You are currently viewing الصحافي الفلسطيني هدفًا: الاحتلال يلاحق شهود الحقيقة

الصحافي الفلسطيني هدفًا: الاحتلال يلاحق شهود الحقيقة

في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لا يحمل الصحافي الكاميرا فقط، بل يحمل في قلبه قصة شعب وفي جسده احتمالات الموت.
منذ بدء حرب الإبادة المتواصلة على قطاع غزة، وتكثيف الانتهاكات في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، أصبح الصحافي الفلسطيني هدفاً مباشراً لرصاص الاحتلال، وشاهداً وضحية في آنٍ واحد. فبينما يتغنّى العالم بحرية الصحافة، يُباد زملاء الكلمة في قطاع غزة وتُلاحق عدسات الحقيقة في شوارع الضفة الغربية، دون أن يتحرك ضمير العدالة الدولية. لا مكان آمنًا للصحافي الفلسطيني، لا على الجبهات، ولا في بيته، ولا حتى تحت خيمة كتب عليها «صحافة».
«نحن نُقتل لأننا نحمل الحقيقة»، بهذه العبارة لخص نقيب الصحافيين الفلسطينيين ناصر أبو بكر حجم الاستهداف المنهجي الذي يتعرض له الصحافيون الفلسطينيون من قبل سلطات الاحتلال.
وقال لـ»القدس العربي»: «هذا استهداف مقصود، بقرار رسمي من حكومة الاحتلال، التي تريد ارتكاب جرائمها في الظلام، دون عدسات ترصدها أو أقلام توثقها».
منذ اليوم الثاني للحرب على غزة، استشهد 6 صحافيين في يوم واحد، واستمرت الجرائم حتى تجاوز عدد الشهداء من الصحافيين الفلسطينيين 212، إلى جانب إصابة واعتقال أكثر من 200 صحافي، وتدمير 113 مؤسسة إعلامية في القطاع.

212 شهيداً في غزة… واعتقالات واعتداءات في الضفة

ويرى أبو بكر أن كل هذه الجرائم تشكّل حرباً شاملة على الصحافيين والإعلام الفلسطيني، تهدف إلى إسكات الصوت الفلسطيني ومنع الرواية الحقيقية من الوصول للعالم. ويؤكد: «الاحتلال لا يريد إعلاماً فلسطينياً، ولا صحافيين فلسطينيين، وقتلهم رسالة للأحياء منهم: أنتم الهدف القادم»، حتى خيمة الصحافيين، التي كُتب عليها بوضوح PRESS، تم قصفها، لتؤكد أن لا حرمة لأي رمز صحافي في نظر الاحتلال.
في الضفة الغربية ليست الصورة أقل سوداوية. الصحافي صهيب أبو دياك، من جنين، يروي لـ»القدس العربي» لحظات الرعب التي عاشها أثناء تغطيته لاقتحام مخيم بلاطة: «كنا نغطي من منطقة بعيدة عن المواجهات، وفجأة بدأ الجنود بإطلاق الرصاص المعدني المغلف بالمطاط، ثم انهال علينا وابل من قنابل الغاز السام». ويضيف: «كان الخيار بين أن نصاب بالرصاص إذا ركضنا، أو نُختنق إذا بقينا، تعرضت للاختناق وأُغمي عليّ حتى وصلت طواقم الإسعاف».
أما الصحافي أحمد شاويش، من مدينة جنين، فقد تعرض للاستهداف المباشر أكثر من أربع مرات، بينها إطلاق نار حي باتجاه مركبة الصحافيين التي كان يستقلها مع زملائه، رغم وضوح شعارات الصحافة على المركبة وارتدائهم الزي الصحفي الكامل، «بلغ عدد الرصاصات أكثر من تسع، وتم استهدافنا رغم أننا كنا بعيدين عن مكان الحدث»، يقول لـ»القدس العربي»، مشيراً إلى إصابة زميله محمد منصور بيده، ما استدعى إجراء عملية جراحية له. يواجه الصحافيون الفلسطينيون في غزة جحيماً مضاعفاً.
يروي عبد القادر حسونة، وهو مصور صحافي من القطاع لـ«القدس العربي» كيف تنقّل من مستشفى إلى آخر تحت القصف، بعد تدمير منزله ومكتبه.
«استهدفونا في كل مكان: في منازلنا، في مكاتبنا، حتى في المستشفيات وخيامنا التي نصبناها لننقل الصورة».
ويضيف: «نُجبر على ترك مواقعنا كل مرة، لأن الاحتلال يريد طمس الحقيقة ومنع الصورة من الوصول، لكننا نصرّ على أداء رسالتنا، لأن ما نحمله أمانة». وثقت نقابة الصحافيين الفلسطينيين أكثر من 1700 منزل للصحافيين دُمرت كلياً أو جزئياً خلال الحرب على غزة، إضافة إلى حرمان أكثر من 4000 صحافي أجنبي من دخول القطاع أو الضفة، في محاولة لإبقاء الرواية الإسرائيلية وحدها حاضرة في المشهد الدولي، «رغم كل ذلك، استطاع الصحافي الفلسطيني بصموده وكاميرته، أن يخترق جدار التضليل وأن يصل برسالة شعبه إلى الملايين»، يقول أبو بكر، مشدداً على أن العالم لم يكن ليشاهد مظاهرات بالملايين في العواصم العالمية لولا دور الإعلام الفلسطيني.
وفي القدس، واجه الصحافيون استهدافاً ممنهجاً في شهر رمضان، حيث مُنع عشرات منهم من دخول المسجد الأقصى، وتم إبعاد بعضهم عن المدينة التي يسكنون فيها، إضافة إلى الاعتداءات والضرب والاعتقال.
كل هذه الجرائم، حسب أبو بكر، تُعد جرائم حرب مكتملة الأركان بموجب القانون الدولي، وليست مجرد «انتهاكات» كما يحاول البعض توصيفها، ويؤكد: «يجب محاسبة قادة الاحتلال ومنفذي الجرائم، وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2222 لعام 2015، الذي ينص على عدم إفلات مرتكبي الجرائم ضد الصحافيين من العقاب»، كما يدعو المحكمة الجنائية الدولية إلى تحريك الملفات المتعلقة باستهداف الصحافيين بشكل عاجل، حتى لو تم ذلك غيابياً، قائلاً: «يجب أن يشعر هؤلاء القتلة أنهم مطاردون، وأن هناك عدالة ستلحق بهم يوماً ما».
الرسالة التي يحملها الصحافي الفلسطيني اليوم لم تعد فقط رسالة إعلامية، بل موقف نضالي في وجه ماكينة الإبادة والتضليل وسط صمت العالم واستمرار المجازر، ويثبت الصحافي الفلسطيني مرة تلو الأخرى أن الكلمة الصادقة قد تكون سلاحاً، وأن الصورة الحقيقية قد تهزم رواية مدججة بالدبابات.

 

المصدر: القدس العربي

الصحافي الفلسطيني هدفًا: الاحتلال يلاحق شهود الحقيقة

شارك المقالة