You are currently viewing العراق: شرارة الاحتجاجات تشتعل في الجنوب وبوادر عودة «تشرين» تلوح في ذكراها السنوية الخامسة

العراق: شرارة الاحتجاجات تشتعل في الجنوب وبوادر عودة «تشرين» تلوح في ذكراها السنوية الخامسة

يعيش العراقيون هذه الأيام الذكرى السنوية الخامسة لاحتجاجات تشرين الأول/أكتوبر، التي خلّفت مئات القتلى والمغيبين، فضلاً عن عشرات آلافٍ من الجرحى، سقطوا جراء إفراط السلطات العراقية- آنذاك- في استخدام شتى أساليب فضّ الاحتجاجات ضدّهم، مثل الرصاص الحيّ والمطاطي، فضلاً عن قنابل الغاز والدخان التي وجد الكثير منها طريقه بسهولة إلى أجساد ورؤوس المحتجّين العزل، المطالبين بتحسين الخدمات وتوفير فرص عمل.

خمّسة أعوامٍ مضت ولا تزال المطالب ذاتها ترفع بين الحين والآخر، وسط «ساحة التحرير» ميدان الاحتجاج الأبرز في العاصمة العراقية بغداد، وعموم المدن العراقية- الجنوبية على وجّه الخصوص، ناهيك عن سيادة سمّة «الإفلات من العقاب» في أغلب القضايا المتعلقة بكشف مصير الناشطين المغيّبين، ومحاسبة المتورطين بقمّع الاحتجاجات.
ورغم أن «ذكرى تشرين» أصبحت يوماً اعتيادياً لاستحضار الاحتجاجات والاعتصامات التي امتدت من بغداد إلى عموم المدن العراقية، وأسهمت في الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء العراقي الأسبق، عادل عبد المهدي، واستذكار قصص الضحايا الذين سقط أغلبهم في الميدان ومقترباته المطلّة على المنطقة «الخضراء» شديدة التحصين، غير إنها أخذت طابعاً مغايراً هذا العام، عندما تزامنت مع تجدّد شرارة الاحتجاج في محافظة ذي قار الجنوبية، على خلفية حمّلة اعتقالات نفّذتها قيادة الشرطة، لمذكّرات قبضٍ «قديمة» طالت عدداً من الناشطين وآخرين متهمين بارتكاب جرائم أخرى.
القصّة بدأت بحديث صحافي لقائد شرطة محافظة ذي قار الجديد، اللواء نجاح العابدي- تسلّم منصبه في السابع من أكتوبر الجاري، كشف فيه عن وجود (4314) أمر قبض في مراكز الشرطة «لم تنفذ» وفيما لفت إلى أن تلك الأوامر تشمل «تجار مخدرات ومجرمين مطلوبين بقضايا الاغتصاب والنزاعات العشائرية المسلحة وغيرها» أكد أن القوات الأمنية «لن تتوقف حتى تنفيذ أوامر القبض بشكل كلي».
وبشأن التظاهرات، أوضح قائد الشرطة، أن «الدستور النافذ كفل حق التظاهر للمواطنين بشكل سلمي، ولم ينص على حرق الطرق وتعطيل الحياة العامة أثناء التظاهرات وإنما رسم طريقاً قانونياً واضحا للمطالبة بالحقوق» مبينا أن «قضية حرق الطرق وقطعها بالإطارات لن تعود إلى شوارع الناصرية مرة أخرى».
وبالفعل شرعت قوات الأمن بتنفيذ حمّلة اعتقالات واسعة طالت المئات، من بينهم ناشطون عرفوا بدعمهم حراك أكتوبر الاحتجاجي.
وأسهمت الخطوة الجديدة لقائد الشرطة بتأزيم الوضع في مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار الجنوبية، وليس العكس، عندما خلقت ردّة فعل شعبية غاضبة على حملة الاعتقالات الواسعة، دفعت مجلس النواب العراقي إلى إرسال وفد نيابي إلى المدينة في محاولة لامتصاص الأزمة.
اللجنة النيابية التي ضمّت النواب (داود العيداني، وهيثم الزركاني، وفاطمة العيساوي) التقت رئاسة وأعضاء الحكومة المحلية في ذي قار، بالإضافة إلى القائد الأمني، حسب بيان صحافي لمجلس النواب.
وأكدت اللجنة أن زيارتها «جاءت بعد ورود شكاوى وقلق من المواطنين في المحافظة من العمليات الأمنية لتنفيذ الأوامر القضائية بحق المطلوبين، والتي وصلت عن طريق النائب داود العيداني عضو مجلس النواب عن محافظة ذي قار».
واجتمعت اللجنة مع الحكومة المحلية متمثلة برئيس مجلس المحافظة والمحافظ بحضور قائد الشرطة، لمناقشة العملية الأمنية الأخيرة التي نفذتها قيادة شرطة المحافظة.
بدوره أكد رئيس مجلس المحافظة عزت الناشي، أن «قائد الشرطة متفاني ومخلص في عمله» مؤكداً «حرص الحكومة المحلية على فرض الأمن وحماية المواطنين وممتلكاتهم والممتلكات العامة» منوهاً إلى أن المحافظة «شهدت توترات أمنية كثيرة وهذا ما يستدعي قيام عملية أمنية لفرض سلطة القانون».
من جهته أوضح المحافظ مرتضى الابراهيمي، أن «تراكمات الحكومات المحلية السابقة شكلت إرباكاً وفوضى في المحافظة» مشيراً إلى «دعم الحكومة المحلية لقائد الشرطة لفرض سلطة القانون».
غير أن قوى سياسية مدنية ترى إن الهدف الأساس من حمّلة الاعتقالات، هو القبض على الناشطين ممن يعرفون بدعمهم «تشرين» وسط تحذيرات من المضي في انتهاك حقوق الإنسان.
بيان لمحلية الناصرية للحزب الشيوعي العراقي، أبرز الداعمين للحراك الاحتجاجي، ذكر أنه «نتابع بقلق بالغ تداعيات الصراع السياسي الدائر في محافظة ذي قار، والتدافع على تقاسم السلطة والمغانم، وآثار ذلك على مستوى إنجاز الخدمات الأساسية التي ما زالت لا تتناسب مع موارد المحافظة الهائلة، وعلى الوضع الاقتصادي وتدهور المستوى المعيشي للمواطنين، والعمل على التصدي للبطالة وإيجاد فرص عمل للشباب. كما أن للصراع السياسي أثره البالغ على توتر الأوضاع الأمنية، بما يهدد الأمن والسلم في المحافظة».
ورأى الحزب أن «الأوضاع المتعددة الجوانب المتردية في المحافظة، هي ما تدفع المواطنين أساسا إلى التظاهر والاحتجاج، وهو أمر مشروع تماما ويكفله الدستور، ولذا يتوجب توفير كل مستلزمات ممارسة هذا الحق سلميا، كما هو مطلوب التوجه الجدي لمعالجة أوضاع المحافظة وتخليص المواطنين مما يعانون».
وأضاف: «وإذ نتطلع إلى استقرار محافظتنا وتقدمها وازدهارها، فمن الطبيعي أن نقف بالضد من كل الممارسات غير القانونية، ومنها مظاهر الابتزاز والفساد المستشري والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، وان يجري التمييز وعدم خلط الأوراق بين من يرتكب جرما ما وبين الناشطين والمطالبين بحقوقهم، ونتطلع كذلك إلى انفاذ القانون وتطبيقه على الجميع، وفي ذات الوقت نستنكر وبشدة أية ممارسة قمع للحريات ومصادرة حق التعبير والتظاهر السلمي، كما نطالب بالاستماع إلى مطالب المحتجين وتلبيتها».
ورأى الحزب في بيانه أن «الظروف الراهنة التي تمر بها المحافظة، والتي لم تنعم على مدى السنوات الماضية بالأمن والاستقرار تتطلب اليوم وقفة جادة ومسؤولة، وممارسة الضغط على كافة المؤسسات والجهات المعنية، المحلية والاتحادية، لضمان الاستقرار ومكافحة السلاح المنفلت، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ومعالجة ما تراكم من مشاكل اجتماعية والحؤول دون توظيفها سياسيا، وتنفيذ المشاريع المتلكئة وتوفير فرص عمل للمواطنين، وإحداث نقلة نوعية في مستوى الخدمات الأساسية ومنها الصحة والتعليم والسكن والنقل العام».
وأشار إلى أن «هذه وغيرها مما هو ملح وآني يتطلب تكاتف الجهود وتنسيق المواقف والتحرك السلمي، ولاسيما من القوى التي تنشد التغيير وتعمل من أجله، وان ترتقي بعملها إلى مستوى التحديات وبما يفضي إلى إخراج المحافظة من دوامة الأزمات التي أرهقت المواطنين كثيرا».
في حين، طالب «اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي» بمحاسبة قتلة الناشطين بدلاً عن ملاحقتهم.
وذكر في بيان صحافي، أنه يتابع «بقلق بالغ حملة الاعتقالات والملاحقات التي تقوم بها القوات الأمنية في ذي قار ضد الناشطين، وخاصة أولئك الذين شاركوا في انتفاضة تشرين المجيدة» معتبراً أن «استهداف الناشطين بهذه الطريقة يعد انتهاكًا واضحًا وصريحًا للحريات العامة ولحق التظاهر السلمي الذي كفله الدستور العراقي».
واعتبر أن «التهم الموجهة إليهم، هي تهم كيدية تهدف إلى إسكات أصوات المطالبين بحقوقهم المشروعة. لقد خرج هؤلاء الشباب للمطالبة بتحسين الخدمات وتوفير حياة كريمة لهم ولعائلاتهم، وأيضًا من أجل التغيير وتحقيق العدالة الاجتماعية والإصلاح الاقتصادي في بلدنا».
في الوقت الذي وثّق فيه الاتحاد «حملة ملاحقات واعتقالات تطال الناشطين، وخاصة المشاركين في انتفاضة تشرين، كان الأجدر بالجهات الأمنية أن تركز جهودها على ملاحقة من تلطخت أيديهم بدماء الشهداء وترهيب واختطاف الناشطين الشرفاء».
وزاد: «نحن في اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي نؤكد على ضرورة تطبيق القانون واحترامه، ولكن بشرط أن لا يكون ذلك ذريعة لاستهداف من خرجوا يطالبون بحقوقهم المشروعة، وندين بشدة هذه السياسة المزدوجة التي تُفلت المجرمين من العقاب وتلاحق الأبرياء، ونطالب الجهات المسؤولة بوقف هذه الحملة التعسفية فورًا، والإفراج عن جميع الناشطين المعتقلين على خلفية آرائهم أو مشاركتهم في التظاهرات، وفتح حوار جاد مع الشباب من أجل تحقيق المطالب التي خرجوا من أجلها في سبيل بناء عراق أفضل».
ويبدو أن ما توصلت إليه اللجنة النيابية القادمة من بغداد، ومواقف الاستنكار والإدانة، لم تُقنع أهالي ذي قار الذين حشّدوا لاحتجاجات وسط المدينة تندّد بحملة الاعتقالات وتطلب وقفها والإفراج عن المحتجزين.
وبالفعل، خرج المئات من المحتجين، بتظاهرة كبيرة في ساحة الحبوبي وسط مدينة الناصرية للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين وانهاء الدعاوى الكيدية ضدهم، بالإضافة إلى المطالبة بإقالة قائد الشرطة.
وأقدمت قوات الأمن على قطع جميع الطرق المؤدية لساحة الحبوبي بالأسلاك الشائكة، في محاولة منها لمنع تجمّع المحتجين، غير أن ذلك لم يجدِ نفعاً، وهو ما اضطرها للاستعانة بإطلاق قنابل الغاز لتفريق المتظاهرين، والسيطرة أخيراً على ساحة الاحتجاج.
وفي موازاة الأوضاع المتوترة، دعا مجلس محافظة ذي قار، إلى تشكيل لجنة من السلطة القضائية ووزارتيّ الداخلية والعدل لإعادة التحقيق بالتهم الموجهة لعدد من المتظاهرين، فيما حث الأجهزة الأمنية والمتظاهرين على ضبط النفس.
وقال المجلس في بيان: «نتابع باهتمام بالغ الأحداث الأخيرة على ساحة محافظتنا العزيزة، ونؤكد أننا مع تطبيق القانون ودعم الأجهزة الأمنية في تنفيذ واجباتها الموكلة بها» حاثّاً المتظاهرين والأجهزة الأمنية على «اتباع أقصى درجات ضبط النفس والتزام السلمية والابتعاد عن العنف».

القدس العربي

شارك المقالة