حذرت أوساط سياسية وشعبية في محافظة كركوك من موجة كبيرة لانتقال السكان من إقليم كردستان نحو كركوك، في إطار الاستعدادات الجارية للتعداد السكاني. وبحسب مصادر متعددة، يثير هذا التحرك قلقًا واسعًا بين الأطراف المختلفة في المحافظة، حيث ينظر إليه البعض بوصفه محاولة لإعادة تشكيل التوازن الديموغرافي في المدينة المتنازع عليها، بينما تؤكد مصادر أخرى أن هذا التحرك ذو طابع اجتماعي وتنموي.
مصدر مسؤول في سيطرات كركوك أشار إلى أن “عدد المركبات القادمة من إقليم كردستان بلغ 71 ألف مركبة، وعلى متنها ما يتراوح بين 300 إلى 350 ألف مواطن”.
وأوضح المصدر أن هذه المركبات لم تخضع لإجراءات تفتيش دقيقة، ما أثار تساؤلات حول كيفية تنظيم هذه العملية ومدى شفافيتها. وأضاف أن “العوائل القادمة، التي يغلب عليها الشباب، تم إسكانها في مجمعات سكنية شمال كركوك، تم تخصيصها من قبل أحزاب كردية، مثل الاتحاد الوطني والديمقراطي، لكوادرها الحزبية”.
وفي تصريح له على منصة “إكس”، كتب أحد الناشطين المحليين: “ما يحدث في كركوك ليس تعدادًا سكانيًا، بل محاولة لتغيير هوية المدينة. كيف يمكن تسجيل 97 شخصًا يعيشون في منزل واحد؟”.
من جهة أخرى، قال سيروان محمد، رئيس هيئة الإحصاء في إقليم كردستان، إن التعداد السكاني “لن يُستغل لأي غرض سياسي أو قانوني”. وأكد أن “العوائل التي عادت إلى كركوك كانت أصلاً من سكان المنطقة ولكنها أُجبرت على الرحيل سابقًا بسبب ظروف معقدة”. وأضاف أن “التعداد سيتضمن أسئلة واضحة حول أسباب الهجرة، وسيساعد في توضيح العدد الحقيقي للنازحين”.
رغم هذه التصريحات الرسمية، لا يزال الشك يسيطر على سكان كركوك.
وذكرت مواطنة تُدعى أم ليث، عبر منشور على “فيسبوك”: “عندما يكون التعداد بهذه الطريقة، فهو لا يمثلنا. كركوك كانت وستظل مدينة متعددة الهويات، ولكننا نرفض أن تكون ساحة للصراعات السياسية”.
وأفاد باحث اجتماعي، يُدعى الدكتور علي القيسي، أن “مثل هذه التحركات تفتح الباب أمام تساؤلات جدية حول الهدف الحقيقي من هذا التعداد. هل هو مجرد إجراء إداري لمعرفة الأعداد الحقيقية للسكان، أم أنه خطوة استباقية لترتيب أوضاع سياسية لاحقة؟”.
من جانبه، اعتبر مصدر سياسي، رفض الكشف عن اسمه، أن “الأحزاب الكردية تعمل على استغلال هذه الفرصة لتعزيز حضورها في كركوك استعدادًا لاستفتاء قد يُجرى لاحقًا حول تبعية المدينة”.
في الوقت نفسه، تداول نشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر طوابير طويلة من المركبات وهي تدخل كركوك، مع تعليقات تشير إلى أن هذه التحركات ليست بريئة. إحدى التغريدات قالت: “كركوك ليست للبيع. نحن بحاجة إلى وحدة موقف ضد هذه المحاولات”.
التحليلات الاستباقية تتوقع أن تكون هذه الخطوة مقدمة لمرحلة جديدة من الصراع السياسي في كركوك. وقال تحليل : “إذا لم تُدار العملية بشفافية تامة، فقد تشهد المحافظة تصعيدًا في التوترات، وربما احتجاجات شعبية تطالب بإلغاء نتائج التعداد”.
في سياق متصل، تحدث أحد المواطنين من منطقة الحويجة، قائلاً: “نخشى أن تؤدي هذه الأعداد الجديدة إلى تهميش السكان العرب والتركمان في المدينة، مما يزيد من حدة الانقسامات الاجتماعية”.
في ظل هذه التطورات، يظل مستقبل كركوك معلقًا بين التأكيدات الرسمية بالشفافية وبين مخاوف واقعية من استغلال التعداد لأغراض سياسية.
المصدر: المسلة
publisher: Almasalah