You are currently viewing لماذا يُعتَبر سلاح “التّهجير” للمُستوطنين في الجليل الأقوى في يَدِ السيّد نصر الله لوقف الاغتيالات وقتل المدنيين في جنوب لبنان؟ وما هُما الخِياران أمام الكيان لتجنّب الوقوع في مِصيَدةٍ أخطر من غزة بمراحل؟ وكيف فقدت تهديدات الجِنرال غالانت قيمتها وباتت مُضحكة؟

لماذا يُعتَبر سلاح “التّهجير” للمُستوطنين في الجليل الأقوى في يَدِ السيّد نصر الله لوقف الاغتيالات وقتل المدنيين في جنوب لبنان؟ وما هُما الخِياران أمام الكيان لتجنّب الوقوع في مِصيَدةٍ أخطر من غزة بمراحل؟ وكيف فقدت تهديدات الجِنرال غالانت قيمتها وباتت مُضحكة؟

عبد الباري عطوان

يبدو أنّ السيّد حسن نصر الله زعيم المُقاومة الإسلاميّة في لبنان وضع إصبعه على الجُرح عندما هدّد باستِخدام سلاح “التّهجير” الأكثر رُعبًا للكيان الصّهيوني، وتعهّد بتوسيع دائرة الهجمات على المُستعمرات الإسرائيليّة ومُستوطنيها في الجليل المُحتل، واستهداف مدن وبُنى تحتيّة أُخرى دون أن يُسمّيها مِثل عكا وحيفا وطبريا وصفد، وربّما تل أبيب نفسها.
ردّ الفِعل الإسرائيليّ الأوّل والأسرع على هذه التّهديدات جاءَ بالأمس على لسان الجِنرال يوآف غالانت وزير الحرب الإسرائيلي أثناء قيامه بجولةٍ تفقّديّةٍ لقوّاته على الجبهة الشماليّة عندما توعّد “بانتقالٍ” سريعٍ، ومُفاجئ، وحادٍّ جدًّا للحرب ضدّ حزب الله في جنوب لبنان، وفق تقرير للقناة 12 الإسرائيليّة الخاصّة، وقال غالانت بالحرف “نقترب من اتّخاذ القرار، وسنعرف كيف نسير على الطّريق الذي سيُحقّق الأمن لسُكّان الشّمال”.
صحيح أنّ هذه التّهديدات التي أطلقها غالانت مُكرّرة، وليست جديدة، ولم تَعُد تُخيف أشبال المُقاومة في جنوب لبنان، ناهيك عن أُسودها وجِنرالاتها الذين يُحقّقون انتصارات شبه يوميّة على العدو الإسرائيلي، ولكن ترديدها في اليوم نفسه لتحذيرات السيّد نصر الله الأخيرة التي وردت على لسانه في الخِطاب “العاشورائي” يوم أمس، يعكس حالة من القلق والارتباك وانعدام الحيلة خوفًا من النّتائج الخطيرة والحتميّة.
***
سِلاح التهجير لمُستوطني الشّمال الفِلسطيني المُحتل يُصيب القيادتين السياسيّة والعسكريّة الإسرائيليّة في مقتل، ليس لأنّ قيادة المُقاومة استخدمته، وستستخدمه بفاعليّةٍ وذكاءٍ مدروس، وإنّما أيضًا، لأنّ نتائجه الميدانيّة وأبرزها هُروب ما يَقرُب من 200 ألف مُستوطن إلى مناطقٍ آمنة في الوسط المُحتل والآمِن حتّى الآن، لمرحلةٍ “مُؤقّتةٍ” امتدّت لأكثر من تسعة أشهر، وتحوّلت إلى مرحلةٍ دائمة، وبِما يُشكّل عبئًا ماليًّا ونفسيًّا على المشروع الصّهيوني برمّته، وبِما يُسرّع باحتِمالات اجتِثاثه كُلِّيًّا.
رسالة السيّد نصر الله بتوسيع استِخدام سِلاح “التّهجير” كرادعٍ للهجمات الإسرائيليّة الجويّة على حاضنة المُقاومة في القُرى الجنوبيّة الحُدوديّة، ومناطق البقاع والهرمل، تقول “تضربون حاضنتنا وتقتلون مدنيينا سنرد عليكم بالمثل، إن لم يكن أخطر، أي قتل مدنييكم، وتدمير مُستوطناتكم، تعرفون جيّدًا أننا نملك السّلاح، والصّواريخ، والمُسيّرات القادرة على تحقيق هذه الأهداف بكفاءةٍ عاليةٍ جدًّا، ولكُم في صفد وكريات شمونة ونهاريا بعض الأدلّة في هذا المِضمار”.
بنيامين نتنياهو وجِنرالاته يقفون الآن أمام خِيارين في جنوب لبنان:
الأوّل: وقف فوري صارم ودائم للقصف الجوّي والأرضي للقُرى الحُدوديّة في جنوب لبنان، وإنهاء حرب الاغتيالات لقادة المُقاومة وحُلفائهم، وإنهاء فوري لحرب الإبادة في غزة، وإلّا سيكون الرّد بالمِثل إن لم يكن أقوى وأكثر فداحة.
الثاني الاضْطِرار “رُغمًا عنهم” لإرسال الدبّابات لاجتياح برّي لجنوب لبنان للقضاء على المُقاومة على أمل تحقيق الأمن المفقود للشّمال الفِلسطيني المُحتل.
الخِيار الأول ربّما يُشكّل الأقل كُلفة للقيادة الإسرائيليّة ماديًّا وبشريًّا، ولكنّ القُبول به من وجهة نظرها هو الاستِسلام، والخُنوع بشُروط السيّد نصر الله ورجال مُقاومته، ورفع الرّايات البيضاء، وهذا أمْرٌ ربّما يكون مُستَبعدًا، بالنّظر إلى حالة الكبرياء الفارغة، التي تعيشها هذه القيادة (الإسرائيليّة) وهو الغُرور الذي يمنعها حتّى الآن من استيعاب دروس هزائمها في قطاع غزة، وجنوب لبنان، والبحر الأحمر، والتّسليم بأنّ محور المُقاومة وقيادته نَقيضُ كُلّ القيادات العربيّة القديمة والحاليّة، سواءً التي حاربت أو التي لا تجرؤ على الدّخول في حربٍ مع “إسرائيل”.
أمّا اللّجوء إلى الخِيار الثّاني، أي تنفيذ غالانت لتهديداته بغزوٍ برّيٍّ لجنوب لبنان، لُجوءً للنظريّة التي تقول “إنّ آخِر العلاج الكي” فإنّ هذا يعني الوقوع في مِصيَدةٍ أكثر خُطورةً من نظيرتها في غزة، لأنّ حزب الله ليس مُحاصَرًا مِثل حركات المُقاومة في القطاع، وجُسوره مفتوحة على سورية والعِراق وإيران، مُضافًا إلى ذلك أنّه يملك ترسانةً من الصّواريخ، والمُسيّرات، والغوّاصات الصّغيرة، وعشرة أضعاف ما تملكه المُقاومة في القطاع من المُقاتلين إن لم يكن أكثر، وفوق هذا وذاك أنّ عشرات الآلاف من المُقاتلين من العِراق واليمن وسورية، وربّما إيران أيضًا الذين سيتدفّقون إلى جنوب لبنان للانضِمام إلى حرب التّحرير المُنتظرة، للمُقدّسات الإسلاميّة والمسيحيّة وكُلّ الأراضي الفِلسطينيّة المُحتلّة.
صحيح أنّ السيّد نصر الله قال أكثر من مرّةٍ إنّ الحزب لا يحتاج إلى مُقاتلين فلديه الفائِض منهم، طمأنةً للخُصوم اللّبنانيين، ولكن إذا دقّت ساعة التّحرير، والحرب النهائيّة، ستنهار كُلّ الحواجز الحُدوديّة أمام المُجاهدين المُتدفّقين إلى لبنان، فإذا كان مليونا لاجئ سوري اخترقوا الحُدود اللبنانيّة سِلميًّا رُغم المُعارضة الشّديدة، فكيف سيكون الحال أمام آلاف المُتطوّعين المُسلّحين انتِصارًا لأشقّائهم في مُواجهةِ الغزو الإسرائيليّ؟
***
جبهة جنوب لبنان تتحوّل إلى الجبهة الرئيسيّة بشكلٍ مُتسارع، وأي اقتِحام إسرائيلي لها سيكون بداية النّهاية للوجود الإسرائيليّ، ولن تكون إسرائيل دولة آمنة لليهود في العالم مثلما قال جو بايدن في آخِر مُقابلاته التلفزيونيّة، تبريرًا لدعمه مجازرها في قطاع غزة والضفّة الغربيّة.
فإذا كان رجال المُقاومة في قطاع غزة الذين لا يزيد عددهم عن 24 ألفًا مُنذ بداية الحرب، حسب التّقديرات الإسرائيليّة، قضوا على مُعظم دبّابات “الميركافا” و”النمر”، فإنّ كُلّ دبّابات أمريكا وأوروبا لن تُعوّض جيش الاحتلال منها، إذا جرى اجتياح جنوب لبنان، وتوسّعت الحرب، ولعلّ ما حدث لأوروبا من استنزافٍ لدبّاباتها في حرب أوكرانيا أحد الأمثلة في هذا الصّدد.
نتنياهو وتلميذاه “النابغان” بن غفير وسموتريتش ربّما أرسلهم الله جلّ وعلا هديّةً للمُؤمنين للتّعجيل بالقضاء على دولة الاحتلال، وإنهاء وجودها على أرض فِلسطين الطّاهرة، وقد يأتي الخيْرُ من باطِنِ الشّر.. والأيّام بيننا.

 

رأي اليوم

شارك المقالة