشرات تتجاوز ذلك، وفقاً للتقرير.
النوويّ السعوديّ
وأثار التقرير الإسرائيليّ أيضًا مخاوف الاحتلال الإسرائيليّ المتزايدة بشأن المفاوضات الجارية بين السعودية وإدارة ترامب حول اتفاقٍ نوويٍّ مدنيٍّ، قد يسمح للرياض بتخصيب اليورانيوم داخل أراضيها.
حيث صرّح وزير الطاقة الأمريكي كريس رايت بأنّ المحادثات مع السعوديين “تسير في اتجاهٍ يسمح بإمكانية التخصيب”، مؤكِّدًا في الوقت ذاته أنّ “الفرصة لتحقيق اتفاق متاحة بالفعل”، على حدّ تعبيره.
هذا التطور، بحسب القناة، أحدث صدمة في بعض دول الخليج، نظرًا لما قد يشكله من سابقةٍ إقليميّةٍ، لا سيما أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران قد تستند إلى هذا الاتفاق لتبرير استمرارها في تطوير برنامجها النووي.
تبدّد شروط التطبيع
ووفقاً للمصادر الإسرائيلية، فإنّ إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن كانت قد ربطت بشكلٍ واضحٍ بين أيّ اتفاقٍ نوويٍّ مع المملكة العربيّة السعوديّة وأيّ تحالفٍ دفاعيٍّ مع واشنطن، وبين إبرام اتفاق تطبيع مع الاحتلال الإسرائيليّ.
غير أن التطورات الأخيرة تشير إلى إمكانية تجاوز هذا الشرط، الأمر الذي تعتبره إسرائيل تهديدًا استراتيجيًا، طبقًا للمصادر ذاتها.
وفي هذا السياق، حذّر زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد من السماح للرياض بتخصيب اليورانيوم، ودعا حكومة نتنياهو إلى التحرك السريع لمنع إتمام مثل هذا الاتفاق.
وأعربت جهات أمنية إسرائيليّة عن قلقها العميق من احتمال فقدان تل أبيب حجتها التقليديّة ضدّ برنامج إيران النووي، إذا ما حصلت دولة عربيّة مثل السعودية على حق التخصيب، معتبرة أنّ أيّ سابقةٍ في هذا الإطار ستقوّض الموقف الإسرائيليّ من الناحية الإقليميّة والدوليّة.
نتنياهو يتجاهل التطورّات الدراماتيكيّة
وخلُص تقرير القناة العبريّة إلى الإشارة لتجاهل ديوان رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو لما وصفته القناة بـ “التطور الدراماتيكي”، في وقتٍ تتزايد فيه المؤشرات على أنّ واشنطن والرياض تمضيان قدمًا في مسارٍ تفاوضيٍّ لا يتطلّب موافقةً أو شراكةً إسرائيليّةً، طبقًا للمصادر الرفيعة التي اعتمد عليها تقرير التلفزيون العبريّ.
المصدر: رأي اليوم