في كتاب الحرب للصحافيّ الأمريكيّ الاستقصائيّ بوب ودوورد جاء فيما جاء، أنّه في شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) من العام 2023 و”قبل عودته إلى إسرائيل، عرج وزير الخارجيّة الأمريكيّ آنذاك أنتوني بلينكن على القاهرة للقاء الرئيس المصريّ عبد الفتاح السيسي، كان للسيسي هدفان فقط: الحفاظ على اتفاقية السلام مع إسرائيل التي تمّ التوقيع عليها عام 1979، ورفض تهجير الفلسطينيين إلى مصر”.
وعلى الرغم من هذه التطمينات ما زالت دولة الاحتلال تشُنّ حربًا إعلاميّةً على بلاد الكنانة مدعيّةً أنّ صُنّاع القرار في القاهرة يعملون على تقوية الجيش المصريّ، الأمر الذي يُثير المخاوف من أنْ يستغّلوا هذا الأمر ضدّ إسرائيل، وعلى نحوٍ خاصٍّ في شبه جزيرة سيناء.
ad
وتواترت في الأيام الأخيرة حالة التحريض الإسرائيليّة على مصر، ومزاعم عن تعزيز قواتها المسلحة في سيناء، وانتهاكها لاتفاقية السلام، وصولاً لاحتمال نشوب حربٍ، فيما ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعيّ مقاطع فيديو تتضمن أدلّةً فوتوغرافية لدبابات وناقلات جنود مدرعة ووسائل لوجستية وجنود مصريين يدخلون شبه الجزيرة.
وفي هذا السياق زعم يهودا بلانغا، الرئيس السابق لمجلس الأمن القوميّ في الكيان، أنّ “مصر بنت منذ 2004 قرابة 60 معبرًا من الجسور والأنفاق في قناة السويس، وأنشأت عشرات مستودعات الذخيرة ومواقع التخزين تحت الأرض والمراكز اللوجستية ومستودعات الوقود في سيناء، ما يعني رسم صورة مقلقة للوضع، لاسيما أنّ العقود الأخيرة خضع جيشها لترقيةٍ جادةٍ، حيث تمّ تعزيز بنيته العسكرية منذ وصول الرئيس عبد الفتّاح السيسي للسلطة، وزاد من مشاركة جيشه في الاقتصاد والسياسة المحلية، ومنذ 2014 سرّع من عملية تحديث قواته المسلحة”.
وأضاف في مقال نشرته صحيفة (إسرائيل اليوم) العبريّة، أنّ “السبب المعلن في كلّ هذه التطورات تمثل بالحاجة لمكافحة المجموعات المسلحة في سيناء، وإظهار القوة ضدّ إثيوبيا التي بنت سدّ النهضة، وتهدّد بتجفيف نهر النيل، ومنع توسع نفوذ إيران في المنطقة، ومنه تمدّد العمليات المسلحة من الحدود الغربية مع ليبيا إلى مصر”.
ad
وادّعى الكاتب أنّ “تنظيم داعش الإرهابيّ وإثيوبيا وليبيا ليست سوى ذريعة، لأنّه في الممارسة العملية، منذ الأزل، ورغم اتفاق كامب ديفيد، يعامل المصريون الإسرائيليين كأعداء، في النظام التعليميّ والثقافة ووسائل الإعلام، ووصفهم بالغول، المحتل الأجنبي القاتل، الإمبرياليّ الذي يهدد السلام في المنطقة، وبالتالي فإنّ التطبيع لديهم ليس على الأجندة، ويظهر انزعاج الجمهور المصري واضحًا عقب أيّ عدوانٍ إسرائيليٍّ في غزة أوْ لبنان”.
علاوة على ما ذُكِر آنفًا، شدّدّ على أنّه “بعد أنْ هدّد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما بتجميد المساعدات العسكرية لمصر بعد وصول السيسي للسلطة في 2013، دعا الشارع المصريّ بحركاته السياسية المختلفة لإلغاء اتفاق كامب ديفيد، وقطع العلاقات مع الولايات المتحدة، كما تنبع صورة (العدوّ الإسرائيليّ الأبديّ) لدى المصريين من حاجز نفسي، بزعم أنّ إسرائيل دولة صغيرة حديثة نجحت بجعل الصحراء قاحلةً، ومجتمعها متماسك، رغم نزاعاته الداخلية، والتحديات والتهديدات التي تواجهها، وبعضها وجودي، فيما تفشل مصر بذلك”، طبقًا لأقوال المسؤول الأمنيّ الإسرائيليّ السابق.
ولفت إلى أنّه “من أجل الردّ على التهديد الإسرائيليّ، تمتلك مصر جيشًا هو الحادي عشر من حيث الحجم في العالم، ويتضمن قوة جوية ضخمة تضم 600 طائرة، منها 350 مقاتلة، وقوة مدرعة تضمّ 5300 دبابة، وإجمالي 460 ألف جندي نظامي، و480 ألف احتياطي، مع أنّه بالنظر لهذه البيانات نكتشف أنّه جيش عفا عليه الزمن، ويحاول إبراز قوته الوطنيّة، واعتزازه بالنفس داخليًا وخارجيًا، وفي الساحة العربية الداخلية، بصورة قوة إقليمية، لأنّ نصف دباباته تعود للحقبة السوفيتية، وفيما تحوز قواته الجوية 168 طائرة إف-16، لكن بقيتها من طراز ميراج وميغ من طراز 29”.
وأوضح في ختام مقاله أنّ “انهيار السلام، واندلاع حرب بين مصر ودولة الاحتلال، يشكلان خطًا أحمر بالنسبة للأمريكيين، وخطوة من شأنها أنْ تؤدي لأزمةٍ مدمرةٍ في العلاقات مع واشنطن، ويطرح تساؤلات حول مدى قدرة مصر على خوض حربٍ طويلةٍ إذا قررت واشنطن قطع إمدادات الذخيرة وقطع الغيار عن جيشها، وهل يستطيع الكمّ المصريّ التغلب على النوع الإسرائيليّ، وقد كانت آخر حروبهما عام 1973″، على حدّ تعبيره.
وأواخر الشهر الفائت، عبَّر رئيس أركان الجيش الإسرائيليّ المستقيل هرتسي هاليفي، عن قلقه من قدرات مصر العسكرية، محذَّرًا من أنّ ما وصفه بـ”التهديد الأمني المصري قد يتغير في لحظة”، حسبما ذكرت القناة الـ14 العبريّة.
وقال هاليفي: “مصر لديها جيش كبير مزود بوسائل قتالية متطورة مع طائرات وغواصات وصواريخ متطورة، بالإضافة إلى عدد كبير للغاية من الدبابات وسلاح المشاة، ونحن قلقون جدًا بشأن هذا الأمر. هذا ليس من أولوياتنا حاليًا، ولكن يجب أنْ نقول ذلك”.
ولفت إلى أن إسرائيل منزعجة، مما وصفه بـ “التهديد الأمنيّ من مصر”، لكنّه اعتبر في الوقت ذاته أنّه “ليس تهديدًا في الوقت الحالي، لكنه قد يتغيّر في لحظة”.
وسبق أنْ أثار سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون، الشهر الماضي، مخاوف كبيرة بشأن الحشد العسكري المصري، قائلاً: “إنهم (المصريون) ينفقون مئات الملايين من الدولارات على المعدات العسكرية الحديثة كلّ عامٍ، رغم أنّ ليس لديهم أيّ تهديداتٍ على حدودهم”، طبقًا لأقواله.
المصدر: رأي اليوم