عبد الباري عطوان
عودة مِئات الآلاف من النّازحين إلى قُراهم وبلداتهم ومُخيّماتهم سواءً شِمال قطاع غزة أو في جنوب لبنان اليوم صدفة جميلة تنطوي على درجةٍ عاليةٍ من الأهميّة، أبرزها فشل مُعظم، إن لم يكن كُل، مشاريع الاحتلال الإسرائيلي في تهجير المُواطنين وتفريغ جبهات المُواجهة، وتكريس احتِلاله للقطاع، والشّريط الحُدودي اللبناني، والقضاء الكامل على فصائل المُقاومة، ومُحاولة بث الفتنة بينها وبين حاضناتها الشعبيّة من خلال تصعيد حرب الإبادة والمجازر والتّطهير العِرقي، وتحميل المُقاومة في جنوب لبنان، و”طُوفان الأقصى” القسّاميّة المسؤوليّة.
إنّها وحدة السّاحات التي تتجسّد عمليًّا تحت مرأى العدو الإسرائيلي، على الجبهتين الجنوب لبنانيّة والفِلسطينيّة في الضفّة والقطاع، حيثُ رفرفت أعلام المُقاومة في أيدي العائدين، وكان مُقاتلوها في انتظار العائدين أو بين أوساطهم، بالملابس المدنيّة مثلما كان الحال في الجنوب اللبناني، أو بالملابس الرسميّة في محور نتساريم في قطاع غزة.
***
تتجسّد أكبر هزيمة للعدو الإسرائيلي، وانتصار للمُقاومة وحاضنتها في فشل مشاريع التّهجير، وتركيع وإرهاب الحواضن الشعبيّة ودقّ أسفين الخِلاف بينها وبين فصائل المُقاومة، فقد كانَ لافتًا رفع صُور القادة الشّهداء وعلى رأسهم السيّد حسن نصر الله، وإسماعيل هنية، ويحيى السنوار جنبًا إلى جنب مع أعلام المُقاومة في لبنان وفِلسطين، في تحدٍّ علنيٍّ لقوّات الاحتلال التي تُراقب المشهد عن قُرب.
عودة النٌازحين اللبنانيين الذين تحدّوا الرّصاص الإسرائيلي في طريق عودتهم الشُّجاعة إلى قُراهم وبلداتهم، تتقدّمهم الماجدة زهراء القيسي حاملة علم حزب الله الأصفر طالبة الشّهادة، وقدّموا في مسيرة العودة والكرامة والتّحرير هذه أكثر من 25 شهيدًا و128 جريحًا، وعودة أكثر من 400 ألف نازح من أبناء القطاع في ساعاتٍ محدودةٍ، سيرًا على الأقدام مُحمّلين بما تيسّر من الملابس والحوائج الشخصيّة الأساسيّة، هذه هي مَسيرات النّصر الأوّليّة التي تُمهّد لمَسيرة العودة الكُبرى إلى الجليل، وحيفا، وعكّا، وأم الرشراش، وتل الربيع، وصفد، وعسقلان، والسبع وكُل المُدُن الفِلسطينيّة المُحتلّة.
المُستوطنون الإسرائيليّون النّازحون من الجليل ومن مُستوطنات غلاف غزة لن يعودوا إلى مُستوطناتهم، لأنّ شُروط العودة لم يتحقّق أي منها، وأبرزها تأمين الحُدود بالقضاء على قوّات حزب الله في لبنان، وكتائب المُقاومة في قطاع غزة، وخاصَّةً القسّام الحمساويّة وسرايا القدس الجهاديّة، واحتِمالات تكرار ملحمة “طُوفان الأقصى” في قطاع غزة، والقصف الصّاروخي من جنوب لبنان ما زالت قائمة، وقد تكون أعظم قوّة من سابقاتها.
***
نحنُ أصحابُ الأرض، وأصحابُ الحق في العودة إليها طال الزّمن أو قَصُر، وطالما هُناك شعوب حيّة هُناك مُقاومة لن تتوقّف طالما هُناك عُدوان وهُناك احتلال، والشّعب الفِلسطيني لن ينسى ملّيميترًا واحدًا من أرضه، ولن يتخلّى عن الانتقام لشُهداء حرب الإبادة مهما طال الزّمن، أُسوَة بكُلّ الشّعوب التي هزمت جميع الاحتِلالات ونالت الفوز الكبير.
العائدون اللبنانيّون والفِلسطينيّون هُم نُواة المُقاومة الشعبيّة المشروعة، وحاضنتها الوطنيّة المُؤمنة، والمسألة مسألةُ صبر، ومراحل، ونفس طويل، ونختم بما قاله السيّد حسن نصر الله في خطابه الأخير الذي توقّع فيه استشهاده ولقاء ربّه والصّالحين في الجنّة بإذن الله، “يومٌ لكَ ويومٌ عليك” وأيّام نصرنا قادمة ووشيكة بإذنِ الله.. والأيّام بيننا.
المصدر: رأي اليوم