حاول جيش الاحتلال الإسرائيلي التهرب من إحدى أبشع جرائمه في قطاع غزة، بزعمه، مساء الأحد، أنه لم ينفذ إعدامات ميدانية بحق طواقم إسعاف وإغاثة في مدينة رفح 23 مارس/ آذار الماضي.
جاء ذلك لدى نشره نتائج ما زعم أنه “تحقيق معمق” أجرته آلية التحقيق التابعة لهيئة الأركان العامة، وفق بيان للجيش الذي يشن حرب إبادة جماعية على الفلسطينيين في غزة.
وفي مجزرة رفح قتلت قوات إسرائيلية في حي تل السلطان بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة 15 من أفراد الإسعاف والدفاع المدني، المحميين بموجب القانون الدولي، وتم دفنهم بمقبرة جماعية وإخفاء سياراتهم.
وأثارت هذه الجريمة ردود أفعال غاضبة في أنحاء العالم، مع دعوات إلى محاكمة القادة والعسكريين الإسرائيليين المسؤولين عن جرائم الإبادة بحق الفلسطينيين، ولاسيما إعدام أفراد الإسعاف والإغاثة.
ومحاولا تبرئة عسكرييه، قال جيش الاحتلال: “تشير نتائج التحقيق إلى أن الحادث وقع في ساحة قتال عدائية وخطيرة، في ظل تهديد على المنطقة المحيطة بالقوات العاملة في الميدان”.
وزعم أن التحقيق أظهر عدم وجود “أي أدلة لتكبيل قتلى قبل إطلاق النار أو بعده، ولا على تنفيذ إعدامات ميدانية”. كما زعم أن الحديث عن ارتكاب قواته لتلك الفظائع “مجرد إشاعات وافتراءات وأكاذيب شنيعة”.
وقال: “في ليلة الحادث 23 مارس 2025، نصبت القوة كمينا بغية استهداف” من أسماهم بـ”مخربين”.
وتابع: “في حادث وقع بعد ساعة تقريبا، أطلقت القوة النار على مشتبه بهم خرجوا من سيارة إطفاء وسيارات إسعاف قريبة جدا من موقع القوة في الكمين”.
ومبررا المذبحة بحق طواقم الإغاثة أردف جيش الاحتلال: “رصدت القوة خمس سيارات تتحرك بسرعة نحو الكمين وتتوقف بجانبه، حيث نزل منها أشخاص بسرعة”.
وتابع: “اعتقد قائد القوة أن الحديث يدور عن سيارات لحماس جاءت لمساعدة ركاب السيارة الأولى، وفي ظل شعوره بخطر حقيقي، قرر إطلاق النار”.
وزعم أن قائد القوة “لم يتعرّف في البداية على السيارات باعتبارها سيارات إسعاف بسبب محدودية الرؤية ليلا، ولم يتّضح أمر كونها طواقم إسعاف إلا خلال عمليات التمشيط التي أجرتها القوة لاحقا”.
وأقر جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنه “قُتل في هذه الأحداث ما مجموعه 15 فلسطينا”، وزعم أن “6 منهم تم تحديدهم باعتبارهم مخربين من حماس”، وفق ادعائه.
وردا على أحاديث إسرائيلية مشابهة سابقة، أكدت حركة “حماس” عدم وجود أي مقاتلين تابعين لها بين الضحايا، مشددة على أنها مزاعم إسرائيلية تحاول تبرير المجزرة.
الجيش استطرد: “مع طلوع الفجر، تقرر تجميع الجثث وتغطيتها لمنع العبث بها، كما تقرر إزالة السيارات من الطريق تمهيدا لاستخدامه في إخلاء السكان المدنيين من هذا المكان لاحقا”.
وأضاف: “تم نقل الجثث واتخاذ قرار بإخلاء السيارات وسحقها. وخلص التحقيق إلى أن قرار نقل الجثث كان معقولا، بينما قرار سحق السيارات خاطئا”.
وفقط أظهر التحقيق المزعوم “اكتشاف عدة أخطاء مهنية وتجاوزات أثناء الحادث، إلى جانب تقصير يتمثل في عدم الإبلاغ الكامل عن الحادث”.
وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي إن رئيس الأركان إيال زامير، صادق على توصية قائد قيادة المنطقة الجنوبية بتوجيه “ملاحظة قيادية” لقائد اللواء 14 “تُسجل في ملفه الشخصي، بسبب مسؤوليته الشاملة عن الحادث”.
وأضاف أن نائب قائد الوحدة الخاصة التابعة للواء غولاني سينهي مهامه “بسبب مسؤوليته كقائد القوة في الميدان والتقرير الناقص وغير الدقيق في التحقيق”.
وفي وقت سابق، شككت صحيفة “هآرتس” العبرية في نزاهة آلية التحقيق التابعة لرئاسة الأركان، بقولها إنه منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تم نقل معلومات عن عشرات الحالات إلى تلك الآلية، لكن لم تتم محاكمة العسكريين المسؤولين عنها.
الناجي الوحيد
وتعود مجزرة رفح إلى 23 مارس الماضي، عندما استجاب فريق مؤلف من 9 عناصر إسعاف و5 من الدفاع المدني وموظف تابع لإحدى الوكالات الأممية لنداءات استغاثة من مدنيين محاصرين في حي تل السلطان.
وفي 27 و30 من الشهر ذاته، أعلنت السلطات في غزة العثور على جثامين 15 من أعضاء فريق الإسعاف والإطفاء مدفونة في منطقة تبعد نحو 200 متر عن موقع توقف سياراتهم.
وقال المسعف المتطوع منذر عابد، الناجي الوحيد من المجزرة، يوم 7 أبريل/ نيسان الجاري: وصلتنا إشارة عن وجود إصابات بمنطقة الحشاشين، فتحركنا بسيارات إسعاف تابعة للهلال الأحمر وأضواؤها مضاءة من الداخل والخارج.
وأضاف: فور وصولنا تعرضنا لإطلاق نار كثيف ومباشر، فاضطررت للانبطاح داخل سيارة الإسعاف بالخلف، وسمعت الشهقات الأخيرة لزملائي.
وتابع أن قوة خاصة إسرائيلية فتحت باب السيارة، وكانوا يتكلمون العبرية، ووضعوا رأسي بالأرض حتى لا أرى زملائي ولا أعرف مصيرهم.
وأردوف عابد: ضربوني بأعقاب البنادق وعذبوني، وسألوني عن اسمي وعنواني، وتمنيت الموت من شدة التعذيب.
وأكد أن جيش الاحتلال الإسرائيلي استخدم جرافات عسكرية لحفر عدة حفر دفنوا فيها سيارات الإسعاف والدفاع المدني، بعد أن أطلقوا النار على مَن كانوا بداخلها.
وشدد على أن المنطقة لم تكن عسكرية بل يتواجد فيها مدنيون وما فعله الجيش الإسرائيلي جريمة ضد الإنسانية حاول طمسها بدفن الفريق ومركباتهم.
وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، جرائم إبادة جماعية في غزة، خلّفت أكثر من 168 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.
وفي 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهمتي ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة.
كما أصدرت محكمة العدل الدولية في 28 مارس/ آذار و26 يناير/ كانون الثاني 2024، مجموعتين من التدابير المؤقتة طلبتها جنوب إفريقيا قي قضية تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة.
ومن بين هذه التدابير ضرورة توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها دون عوائق، فضلا عن الإمدادات والرعاية الطبية للفلسطينيين في جميع أنحاء غزة.
لكن إسرائيل تواصل تجاهل تلك التدابير، إذ تغلق كافة معابر غزة؛ ما أدخل القطاع في مرحلة المجاعة؛ جراء منع إدخال المساعدات الإنسانية والمستلزمات الطبية المنقذة للحياة.
كما أصدرت المحكمة في 29 يوليو/ تموز 2024 رأيا استشاريا أكدت فيه أن استمرار وجود إسرائيل على الأرض الفلسطينية المحتلة “غير قانوني”، وأن المنظمات الدولية، بما فيها الولايات المتحدة، ملزمة بعدم الاعتراف بالوضع الناشئ عن هذا الوجود غير القانوني.
(الأناضول)
المصدر: القدس العربي
تتهرب من جرائمها.. إسرائيل تزعم عدم إعدامها طواقم إسعاف وإغاثة في رفح