عبد الباري عطوان
هناك مثل شعبي يقول “لا دخان بدون نار” ومن هذه الزاوية يمكن النظر الى الاخبار المتداولة بكثافة هذه الأيام في بعض الفضائيات وعلى وسائل التواصل الاجتماعي حول حدوث لقاء بين ماهر الأسد قائد الفرقة السورية الرابعة في الجيش السوري، واللواء علي المملوك رئيس المخابرات والأمن الوطني السابق الذي يوصف بالصندوق الأسود للنظام الاسدي، في جبل قنديل شمال العراق، القريب مع الحدود الإيرانية، وعقد الاثنين لقاءات مع ضباط من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله لوضع خطة لمواجهة النظام الجديد في دمشق.
المهم هنا، ليس صحة هذه الأنباء من عدمها، خاصة ان البيان الرسمي الصادر عن وزارة الداخلية العراقية نفى وجودهما، أي ماهر والمملوك على أرض العراق، ولكنه لم ينف دخولهما الأرض العراقية، حيث توجد حاليا العديد من المناطق في شمال العراق خارج سلطة الدولة الرسمية، المهم هو وجود مثل هذه التحركات التي قد توحي بأن النظام السوري المعزول لم يسلّم بالهزيمة، وانه بصدد محاولة العودة الى الميدان للثأر أولا، واستعادة السلطة ثانيا.
***
من الواضح ان العراق مرشح لكي يكون نقطة الانطلاق الرئيسية، وربما الوحيدة، لأي تحرك محتمل من النظام المعزول للعودة الى الحكم في دمشق، لوجود قوات الحشد الشعبي المدعومة من ايران، والحرس الثوري تحديدا، باعتباره أحد أبرز أذرع محور المقاومة، وبحكم موقعه الجغرافي الاستراتيجي كحلقة وصل بين سورية غربا، وايران شرقا، وهذا ما يفسر قيام انتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي بزيارته السرية الى بغداد فور سقوط دمشق في أيدي قوات هيئة تحرير الشام، وفرار الرئيس بشار الأسد الى موسكو، ولقائه مع السيد محمد الشياع السوداني رئيس الوزراء، ومطالبته العراق بالنأي بنفسه عن تطورات الأوضاع في دمشق، ونزع سلاح الحشد بالكامل، والا عليه (السوداني) وحكومته تحمّل كل النتائج المترتبة على عدم التجاوب.
اللافت ان الرئيس بشار الأسد وفي بيانه الذي نشره على وسائل التواصل الاجتماعي (اختفى بعد اقل من 10 ساعات) لتبرير مغادرته دمشق ولجوئه الى موسكو، لم يعلن تنحيه عن الحكم، ووقعه كرئيس للجمهورية العربية السورية، مما يعني ان احتمال رفض التغيير الحالي في سورية، والعمل على مقاومته لا يمكن استبعاده فيما هو قادم من أيام وأشهر.
اذا تحققت الفرضية المذكورة آنفا، أي إعادة تنظيم النظام السابق لصفوفه والنزول الى ميدان المواجهة عبر إعادة بناء أذرعه العسكرية الجديدة، واللجوء الى حرب العصابات، فإن هذه الخطوة تعني تبادل الأدوار مع النظام السوري الجديد المدعوم أمريكيا وتركيا ربما إسرائيليا، والعمل على زعزعة الحكم الجديد في دمشق، وربما فتح جبهة جديدة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي تحت شرعية وطنية وردا على اعتداءاتها بتدمير الترسانة العسكرية السورية، واحتلالها أراض سورية في الجنوب، وإلغاء معاهدة عام 1974 المتعلقة بالمنطقة الحدودية (جبل الشيخ)، والقنيطرة المنزوعة السلاح.
نشرح أكثر ونقول ان سورية ما زالت غابة أسلحة، وما زال هناك العديد من الداعمين للنظام السوري السابق، سواء في الجيش المحلول او قوى الامن، وهؤلاء على درجة عالية من التدريب والكفاءة العسكرية، ولا يمكن ان يتعايشوا مع النظام الجديد في دمشق، لأسباب عدة بعضها عقائدي، والبعض الآخر طائفي، او إيديولوجي، و”مرحلة الصدمة” التي تجسدت في انهيار الجيش العربي السوري المنهك، وسهولة السيطرة على العاصمة ومدن سورية كبرى مثل حماة وحلب وحمص وأخيرا دمشق دون مقاومة، هذه الصدمة بدأت تتآكل بشكل متسارع يوما بعد يوم.
أكبر خطر على دولة الاحتلال الإسرائيلي يتجسد في إحتمال تحول سورية الجديدة الى ميدان للفوضى المسلحة، وعودة النظام السابق الى الميدان عبر بوابة حرب العصابات، وفتح جبهة الحدود السورية مع الاحتلال على مصراعيها، وهو ما عجز عنه، وتجنبه في السابق للحفاظ على وجوده في سدة الحكم، ومسؤوليته للحيلولة دون تدمير العاصمة والمدن الأخرى، والآن لم يعد لديه ما يخسره، او يحافظ عليه بعد إسقاطه من الحكم، ووفق خطة أمريكية تركية مدروسة بعناية.
***
ربما يفيد التذكير بمثلين رئيسيين يؤكدان احتمالات هذه الفرضية السابقة، وقد ينطبقان على النظام السابق في سورية:
الأول: العراق لم يسلم بهزيمة عام 2003 التي تمثلت في احتلال قوات 32 دولة برئاسة أمريكا، و160 الف جندي من قواتها لبغداد، وانطلاق المقاومة العراقية بعد أقل من شهرين، وتكللت بخروج جميع القوات الامريكية مهزومة من العراق في عام 2011.
الثاني: خروج حركة طالبان وخسارة حكمها لأفغانستان بعد الغزو الأمريكي في تشرين اول (أكتوبر) عام 2001 لم يؤد الى استسلامها ورفع الرايات البيضاء، بل انتقلت الحركة البشتونية فورا الى المقاومة، ونجحت في العودة الى الحكم بعد ما يقرب من عشرين عاما بعد طرد جميع القوات الامريكية بطريقة مذلة، والهروب الكبير في مطار كابول كان البرهان.
ختاما نسأل: هل يعيد هذا التاريخ نفسه في سورية؟
لا نستطيع ان ننفي او نؤكد هذه الحقيقة، ولكننا نحن الذين نعرف سورية والمنطقة جيدا بحكم اننا من أبنائها، لا نستبعد أي شيء وكل الاحتمالات واردة.. والأيام بيننا.
المصدر:رأي اليوم