رسالة تحذير و”فركة أذن”.. تهديدات بايدن بوقف السلاح للكيان لن تضعفها عسكريا لكنها تضرب روايتها

بعد تسريبات صحافية نُسبت لمصادر سياسية في الولايات المتحدة، حول وقف شحنة سلاح إلى إسرائيل قبل أسبوعين، وبعد تصريحات وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن حول معاينة واشنطن المساعدة الأمنية لدولة الاحتلال عقب أحداث رفح، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن بصوته وصورته، إن بلاده لا تزال ملتزمة بالدفاع عن إسرائيل، وستزودها بسلاح دفاعي، أما إذا واصلت في اجتياح رفح، فسنوقف مدّها بسلاح هجومي، وذلك بسبب الخوف على حياة مليون من المدنيين المتكدسين في رفح ومحيطها، بحسب تعبيره.

كما قال بايدن في حديث لشبكة “سي إن إن” إن مدنيين فلسطينيين قُتلوا نتيجة هذه القنابل الأمريكية التي ألقيت على مراكز سكانية: “لقد أوضحت لهم أنه بحال دخلوا رفح، فلن نزوّدهم بسلاح”.

    اعترف بايدن أن مدنيين فلسطينيين قُتلوا نتيجة القنابل الأمريكية التي ألقتها إسرائيل على مراكز سكانية في قطاع غزة

ويبدو أن هذا التصريح الواضح من بايدن يهدف لردع إسرائيل من دخول رفح وعدم الاكتفاء بالمعبر؛ لأن صبر واشنطن قد فرغ بعد سبعة شهور فقدت خلالها الكثير من ماء وجهها حتى أمام الشارع الأمريكي في ظل دعم غير مسبوق لحرب إسرائيلية دموية، ناهيك عن رغبتها بالتفرغ لقضايا وتحديات كثيرة في الخارج والداخل وربما أهمها الانتخابات الوشيكة للرئاسة.

ولم تعقب إسرائيل رسميا بعد على هذه التحولات في الموقف الأمريكي المعلن حيال مسألة تزويد إسرائيل بالسلاح الأمريكي الذي لعب دورا حاسما في تدمير غزة وقتل أهلها، لكن النائبة عن حزب “الليكود” طالي غوتليب المعروفة بـ”لسانها الطويل والبذيء” قالت في الكنيست إن لديها “أخبارا” للولايات المتحدة: “لدينا صواريخ غير ذكية، ومن حقنا الدفاع عن أنفسنا. وربما بدلا من استخدام الصاروخ الذكي وتدمير غرفة معينة، سنستخدم صواريخ غبية وندمّر عشر عمارات”.

وعقّب الناطق بلسان الخارجية الأمريكية بالقول إن تصريحات غوتليب “فظيعة ورهيبة” منوها أنه ليس من المفروض أن تتحدث جهات في الحكومة الإسرائيلية كما تحدثت غوتليب.

يشار إلى أن غوتليب قالت في تغريدة قبل أيام، إن الولايات المتحدة واحدة من أكبر الداعمين لحماس. وفي ظل صمت إسرائيل الرسمي على تصريحات بايدن وغوتليب، قال سفيرها في الأمم المتحدة غلعاد أردان، إن تصريحات بايدن صعبة، ومخيبّة للآمال بل محبطة.

وفي حديث للإذاعة العبرية صباح اليوم الخميس، قال أردان متسائلا: “كيف تستوي تصريحات بايدن عن وقف السلاح مع خطابه المتماثل مع إسرائيل ومع تعريف نفسه كصهيوني؟”، مرجحّا أن تصريحات بايدن هذه ترتبط بالانتخابات الرئاسية الأمريكية.

وتابع أردان: “لا أشكك بنوايا بايدن تجاهنا، والحديث يدور عن سلاح هجومي لا دفاعي، لكن كل ضغوط أو قيود على إسرائيل حتى من قبل حلفاء، تفّسر على يد أعدائنا كأمل وتشجيع لمواصلة تحقيق أهدافهم ضدنا، وهي تمس بمسعى إسرائيل في تحقيق هدف الحرب بإسقاط حماس، ولذا أبدي أسفا عميقا على ما قاله بايدن”.

    نائبة إسرائيلية: بدلا من استخدام الصاروخ الذكي وتدمير غرفة معينة، سنستخدم صواريخ غبية وندمّر عشر عمارات في غزة

مشاعر إحباط

ويعبّر أردان عن مشاعر قلق وإحباط غير معلنة رسميا في إسرائيل، خاصة لدى حكومتها التي تخشى أن تكون رسالة التحذير هذه جادة، ومجرد بداية ستتلوها خطوات “عقابية” إضافية.

وهذه ليست المرة الأولى التي تعلّق الولايات المتحدة شحنات سلاح معينة لإسرائيل التي ترتبط معها بتحالف استراتيجي مبني على منظومة مصالح كبيرة، فقد قامت بذلك خلال فترة حكم الرئيس رونالد ريغان ردا على استهداف إسرائيل مفاعل تموز في العراق عام 1981، وكذلك من قبل الرئيس السابق باراك أوباما ردا على جرائم “الجرف الصامد” في غزة عام 2014، لكن ذلك لم يعلن في الإعلام، ولم يكن سوى خطوة احتجاج وإنذار، وسرعان ما استأنفت واشنطن مدّ تل أبيب بكميات هائلة ومدمرّة من السلاح.

ومنذ مطلع الحرب الحالية على غزة، تلقت إسرائيل من الولايات المتحدة 40 ألف طن من السلاح، منها 100 ألف قذيفة دبابة، و40 ألف قنبلة جوية وغيرها. ومن المستبعد جدا أن توقف أمريكا شحن السلاح لحليفتها التي تكفل أمنها كفالة الحديد كما قال بايدن مرة تلو المرة، وهي فعلا بدون هذا الدعم العسكري ستضطر لمحاربة حماس وحزب الله بالحجارة والعصي كما قال بعض المراقبين الإسرائيليين. ولذا يبدو وقف الدعم العسكري الأمريكي لـ”الابنة المدللة” غير واقعي في كل الأحوال، على الأقل في هذه الفترة .
التباكي ومنابع الغضب الحقيقي

بيْد أن هذه التسريبات الإسرائيلية عن “قلق كبير” من تصريحات بايدن، ليست سوى تباكٍ ومحاولة للنيل منه أمام الشارع الأمريكي المحتمل أن يؤيده في انتخابات الرئاسة.

واستخفت حكومة الاحتلال حتى الآن ببايدن ربما لكبر سنه ومشارفة ولايته على النهاية، ولاتكائها على لوبيات صهيونية وأمريكية تساند الدولة العبرية بشكل أعمى، مما يفسّر عدم امتثالها لتوجهات البيت الأبيض من أجل وقف الحرب والذهاب لصفقة كبرى تشمل تطبيعا مع دول عريبة إضافية.

    منذ مطلع الحرب الحالية على غزة، تلقت إسرائيل من الولايات المتحدة 40 ألف طن من السلاح، منها 100 ألف قذيفة دبابة، و40 ألف قنبلة جوية

وما أثار قلق وغضب وإحباط إسرائيل، هو فهم ساستها أن تصريحات بايدن تتكاتب مع الحرب على الرواية، ومع الاتهامات العالمية الموجهة لها بارتكاب جرائم حرب في غزة، ومع محاكمتها في محكمة العدل الدولية. من هذه الناحية، تشكّل تصريحات بادين ضربة للرواية الإسرائيلية ومزاعم بأنها ضحية معتدى عليها فحسب.

ومما رفع منسوب العتب والغضب في إسرائيل أيضا، هو تزامن تصريحات بايدن مع تسريبات أمريكية في الأيام الأخيرة تفيد بأن قبول حماس بمقترح الوسطاء هو قبول بنص وافقت عليه تل أبيب وواشنطن مع بعض التعديلات الطفيفة، مما يصب الماء على طاحونة الرواية الفلسطينية في هذا المضمار، ويكذّب الرواية الإسرائيلية بأن حماس قامت بخدعة وحاولت زرع الخلافات الداخلية في صفوف الإسرائيليين ومنع اجتياح رفح.
مسعى الدقيقة 90

من غير المستبعد ألا يغامر نتنياهو باجتياح مدينة رفح ومحيطها بسبب هذه الضغوط الخارجية وربما الداخلية (الخوف من التسبب بقتل المحتجزين الإسرائيليين) لكنه لا يبدي أي إشارة حقيقية بأنه معني بصفقة خوفا من أن ذلك سيقصّر عمر حرب يريدها أن تبقى وتتسع ولو على نار أكثر هدوءا، طمعا بانتصار على شاكلة قتل قادة حماس، أو الظفر بـ”صورة انتصار”  تبقيه في سدة الحكم وفي التاريخ، بعيدا عن احتمالات السجن نتيجة محاكمته بتهم فساد.

ورغم أن الفجوات بين إسرائيل وحماس صغيرة، ورغم ليونة الحركة الفلسطينية كما يتمثّل بقبولها صفقة لا تتضمن بندا بإنهاء الحرب، لكن نتنياهو يواصل المراوغة كما تؤكد مصادر إسرائيلية أيضا في الأيام الأخيرة.
الدافع الحقيقي خلف رفح

في هذا الإطار، نقلت القناة 13 العبرية أمس، عن مصدر سياسي كبير قوله، إن إسرائيل ما زالت دون أي رؤية استراتيجية وتندفع بسرعة نحو الارتطام بالحائط، مؤكدا أن نتنياهو يعرقل مداولات الصفقة التي يحاول رئيس المخابرات الأمريكية ويليام بيرنز في الدقيقة التسعين إنقاذها من انهيار يبدو مؤكدا.

ويعبر الكاتب الصحافي أوري مسغاف عن موقف الكثير من مراقبين إسرائيليين يرون أن كل قضية رفح مجرد مناورة لا قيمة عسكرية لها.

ويتابع في مقاله المنشور في “هآرتس” اليوم بالقول: “الحقيقة البسيطة هي أن التلويح برفح بات ملحا فقط لاقتراب صفقة تبادل، ونتنياهو يريد إجهاضها”.

    كيف يمكن لدولة عمرها 76 عاما وما زال سكانها يتساءلون هل تبقى وتستمر في الوجود؟

وللتدليل على رؤيته، يتساءل مسغاف كالكثيرين: “إذا كان تأمين الحياة في النقب الغربي غير ممكن دون السيطرة على معبر رفح، فلماذا هذا الأسبوع فقط؟ إذا كانت إعادة سكان الغلاف متعذرة قبل تدمير كتائب رفح الأربعة، فكيف لم يحدث هذا حتى الآن؟”.

ويخلص مسغاف للقول: “نتنياهو يقلب العقيدة الأمنية التي وضعها بن غوريون رأسا على عقب: في الماضي، كان متفقا أن الحرب أمر سيئ وينبغي السعي لنهايتها. أما لدى نتنياهو وشركائه وعملائه، فالحرب هي أمر جيد، ويُمنع السعي لوقفه. رغم أن إسرائيل دولة قوية، لكنها صغيرة لا تحتمل هذ الأعباء الثقيلة الناجمة عن حرب طويلة أهدافها غير واضحة وليست واقعية، والنصر المطلق ليس هدفا وإسقاط حماس غير ممكن دون خطة لاستبدالها “.