You are currently viewing لماذا تفشل حملة الاغتيالات الصهيونية ضدّ قادة حزب الله العسكريين في تحقيقِ أهدافها وتُعطي نتائج عكسيّة؟ ولماذا باتَ مطار بيروت أكثر أمانًا من أيّ وقتٍ مضَى؟ وما الجديد وما الذي تغيّر؟

لماذا تفشل حملة الاغتيالات الصهيونية ضدّ قادة حزب الله العسكريين في تحقيقِ أهدافها وتُعطي نتائج عكسيّة؟ ولماذا باتَ مطار بيروت أكثر أمانًا من أيّ وقتٍ مضَى؟ وما الجديد وما الذي تغيّر؟

عبد الباري عطوان

حمَلات التّرهيب التي تشنّها أجهزة الدّعاية والتّضليل الإسرائيليّة على لبنان والمُقاومة فيه لزعزعة أمنِه واستِقراره، خاصَّةً في الأسابيع القليلة الماضية، تزامُنًا مع بدء الموسم السّياحي الصّيفي لم “تتكلّل” بالفشل فقط، وإنّما ترتّب عليها نتائج عكسيّة تمامًا، وألحقت أضرارًا كبيرةً بالكيان، وهيبته العسكريّة والرّدعيّة.

قبل الدّخول في التّفاصيل، يُمكن القول إنّ هذه الحمَلات تتّخذ مُنطلقين رئيسيين:
الأوّل: تكثيف عمليّات الاغتيال لقادة عسكريين بارزين من الصّفّين الأوّل والثّاني في قيادة المُقاومة الإسلاميّة بزعامة “حزب الله”، وكان آخِرهم المُجاهد أبو فضل قرنبش المُرافق السّابق للسيّد حسن نصر الله على طريق بيروت دمشق، وقبله القائدان الحاج أبو نعمة، والحاج أبو طالب.
الثاني: تسريب أنباء عن هُجومٍ إسرائيليٍّ وشيك يستهدف مرافق حيويّة في العاصمة اللبنانيّة قبل بضعة أيّام، لبثّ الرّعب في صُفوف اللّبنانيين، مِثل نشر صحيفة “الديلي تلغراف” البريطانيّة، خبرًا عن وجود مخازن أسلحة لحزب الله في مطار بيروت، وتحذيرٌ مُفبركٌ لوكالة “رويترز” العالميّة يقول إنّ الهُجوم الإسرائيلي على لبنان سيتم في غُضون 48 ساعة، وهو ما نفته الوكالة كُلِّيًّا، وإنْ كانَ النّفي تأخّر لبضعة ساعات.
***
عندما نقول إنّ هذه الحمَلات أعطت نتائج عكسيّة فإنّنا نقصد أنّ الأهداف التي كانت القيادة الإسرائيليّة ترمي إلى تحقيقها من وراء الاغتيالات فشلت كُلِّيًّا، لأنّ ردّ “حزب الله” بالصّواريخ والمُسيّرات الانغماسيّة، جاء أضخم ممّا تم توقّعه، من حيثُ تضاعُف أعداد الصّواريخ والمُسيّرات المُستخدمة في الرّدود الانتقاميّة التي استهدفت مواقع عسكريّة واستخباريّة أمنيّة مُهمّة ومُحصّنة جيّدًا، سواءً في الجليل المُحتل بشقّيه الأعلى والأدنى، أو في هضبة الجولان السوريّة المُحتلّة، وقتل جُنود إسرائيليين، وإصابة العديد منهم، إلى جانب الخسائر الماديّة، مِثل محطّات الرّصد والتجسّس عالية الدقّة، وتوسيع نطاق موجات النّزوح، وارتفاع مساحة الدّونمات الزراعيّة المُحتَرِقَة (أكثر من 100 ألف دونم حتّى الآن).
لا يُمكن أنْ ننْسى في هذا المِضمار إرسال الهُدهُدين، واختراقهما بنجاحٍ الأجواء الإسرائيليّة رُغم القبب الحديديّة وغيرها والعودة بمخزونٍ كبير من الفيديوهات الحيّة التي تحتوي رصدًا لمُعظم البُنى التحتيّة والمواقع العسكريّة الإسرائيليّة في الجليل أو الجولان، أو العُمُق الفِلسطيني المُحتل ومُدُنه السّاحليّة، مِثل معامل التّحلية ومحطّات المياه والكهرباء والموانئ (حيفا وأسدود) والمطارات (بن غوريون بتل أبيب ورامون في النقب)، ومنصّات التّنقيب واستِخراج الغاز والنّفط في البحر المتوسّط.
باختصارٍ شديد نُعيد ونُؤكّد أنّ هذه الاغتِيالات لم تُحقّق أيًّا من أهدافها، لأنّ المُقاومة صعّدت ولم تستسلم، أو تتراجع ميلّيمترًا واحدًا في حرب الاستِنزاف التي تشنّها ضدّ العدو الإسرائيلي، بل عملت على توسيع أهدافها ومناطقها المُستهدفة في العُمُق الإسرائيلي، والأهم من ذلك أنّها، ورُغم مكانة الشّهداء، رحمهم الله، والحِرمان من خبرتهم، استطاعت قيادة المُقاومة تعويضهم بسُرعةٍ لوجود البُدلاء الذين تتلمذوا على أيديهم، ويملكون قُدرات عسكريّة تنفيذيّة وإداريّة عالية جدًّا، وللطّابع المُؤسّساتي عالي المُستوى لهذه المُقاومة.
أمّا إذا انتقلنا إلى الشّق الآخَر من الأهداف الإسرائيليّة المرجوة من وراء ترهيب المدنيين اللبنانيين وزعزعة استقرار أمن البلاد واستقرارها، وتخريب الموسم السّياحي الصّيفي، فإنّ الوقائع على الأرض تُؤكّد الفشل الذّريع أيضًا، فأعداد اللبنانيين المُغتربين الذين تدفّقوا إلى بلدهم بمِئات الآلاف أصبحت أضخم من أعدادهم في السّنوات الخمس الماضية، إن لم يكن أكثر، ومطار بيروت الذي تحوّل إلى حاضنةٍ لمخازن أسلحة “حزب الله”، حسب الأكاذيب الإسرائيليّة، فقد بات أكثر ازدحامًا بالزوّار من أيّ وقتٍ مضى، ولا تمرّ ليلة من ليالي بيروت دون حفلاتٍ صاخبة لكبار الفنّانين، اللبنانيين والعرب، حتّى أنّ بطاقات حفلة المُطرب عمرو دياب بيعت جميعها في غُضون ساعات رُغم ارتفاع سِعرها.
وربّما يُفيد التّذكير بأنّ اغتيال القائد السيّد الشهيد عباس الموسوي أدّى إلى وصول السيّد حسن نصر الله، الذي قاد المُقاومة للانتِصار الكبير في حرب تمّوز عام 2006، وبناء قُدرات “حزب الله” العسكريّة عشرة أضعاف، وتطويره صناعة عسكريّة مُتطوّرة جدًّا في ميادين الصّواريخ (200 ألف صاروخ دقيق) وعشرات الآلاف من المُسيّرات، يُمثّل “الهُدهُدان” مُجرّد قمّة جبل الجليد لهذه الصّناعة المُتطوّرة جدًّا، والأمثلة كثيرة لا يتّسعُ المجالُ لسردها.
***
النّغمة التّهديديّة التي تكرّرت طِوال السّنوات العشر الماضية بإعادة لبنان إلى العصر الحجري لم تتراجع، بل اختفت كُلِّيًّا، والشّيء نفسه يُقال عن نظيرتها بتدمير بيروت ومطارها اليتيم، لسببٍ بسيط، وهو أنّ إسرائيل لن تعود إلى العصر الحجري فقط وإنّما ستختفي من الوجود، ولن يحتاج هذا الأمر إلى 200 ألف صاروخ وإنّما عُشر هذه الكميّة، إن لم يكن أقل لتحقيقِ هذا الهدف.
مطار بيروت باتَ أكثر أمانًا من أيّ وقتٍ مضى، والفضل في ذلك يعود إلى “هُدهُدَيّ السيّد” الأوّل والثّاني، اللذين عادَا بـأشرطةٍ دقيقةٍ واضحةٍ جدًّا، لمطاريّ اللّد (بن غوريون) في تل أبيب، ورامون في النّقب، ومينائيّ حيفا وأسدود، (مسقط رأس عائلتي)، والصّواريخ والمُسيّرات جاهزة لشطبهما وغيرهما من الوجود.. والأيّام بيننا.

 

رأي اليوم

شارك المقالة