عبد الباري عطوان
اغتيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان، وسيظل، هدفا رئيسيا للدولة الامريكية العميقة، وتدمير روسيا الاتحادية التي حقق الرئيس بوتين نجاحا كبيرا في إعادة بنائها كقوة عالمية عظمى، بعد تسريع إنهيار الاتحاد السوفيتي على أيدي “العميل” غورباتشوف تحت مسميات الإصلاح ” البيريسترويكا” الزائفة، ولهذا لم يفاجئنا ما ذكره تاكر كارلسون الصحافي الأمريكي الشهير يوم امس في مقابلة تلفزيونية من ان إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن خططت لمحاولة اغتيال الرئيس بوتين بالتعاون مع المخابرات الأوكرانية وبتورط مباشر من قبل الرئيس زيلينسكي.
كارلسون الصحافي الأمريكي الوحيد تقريبا الذي زار موسكو والتقى الرئيس الروسي، واجرى معه مقابلة تلفزيونية فريدة من نوعها، ومعروف بدقة اخباره ومصادره كشف، وللمرة الأولى، ان انتوني بلينكن وزير الخارجية السابق، هو من اقترح على الرئيس بايدن وحكومته الاعداد لاغتيال بوتين، ومارس ضغوطا قوية على الرئيس الامريكي ليس للإسراع بعملية الاغتيال هذه فقط، وانما لإشعال فتيل الحرب مع روسيا أيضا للقضاء على خطرها.
***
بلينكن الذي يتباهى بصهيونيته، ولا يخفي صداقته القوية مع ابن جلدته الرئيس الاوكراني زيلينسكي، كان يريد استخدام عملية اغتيال الرئيس بوتين لإشعال فتيل حرب عالمية نووية مع روسيا، لانه يدرك جيدا ان هذا هو الطريق الأقصر والأسرع لتحقيق هذا الهدف، أي الحرب.
في شهر أيار (مايو) عام 2023 وجهت القيادة الروسية “الكرملين” اتهامات قوية لأوكرانيا ورئيسها بإرسال مسيرتين انتحاريتين، وصلتا فعلا الى مقر الرئاسة في موسكو، بهدف اغتيال الرئيس بوتين، ومن سوء حظ من ارسلهما ان الرئيس بوتين لم يكن في مكتبه في حينها.
رئيس مجلس الدوما (البرلمان) الروسي فياتشيسلاف فولودين تعاطى بكل الجدية مع تصريحات الصحافي كارلسون، وهدد ببدء حرب نووية اذا ما تورطت أوكرانيا في محاولات اغتيال الرئيس بوتين، وقرر توجيه رسالة رسمية الى نظيره الأمريكي في الكونغرس بفتح التحقيق فورا في ما ذكره الصحافي الأمريكي عن محاولة اغتيال الرئيس بوتين خاصة تلك المتعلقة بدور بلينكن وزير الخارجية التحريضي في هذا المضمار.
تاريخ الولايات المتحدة الامريكية وأجهزتها الأمنية السرية والعلنية حافل بعمليات الاغتيال لقادة بارزين في العالم الثالث، وامريكا الجنوبية على وجه الخصوص، والرئيس الحالي دونالد ترامب هو الذي أصدر قرارا باغتيال الشهيد قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني على الأرض العراقية، ولا نستبعد ان يكون الرئيس بايدن هو الذي يقف، بشكل مباشر او غير مباشر، وراء اسقاط طائرة الرئيس الإيراني الشهيد رئيسي قرب الحدود مع أذربيجان قبل عام بالتعاون مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وان كانت الرواية الرسمية الإيرانية ما زالت تصر على ان سقوط طائرة الرئيس الإيراني الشهيد يعود الى سوء الأحوال الجوية.
محاولة اغتيال الرئيس بوتين هي أحد أبرز الأدلة على فشل الخطط الامريكية لتدمير روسيا وهزيمتها من خلال حرب جرى فيها استخدام أوكرانيا كطعم لجرها الى الحرب، وربما يفيد التذكير بأن إدارة الرئيس بايدن استخدمت كل ما في جعبتها من أسلحة مثل العقوبات الاقتصادية وحرب الاستنزاف، وقصف انابيب الغاز في البحر “نورث ستريم” وزعزعة استقرار الجبهة الداخلية الروسية من خلال حملات إعلامية مكثفة تتحدث عن انقلاب عسكري وشيك في الجيش، وانهيار شامل للعملة الوطنية (الروبل)، وفوق هذا وذاك الدعم المادي لأوكرانيا الذي زاد عن مئة مليار دولار، والعسكري الذي تمثل في أحدث الطائرات التقليدية او المسيرة والصواريخ الحديثة، ومع ذلك لم ترفع روسيا بوتين الرايات البيضاء استسلاما وركوعا، بل ازدادت قوة وما يؤكد هذه الحقيقة محاولة ترامب اطلاق آخر سهم في جعبته، أي محاولة خفض أسعار النفط بممارسة الضغوط على السعودية، وفك التنسيق بين أوبك وروسيا.
***
لا نعتقد ان الكونغرس سيتجاوب مع طلب نظيره الروسي الدوما بفتح تحقيق معمق فيما ورد على لسان الصحافي كارلسون، ولكننا لا نستبعد ان تستمر المحاولات لاغتيال الرئيس الروسي مع تصعيد حرب أوكرانيا التي تقترب من دخولها عامها الرابع الشهر المقبل، وفشل أمريكا الداعم والمخطط الأكبر لها في تحقيق هدفها الأساسي وهو تدمير روسيا، وإزالة خطرها كدولة عظمى باتت تشكل مع الصين قوة ثنائية عملاقة تخطط لإطاحتها من على عرشها كزعيمة للعالم.
ولعل الضربة الصينية المزلزلة والمفاجئة لامريكا وكلفتها ترليوني دولار في يوم واحد وتمثلت في انتاج “ديب سيك” المنافس الصيني لـ”تشات. جي بي. تي” في مساحة الذكاء الصناعي الذي هيمنت عليها أمريكا طوال السنوات الماضية، هي اول الغيث والقادم أعظم بكثير.. فهل ستوسع أمريكا قائمة اغتيالاتها بحيث تشمل الرئيس الصيني أيضا؟
المصدر: رأي اليوم