You are currently viewing التعداد العام للسكان والمساكن في العراق: خطوة لإعادة رسم الواقع الديموغرافي للبلاد

التعداد العام للسكان والمساكن في العراق: خطوة لإعادة رسم الواقع الديموغرافي للبلاد

بدأت الحكومة العراقية اليوم إجراء أول تعداد سكاني شامل منذ عام 1997، يستمر هذا التعداد ليومين، في خطوة طال انتظارها تهدف إلى توفير بيانات دقيقة عن السكان بالإضافة إلى أنه يسهم في تحسين التخطيط الاقتصادي والخدمات العامة، وتوزيع الموارد بشكل أكثر عدالة بين محافظات البلاد.

تم الإعلان عن أن موعد التعداد هو في يومي 20 و21 من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، وسط تحضيرات مكثفة لضمان نجاح العملية، التي تتطلب تنسيقاً واسعاً بين مختلف الجهات المعنية، بما في ذلك وزارة التخطيط العراقية، والمفوضية العليا للتعداد، والأجهزة الأمنية.

آخر تعداد أجراه العراق كان في عام 1997 خلال حكم نظام صدام حسين، لكنه لم يكتمل بسبب عدم شمول مناطق كردستان التي كانت تتمتع وقتها بسلطة شبه مستقلة عن الحكومة في بغداد.

يعد التعداد السكاني أحد الأدوات الرئيسية التي تسعى الحكومة من خلالها إلى فهم التوزيع الديموغرافي بشكل أكثر دقة بعد سنوات من النزوح الداخلي والتغيرات السكانية، ومن المتوقع أن يساعد التعداد في تحديد الاحتياجات الأساسية للسكان في مجالات الصحة، والتعليم، والبنية التحتية، خاصة في ظل تزايد الطلب على الخدمات في المناطق التي شهدت موجات نزوح داخلي خلال السنوات الأخيرة.

أسباب تأجيل التعداد السكاني بعد عام 2003

لم تنجح الحكومات المتعاقبة بعد عام 2003 في إجراء تعداد سكاني في العراق وذلك بسبب عوامل عدة منها الأوضاع الأمنية بعد الاجتياح الأمريكي للعراق وتغير النظام السابق عام 2003. وعلى إثر ذلك شهدت البلاد موجات عنف متكررة نتيجة في أعوام 2006-2008، وظهور تنظيمات متطرفة كتنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية الذي سيطر على مناطق واسعة من العراق في عام 2014.

كما وعانى العراق من توترات سياسية وطائفية بسبب التعدد العرقي والديني بين مكوناته (العرب، الأكراد، التركمان، المسلمين الشيعة، المسلمين السنة، والمسيحيين). تخشى بعض الأطراف السياسية من أن يؤدي التعداد إلى إظهار توزيع سكاني قد يؤثر على توزيع السلطة والموارد. فعلى سبيل المثال توجد مخاوف من أن التعداد قد يظهر أعدادا كبيرة لمكون معين في منطقة معينة، ما قد يعزز مطالب هذا المكون بتمثيل أكبر في الحكومة أو بتخصيص موارد إضافية لمنطقته.

وعلى الرغم من أن موعد إجراء التعداد السكاني المرتقب جاء بعد اتفاق بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، إلا أن الجانب الكردي يطالب بغداد بتطبيع الأوضاع وتهيئتها في المناطق المتنازع عليها، وإيجاد حل لسكانها النازحين قبل إجراء التعداد.

خلال مؤتمر صحفي عقده في مدينة أربيل، صرح وزير التخطيط في حكومة إقليم كردستان، دارا رشيد، بأن التعداد السكاني لا ينبغي تسيسيه، ويجب أن يضمن حقوق جميع المكونات في العراق، مضيفًا أن قرار مجلس الوزراء الاتحادي بشأن التعداد لم يلبِّ مطالب الإقليم.

وحث رشيد سكان المناطق المشمولة بالمادة 140 من الدستور والخاصة بالمناطق المتنازع عليها على التوجه إلى هذه المناطق أثناء إجراء التعداد السكاني، مشيرًا إلى أن حكومة إقليم كردستان ستقدم التسهيلات لعودة سكان تلك المناطق إليها خلال التعداد.

صيغت المادة 140 من الدستور العراقي لحل مشاكل محافظة كركوك والمناطق الكردستانية خارج إدارة إقليم كردستان “المتنازع عليها” على ثلاث مراحل، هي تطبيع الأوضاع في تلك المناطق وإجراء تعداد سكاني وإجراء استفتاء لسكانها لتحديد ما إذا كانوا يريدون أن ينظموا لإقليم كردستان أم يبقوا مع باقي أجزاء العراق، وكانت تلك المادة قد حددت سقفاً زمنياً لتطبيقها ينتهي مع نهاية عام 2007، لكنه لم يطبق من هذه المادة غير قسم من المرحلة الأولى ولم تتخذ خطوات إضافية لتطبيقها.

كما خلق النزوح الداخلي نتيجة حالة عدم الاستقرار التي شهدتها البلاد خلال الأعوام السابقة عائقا آخر أمام إجراء التعداد، الأمر الذي تسبب بتغييرات ديموغرافية في بعض المحافظات، كما أن مؤسسات الدولة العراقية عانت منذ عام 2003 من ضعف في القدرات الإدارية والتقنية، نتيجة الحروب وتدمير البنية التحتية.

لم يتضمن التعداد السكاني الجديد أسئلة عن “قومية الفرد”، واقتصر على الأسئلة التي تدعم التخطيط المستقبلي وتحقيق التنمية المستدامة في مختلف القطاعات، لكي لا “يفشل التعداد السكاني كما حصل في المرات السابقة” بحسب تصريحات صحافية للمتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي.

وقال المتحدث باسم وزارة التخطيط لبي بي سي عبد الزهرة الهنداوي، إن آخر تعداد شامل أجري في العراق كان في عام 1987، وإن البلاد اليوم بحاجة ماسة إلى إعادة رسم الواقع السكاني والديمغرافي، وتحديد خصائص حياة السكان واحتياجات الفرد العراقي في كل منطقة من مناطق البلاد وهذا هو الهدف الأساسي من التعداد، بعيدًا عن أي مؤثرات أو تأثيرات أخرى”.

التزام حكومي بتنفيذ التعداد السكاني في العراق

أكد مجلس الوزراء العراقي في جلسته التي انعقدت في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني على ضرورة الالتزام بقرار المحكمة الاتحادية رقم (73/ اتحادية/ 2010) المتعلق بالتعداد السكاني العام، مشدداً على ضرورة إجراء التعداد في المناطق المتنازع عليها بواسطة فريق مشترك يضم ممثلين عن القوميات الثلاث (العربية، الكردية، التركمانية)، مع إضافة فرد من الديانة المسيحية في المناطق ذات الأغلبية المسيحية.

وتقوم هيئة الإحصاء، بالتعاون مع هيئة إحصاء إقليم كردستان ووزارة الداخلية الاتحادية، بمقارنة بيانات الوزارات المعنية مع نتائج التعداد السكاني لعام 1957 وتحديثاته، بالإضافة إلى سجلات وزارة التجارة، وبيانات، وزارة الهجرة والمهجرين.

كما تم الاتفاق على أن تكون عملية مقارنة البيانات الخاصة بالتعداد مع السجلات من اختصاص وزارتي التخطيط الاتحادية وتخطيط إقليم كردستان العراق، حيث سيتم تنظيم سجل خاص للمناطق المتنازع عليها يتضمن نتائج المقارنة، وتحتفظ الوزارتان بنسخ من هذا السجل. كما تم التأكيد على أهمية إعداد جداول إحصائية حول أعداد المُرحَّلين والوافدين والنازحين في المناطق المتنازع عليها والمحافظات الأخرى بناءً على المستمسكات الرسمية.

إضافة إلى ذلك، سيقوم فريق فني من هيئة إحصاء إقليم كردستان بالوجود في غرفة عمليات التعداد الرئيسية لمتابعة سير العملية وضمان سلامة الإجراءات طوال فترة التعداد.

حظر للتجوال
ستطبق الحكومة العراقية حظرا للتجوال يومي التعداد السكاني 20 و21 من نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، ولن يكون حظرا شاملا، وإنما الحظر سيكون لمنع انتقال الأشخاص من منطقة لأخرى داخل الأحياء السكنية والانتقال بين المحافظات العراقية، من أجل ضمان وجود الجميع يومي التعداد السكاني في مناطقهم. تقول وزارة التخطيط العراقية في بيان، إن الغاية من الحظر هو الحفاظ على الاستقرار السكاني من أجل ضمان نجاح التعداد.

وذكر المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد مقداد ميري إن فرض حظر التجوال يومي 20 و21 من نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 هو لتقييد حركة المواطنين والسيارات والقطارات بين المدن والأقضية والريف باستثناء الحالات الإنسانية والضرورية لتسهيل حركة المكلفين بإجراء التعداد.

وأضاف أن الحركة الجوية وحركة التبادل التجاري مفتوحة وغير مشمولة بالحظر، وأن هناك توجيها من الأجهزة الأمنية لمساعدة الحالات الإنسانية.

وسيشارك في التعداد نحو 120 ألف عدّاد وباحث ومشرف في عموم المدن العراقية بضمنها مدن إقليم كردستان.

مطالب بتضمين الانتماء القومي والمسيحيين المهجرين في التعداد السكاني
وجهت أربع جهات سياسية مسيحية كلدانية رسالة إلى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ورئيس وزراء إقليم كردستان مسرور بارزاني، ووزيري التخطيط في الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان، تضمنت ثلاثة مطالب رئيسية تتعلق بالتعداد السكاني.

أبرز هذه المطالب كان إضافة خانة خاصة بالانتماء القومي لأبناء المكون المسيحي في استمارة التعداد السكاني بعد خانة الديانة، إلى جانب المطالبة بإيجاد آلية تشمل المسيحيين المهجرين خارج العراق ضمن التعداد. كما وأكدوا على عدم استخدام نتائج التعداد كبديل عن المواد الدستورية المتعلقة بحقوق المكونات والتغييرات الديمغرافية.

ودعوا إلى العودة إلى الحقائق التي وثقها تعداد عام 1957، كما وشددت الرسالة على أهمية هذه المطالب في إنصاف أبناء المكون المسيحي بمختلف قومياته التاريخية جنبًا إلى جنب مع جميع مكونات المجتمع العراقي.

من جهته أعتبر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن يوم التعداد العام للسكان والمساكن سيكون “خطوة حضارية وتنموية مهمة”، بعد سنوات من التأخير.

وقال السوداني في كلمة متلفزة، إن الحكومة تشرع بتنفيذ التعداد العام للسكان لاستكمال أولويات البرنامج الحكومي، وتسعى لأن يكون التعداد أداة علمية حديثة في التخطيط، مبينا أن التعداد ليس مجرد أرقام تتراكم، بل هو الحد الفاصل بين التخمين والحقائق ووسيلة حاسمة لتحديد القرارات الحيوية والفعالة، ودعا المواطنين إلى التعاون مع الفرق المكلفة بإجراء التعداد.

ويبقى التعداد العام للسكان والمساكن في العراق لعام 2024 خطوة محورية في مسيرة البلاد نحو تحقيق تنمية شاملة ومستدامة كما تقول الجهات المشرفة على التعداد، ورغم التحديات تعول الحكومة على تعاون المواطنين والمؤسسات كافة لضمان إنجاح هذه العملية، التي تعتبر “الأكبر” منذ عقود، والأكثر تأثيرًا على سياسات البلاد المستقبلية.

المصدر: بي بي سي

Publisher: BBC

https://www.bbc.com/arabic/articles/c39n2lele8go

شارك المقالة