متاجرة بالمخدرات شذوذ وابتزاز وسرقات .. شهادة لـ(باسنيوز) من داخل أحد السجون العراقية
خرج من سجن الكرخ المركزي ببغداد وكأن الروح نفخت فيه من جديد، أحمد ذو 35 عامًا من سكنة كربلاء، دخل السجن بسبب قضية عائلية وقضى فيه نحو سنة ونصف، يقول أن السجناء مقسمون إلى عصابات فكل عصابة لها زعيم وكبير، يأمر وينهى ويطاع ومن يخالف هذا الزعيم تتم معاقبته بالإهانة والضرب بالحذاء وإيذائه جسدياً بأدوات حادة، وبعد هذا يتم إخراجه من العصابة، وأكبر العصابات في السجن هي عصابة سكنة بغداد بسبب كثرة عددهم، وكل محافظة لها مجموعة أفراد وقائد.
تحدث أحمد لـ( باسنيوز) عن مشاهداته عن واقع المعتقلين داخل السجن، يقول يُسمح لبعض السجناء بإدخال ماكينة الحلاقة الكهربائية والتي يتم تحويلها لاحقًا إلى أداة حادة بتثبيت السكين معها، وهذه الأداة فقط يملكها قادة العصابات لكن بقية الأفراد يحملون شفرة الحلاقة وغيرها من الأدوات الصغيرة، ويستخدمونها في النزاعات والشجار الذي يحصل دائماً بينهم وكثيراً ما ينتج عنها جرحى ومصابين إصابات بليغة، وهذه الأدوات تدخل بمساعدة حراس السجن وعلى مرأى ومسمع منهم مقابل تقاضيهم أموالاً طائلة من المعتقلين عبر ذويهم.
ويكشف أحمد عن خبايا وأسرار النزلاء وتواطؤ المسؤولين عن السجن والضباط مع العصابات، حيث يؤكد انتشار الشذوذ الجنسي بين بعض المجاميع التي تنتقي السجين المناسِب ليكون الضحية ، وبعد ذلك يصبح هذا السجين ملكاً لهم دون أن تشترك معهم عصابة أو مجموعة أخرى، فضلاً عن انتشار المخدرات التي تدخل عبر بعض السجناء "تجار المخدرات" من خلال أصدقائهم في الخارج لتتم المتاجرة بها داخل السجن، وتدخل بطرق مختلفة إما عبر السكائر أو الطعام المقدم لهم من الخارج عبر ذويهم.
واستأنف حديثه وهو يتذكر الأيام الغبراء التي قضاها في هذا السجن البائس، حيث يؤكد استخدام الحراس والجنود أسوأ الأساليب للحصول على الأموال من السجناء، فإحدى الطرق هي السماح للأهل بإدخال الهاتف النقال وبطاقة " السيم كارت" لإبنهم المعتقل، وبعد أيام ينفذ الحراس حملة دهم وتفتيش عن الهواتف والبطاقات، ويصادرونها، ولا يتم إرجاعها إلا بعد الحصول على مبالغ مالية طائلة من ذوي المعتقلين الذين يعدون مجبرين على ذلك بسبب حاجتهم للتواصل مع ابنهم، فضلًا عن اختلاق المشاكل بين السجناء وتركهم يتشاجرون باستخدام الآلات الحادة وبعد حدوث كثير من الإصابات يتم إيداع عدد كبير من السجناء في الحبس الانفرادي، ومدته القانونية 3 أشهر ، لكن بعد مساومات أهل المعتقل الذي في الحجر يتحصل حارس السجن بتواطؤ مع الضباط على 400 ألف دينار لإخراج المعتقل من الحبس الانفرادي، وهذا للمعتقل الواحد فكيف وهناك مئات المعتقلين، وغير ذلك من وسائل الابتزاز والمساومات.
وعن واقع السجن من الجوانب الأخرى يؤكد تردي الواقع الخدمي وانعدام الوسائل الصحية، وتجميع أكبر عدد من السجناء في مكان واحد حيث في المنام يضع أحد السجناء رجله على الآخر، فضلاً عن انعدام المياه الصالحة للشرب والطعام المناسب، إذ فقد الكثير من المعتقين أوزانهم، وانتشرت الأمراض بينهم، بالإضافة إلى المعاملة اللاإنسانية من قبل القائمين على السجن وغياب الدور الرقابي والمنظمات المعنية التي لم تزورهم أبداً.
ليس أحمد وحده من عاش تلك المعاناة فهناك اليوم آلاف السجناء أغلبهم أبرياء يعيشون واقعاً مأساوياً وانعدام للرقابة وغياب متابعة وزيارات المنظمات المعنية، لكن الحكومة العراقية ومن خلال التصريحات الرسمية تؤكد أن السجون في وضع مثالي ولا يوجد أية انتهاكات لحقوق الإنسان .
من جانبه يقول عضو المنظمة البلجيكية لحقوق الإنسان وسام العبدالله، أن واقع السجناء العراقيين مزرٍ جداً، فعملنا والتقارير التي تردنا من مصادرنا تؤكد انتشار أفتك أنواع الأمراض بين السجناء دون دعم حقيقي ورقابة من الحكومة العراقية ومفوضية حقوق الإنسان، خصوصاً في الآونة الأخيرة التي شهدت توجه الجهود الحكومية والرقابية البرلمانية نحو ملفات الفساد وما ترافقها من أبعاد سياسية وإهمال الجانب الرقابي فيما يخص المعتقلات وحقوق السجناء، حيث لم نشهد أي استدعاء من قبل البرلمان لوزارة العدل القائمة على السجون أو المسؤولين المباشرين عن تلك المعتقلات للوقوف على حال الموقوفين .
وأضاف في تصريح لـ(باسنيوز) أن الاعتقالات تزايدت في الآونة الأخيرة بسبب الحرب على داعش، وانتشار الجماعات المسلحة والمليشيات التي تعتقل دون أوامر قبض عندما تدخل مناطق النزاع كما حصل في مدن صلاح الدين والأنبار وغيرها، حيث شهدت اعتقال المئات من أبنائها، وهو ما ساهم بارتفاع معدل الانتهاكات خصوصاً في ظل انعدام الرقابة وتراجع المنظمات المعنية عن دورها.
وطالب العبد الله رئيس البرلمان سليم الجبوري ولجنة حقوق الإنسان، بمتابعة ملف المعتقلين والموقوفين فهو من الملفات الشائكة في العراق، والتي تثير الجدل بسبب وضع العراق الحالي، سيما وأن رئيس البرلمان كان رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية وهو أيضا مطلع على الواقع الذي يعيشه المعتقلون هناك .
وكان النائب في البرلمان العراقي صادق المحنا كشف الأسبوع الماضي عن وجود فساد في عقود الطعام لدى السجون العراقية.
وقال المحنا في بيان تلقت(باسنيوز) نسخة منه، إنه " في الوقت الذي ينادي الجميع بضرورة محاربة الفساد ومناداة الجموع بالإصلاحات نلاحظ تزايد حالات الفساد في الكثير من الوزارات نذكر منها الشكاوى التي تصل حول الفساد المستشري في عقود إطعام السجون وطريقة التعاقد ونوع الغذاء" . مضيفًا بالقول " ليس من المعقول استمرار هذا الفساد".
وطالب المحنا الدوائر الرقابية وهيئة النزاهة ورئاسة الوزراء ومفوضية حقوق الإنسان والمنظمات الدولية العاملة في العراق بـ"متابعة موضوع المعتقلين وانتهاك حقوقهم بجدية وإيقاف التدهور الحاصل في ذمم الناس".
كما دعا إلى " متابعة الموظفين القائمين على إدارة السجون لاسيما فيما يتعلق بإدخال المواد الممنوعة للسجن".
|