قال المعلّق في صحيفة “واشنطن بوست” ديفيد إغناطيوس إن جامعة هارفارد، التي رفضت إملاءات إدارة الرئيس دونالد ترامب ومحاولتها السيطرة على التعليم العالي في البلاد، “أنقذت روحها”، مشيرًا إلى أن الجامعة، مع ذلك، ستدفع ثمنًا باهظًا لرفضها التنازل عن استقلاليتها لإدارة ترامب.
وقال إن جامعة هارفارد “قدّمت لنا درسًا عندما قالت “لا” قوية لمتنمّر”. وأضاف أن إدارة ترامب حاولت ترهيب جامعة هارفارد، كما فعلت مع وكالات حكومية، ومديرين تنفيذيين، ومكاتب محاماة، وجامعات أخرى، من خلال التهديد بقطع التمويل الفيدرالي.
وفي حالة هارفارد، كان هذا يعني مراجعة دعم على شكل منح متعددة بقيمة 8.7 مليار دولار.
وطلبت الإدارة، في الأسبوع الماضي، تسوية مهينة تجعل الجامعة عرضة للتدقيق الخارجي في أي عمليات توظيف للكليات، وقبول الطلاب، وأمور داخلية أخرى.
ورفضت هارفارد الاستسلام، حيث أكّد مدير الجامعة، ألان إم. غاربر، أن الجامعة “لن تتنازل عن استقلالها أو تتخلى عن حقوقها الدستورية”. وقال، في بيان، يوم الإثنين: “لا حقّ لحكومة، أيًّا كان الحزب الحاكم، في الإملاء على الجامعات الخاصة ما يجب عليها تدريسه، ومن تقبل للدراسة أو توظّف، أو أي مجال للدراسة أو البحث تتبعه”.
ولأن الرئيس دونالد ترامب لا يحب أن يكون الجواب “لا”، قررت إدارته، مساء الإثنين، تنفيذ تهديدها، وجمّدت 2.2 مليار دولار من التمويل الفيدرالي.
ويعلّق إغناطيوس بأن جامعة هارفارد ستعاني في هذه الدراما المتعلقة بالتعديل الأول للدستور الأمريكي، لكنها، في نظر الكاتب- وهو خريج الجامعة- أنقذت روحها الأبدية.
وقال الكاتب إن هارفارد، وغيرها من الجامعات العظيمة، بدت وكأنها تهيم في البرية وتتجه نحو المجهول، حتى جاء الموقف الثابت يوم الإثنين. فقد تعرّضت حرية التعبير للتهديد من اليمين واليسار، وخاصة بعد هجمات “حماس”، في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث شعر الطلاب اليهود والمؤيدون لفلسطين بعدم الأمان. وقد حاول رؤساء الجامعات شرح قواعد الحرم الجامعي، لكنهم كانوا غير متماسكين.
وفي مقال مطوّل نشرته مجلة “ذي نيويوركر”، الشهر الماضي، بعنوان: “هل تركع هارفارد أم تتحطّم؟”، شرح المقال كيف عانت مؤسسة هارفارد (الهيئة الإدارية للجامعة) من الإحراج بعد تعيين كلودين غاي كأول رئيسة سوداء لجامعة هارفارد، في تموز/يوليو 2023، ثم طردها بعد ستة أشهر، وسط انتقادات لفشل هارفارد في الحد من معاداة السامية في الحرم الجامعي، واتهامات لغاي بسرقات أدبية.
وتعمّقت أزمة هارفارد في 31 آذار/مارس، عندما أعلن البيت الأبيض عن مراجعة للمنح المقدّمة للجامعة بقيمة 8.7 مليار دولار، وبعث، في 3 نيسان/أبريل، أول مسودة للمطالب التي يجب على الجامعة تطبيقها. وقد وافقت جامعة كولومبيا على مطالب إدارة ترامب لكي تستعيد 400 مليون دولار من التمويل الفيدرالي. والآن وجّه ترامب بندقيته إلى واحدة من أقدم الجامعات الأمريكية وأكثرها احترامًا، وضغط على الزناد.
ونقل الكاتب عن مسؤول في هارفارد قوله إن بيني بريتزكر، وزيرة التجارة السابقة، وعضو مجلس إدارة مؤسسة هارفارد، كافحت مع زملائها للتوصل إلى إجماع حول قيم هارفارد والمخاوف بشأن مستقبل الخطوط الحمراء لها. وخلال هذه النقاشات، قال أحد المشاركين فيها إن الجامعة تأمّلت في شعارها “Veritas”، وهي كلمة لاتينية تعني “الحقيقة”.
ولم يقابل قادة هارفارد ترامب مباشرة، ولكن عبر وسطاء شرحوا له كيف تقوم الجامعة بمكافحة معاداة السامية، ومحاولاتها منح المحافظين صوتًا فيها. وكان أمل المسؤولين في الجامعة أن يعرض ترامب شروطًا أقل عقابية من تلك التي فرضها على جامعة كولومبيا. لكنهم اتفقوا معًا على أنهم سيرفضون أي شيء يفرضه الرئيس عليهم، وأنهم سيرفضون التنازل أو التخلي عن حقوقهم الدستورية.
إلا أن إملاءات ترامب، يوم الجمعة، تجاوزت الخط الأحمر. فقد حذّرت رسالة الإدارة، في 11 نيسان/أبريل، من أن “الاستثمارات” الفيدرالية في هارفارد ليست “استحقاقًا”، وأنه “من أجل الحفاظ على علاقات هارفارد المالية مع الحكومة الفيدرالية”، فإن عليها تغيير طريقة حكمها، وتخفيض سلطة الطلاب والكليات، وإلغاء أي محاباة عنصرية، والتدقيق في الطلاب الأجانب الداعمين للإرهاب ومعاداة السامية.
بل زادت المطالب سوءًا، حيث طلبت رسالة الحكومة من إدارة جامعة هارفارد القبول بتدقيق خارجي على طلابها وموظفيها وقيادتها، والتأكّد من “وجهة نظر التنوع”، وتعيين المزيد من الأصوات المؤيدة لترامب.
ومهما كان موقفك من جامعة هارفارد والأيديولوجية التي تدعمها، ففي استطلاع أجرته “هارفارد كريمسون”، عام 2022، وُجد أن نسبة 80% من طلاب الكليات وصفوا أنفسهم بالليبراليين، أو الليبراليين جدًا. لكن هذه مشكلة لا علاقة لها بالحكومة أو ضمن اختصاصاتها.
وحذّر خريج سابق للمؤسسة من أن أي تسوية مع ترامب هي “محاولة عدوانية للسيطرة على الجامعة”، وجادل خريجٌ آخر بأن قلق ترامب الحقيقي لم يكن معاداة السامية المزعومة، بل “محاولة قهر الأعداء السياسيين”.
رفضت المؤسسة الصفقة بشجاعة، وفي غضون ساعات، جمدت الإدارة المنح البالغة 2.2 مليار دولار. ويعلّق إغناطيوس: “الحرية ليست مجانية، كما يقال، وستبدأ هارفارد الآن بدفع ما يعتقد المسؤولون بأنه ثمن باهظ للغاية لاستقلاليتها”. كان لدى الجامعة 53.2 مليار دولار في وقفها، اعتبارًا من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، لكن جزءًا كبيرًا من هذه الأموال مقيّد بآلاف الوصايا المنفصلة، ولا يمكن سحبه بسهولة.
وقالت هارفارد، في الأسبوع الماضي، إنها تخطّط لاقتراض 750 مليون دولار لتلبية احتياجاتها المالية. لكن مسؤولين في الجامعة أخبروا الكاتبة أن الأموال الخاصة لن تغطي العجز الحكومي، ويدرك غاربر بالفعل الحاجة إلى تسريح موظفين وتخفيض الميزانية، بشكل سيقوّض مهمة هارفارد البحثية، ربما لسنوات قادمة.
وتساءل إغناطيوس عن المعركة الجارية من أجل روح هارفارد؟ مشيرًا إلى مقال نشرته صحيفة “فايننشال تايمز”، جادل فيه مارتن وولف بأن ترامب، كما فعل ماو تسي تونغ في الصين قبل أكثر من 50 عامًا، شرع في “ثورة ثقافية” تسعى إلى “الإطاحة بالنخب البيروقراطية والثقافية” الراسخة في جامعات البلاد العريقة.
ويعلّق الكاتب: لم يُجبر الأساتذة الليبراليون بعد على ارتداء قبعات الحمقى أو العمل في معسكرات إعادة التأهيل في المزارع والمصانع. ربما يكون هذا هو التالي. في الوقت الحالي، تحية لـ”هارفارد العادلة”، وكيف أنها تجسد شعار “الحقيقة”.
المصدر: القدس العربي