على خلفية حملة نزع الشرعية التي تقودها السلطة الفلسطينية ضد إسرائيل في العالم، أصدر وزير المالية بتسلئيل سموتريتش التعليمات للمحاسب العام لدولة الاحتلال لإلغاء الغطاء الممنوح للبنوك الإسرائيلية المراسلة مع البنوك في مناطق السلطة الفلسطينية، أو ما تعرف بـ (Indemnification) التي كانت تمنح حصانة للبنوك الإسرائيلية عند تحويل الأموال لصالح البنوك الفلسطينية.
وقالت الإذاعة العبرية العامة إن قرار وزير المالية الإسرائيلي بإلغاء آلية التعويض التي كانت تمنح للبنوك المراسلة العاملة مع النظام المصرفي الفلسطيني، قد يُحدث هزة في العلاقة المالية بين البنوك الإسرائيلية والبنوك الفلسطينية بالضفة الغربية.
وتوقعت الإذاعة العبرية العامة أن التعليمات الجديدة ستؤدي إلى تباطؤ كبير في حركة الأموال القادمة من السلطة الفلسطينية، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس سلبًا على أداء المؤسسات الاقتصادية الفلسطينية.
من المتوقع أن يترتب على الخطوة الجديدة فصل جديد من التوتر الاقتصادي والسياسي بين الاحتلال والسلطة، في ظل اعتماد الاقتصاد الفلسطيني على القنوات المالية الإسرائيلية
وأوضحت الإذاعة أن آلية التعويض، التي أُقرت في السنوات الماضية، كانت تهدف إلى حماية البنوك الإسرائيلية من دعاوى قضائية محتملة في الداخل والخارج، في حال اتُّهمت بتحويل أموال إلى جهات مرتبطة بما تُعتبر “أنشطة معادية”. ومع إلغائها، فإن البنوك الإسرائيلية قد تعيد النظر في استمرار تعاملها مع البنوك الفلسطينية، خشية تعرضها للمساءلة القانونية.
وزعمت مصادر في وزارة المالية للإذاعة أن الخطوة جاءت على خلفية ما وصفوه بـ”حملة نزع الشرعية التي تقودها السلطة الفلسطينية ضد إسرائيل في الساحة الدولية”، وفي ظل العقوبات التي فرضتها خمس دول على وزراء في الحكومة الإسرائيلية، من بينهم سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.
وكانت بريطانيا قد انضمت إلى كندا وأستراليا ونيوزيلندا والنرويج في فرض عقوبات على الوزيرين المتطرفين بسبب تصريحات “متطرفة وغير إنسانية” بشأن الوضع في قطاع غزة.
وجاء في بيان مشترك لوزراء خارجية أستراليا ونيوزيلندا والنرويج وبريطانيا، يوم أمس: “نعلن فرض عقوبات على بن غفير وسموتريتش”، مشيرًا إلى أن لكليهما دوراً في تأجيج العنف ضد الفلسطينيين. وأضاف البيان: “نُعبّر عن فزعنا جراء معاناة المدنيين الشديدة في غزة.. ملتزمون بحل الدولتين”.
وحسب صحيفة “التايمز” البريطانية فإن العقوبات تتضمن تجميد أصولهما المالية داخل المملكة المتحدة، إضافة إلى حظر دخولهما الأراضي البريطانية، في إجراء قالت لندن إنه يأتي بالتنسيق مع كندا وأستراليا ونيوزيلندا ودول أخرى.
وتُعدّ هذه الخطوة إحدى أقوى الإجراءات الغربية ضد شخصيات إسرائيلية رفيعة، منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، وتعكس تصاعد الغضب الدولي تجاه الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي وحقوق الإنسان في قطاع غزة المحاصر.
وفي سياق رد الفعل الإسرائيلي، من المتوقع أن يترتب على الخطوة الجديدة فتح فصل جديد من التوتر الاقتصادي والسياسي بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية، خاصة في ظل الاعتماد الكبير للاقتصاد الفلسطيني على القنوات المالية مع الجانب الإسرائيلي.
وقالت تقارير إسرائيلية، نقلًا عن مقربين من سموتريتش، إنه سيتم اتخاذ خطوات “حاسمة”، إلى جانب وقف فوري لما يُعرف بـ”آلية التعويض” للبنوك المراسلة، ووقف تحويل أموال المقاصة إلى السلطة الفلسطينية، الأمر الذي قد يؤدي إلى “انهيار فوري للسلطة الفلسطينية واقتصادها ومنظومتها المصرفية”.
واعتبر الخبير الاقتصادي محمد عبد الله خبيصة أن آلية التعويض تُعد عنصرًا أساسيًا في الحفاظ على العلاقة المصرفية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وقد سمحت بمعالجة قنوات تحويل بأكثر من 53 مليار شيكل في 2023 فقط.
وردًا على سؤال: ما هي آلية التعويض؟ قال خبيصة لـ”القدس العربي”: هي نظام قانوني يوفر حصانة للبنوك الإسرائيلية عند إجراء تحويلات لصالح البنوك الفلسطينية، يحميها من دعاوى بغسل أموال أو تمويل إرهاب.
وضرب عبد الله مثالًا: “تحويلات أموال المقاصة الشهرية للجانب الفلسطيني، تتم تحت غطاء آلية التعويض التي تقدمها الحكومة الإسرائيلية للبنوك المراسلة. كما أن مدفوعات التجارة وفواتير الكهرباء والمياه والمشافي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي تتم تحت هذا الغطاء أيضًا”.
وحاليًا، يدير بنكان إسرائيليان، وهما “ديسكونت” و”هبوعليم”، علاقات البنوك الفلسطينية مع النظام المصرفي في إسرائيل، والتي تتمثل في إرسال واستقبال التحويلات النقدية، خاصة تلك المتعلقة بمدفوعات التجارة.
واعتبر خبيصة أنه من دون هذه الحماية، سيتم تجريد السلطة الفلسطينية من الحصانة، وستكون البنوك الإسرائيلية كذلك معرضة لدعاوى قضائية سواء داخل إسرائيل أو في محاكم أمريكية.
وقال إنه سبق أن رفع إسرائيليون يحملون الجنسية الأمريكية، دعاوى ضد بنوك فلسطينية أو عاملة هناك، خلال السنوات الماضية، مثل البنك العربي، وبنك فلسطين، وبنك القاهرة عمان، وبنك الاستثمار الفلسطيني، بتهم مرتبطة بتمويل الإرهاب، قبل أن يتم إسقاط هذه الدعاوى.
ويتم تجديد “التعويض” سنويًا من قبل وزارة المالية الإسرائيلية، ما يتيح عمليات تحويل مالي بسلاسة للبنوك الفلسطينية، قبل أن يتم إلغاء التجديد السنوي واستبداله بتجديد كل 3 شهور.
وتساءل الخبير خبيصة: “هل ينهار النظام المصرفي الفلسطيني؟”، وتابع: “لا.. لأن العلاقة المصرفية الحالية (آلية التعويض) لا تمس جوهر وجود القطاع المصرفي الفلسطيني، بل تطال واحدة من الوظائف الرئيسية التي تقوم بها البنوك داخل السوق الفلسطينية”.
وأضاف: “لكن الضرر الأكبر- إن تم تطبيق القرار- سيكون على الحكومة الفلسطينية، لأنها لن تكون قادرة على تسلم أموال المقاصة، كما ستطال معروض السلع والخدمات في الأراضي الفلسطينية، لعدم وجود جهة إسرائيلية قادرة على تلقي قيمة مدفوعات التجارة أو فواتير الطاقة بأنواعها والمياه”.
وفي ذات السياق، قال الخبير في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور إن عقوبات سموتريتش وبن غفير ستضعهما في واجهة الإعلام والعناوين (السلبي خارجيًا والجيد داخليًا)، لذا سيتعاملان معها كجزء من حملتهما الانتخابية وسيُصعدان خطواتهما، خاصة ضد السلطة.
وأضاف: “الإجراء الذي اتخذه سموتريتش ضد البنوك الفلسطينية ليس الأخير، سنشهد تغولًا في خطاب الكراهية والاستيطان“.
وشدد قائلًا: “على الدول التي فرضت العقوبات أن تستخدم اليد الأخرى لإنقاذ السلطة، وإلا سنواجه كارثة حقيقية”.
خبير: الإجراء الذي اتخذه سموتريتش ضد البنوك الفلسطينية ليس الأخير، وسنشهد تغولًا في خطاب الكراهية والاستيطان
بدوره، قال الخبير في الشأن الإسرائيلي محمد أبو علان، إنه منذ الأيام الأولى لتشكيل حكومة بنيامين نتنياهو الحالية، مشروعها من خلال الوزراء سموتريتش وبن غفير حل السلطة الفلسطينية، ومنع إقامة دولة فلسطينية، على اعتبار أن الدولة الفلسطينية خطر وجودي على دولة الاحتلال.
وتابع في حديث لـ”القدس العربي”: “السياسة الإسرائيلية كلها كانت تصب في هذا الاتجاه، سياسة مصادرة الأراضي، وتوسعة البناء في المستوطنات القائمة، إقامة مستوطنات جديدة، تقطيع أوصال الضفة الغربية، كل هذا بهدف خلق تواصل جغرافي بين المستوطنات، وقطع التواصل بين المناطق الفلسطينية لقتل آفاق أي حل سياسي ممكن”.
واعتبر أن الحرب الاقتصادية الدائمة على السلطة الفلسطينية، وبشكل خاص قرصنة أموال الضرائب الفلسطينية “أموال المقاصة”، التي تشكل قرابة 70% من دخل السلطة الفلسطينية، جزء من خطة محاولة تفكيك السلطة، إما عبر سن قوانين في الكنيست الإسرائيلي لقرصنة أموال المقاصة، أو قرصنتها بحجة أثمان مياه وكهرباء وخدمات دون تنسيق مع الجهات المختصة في السلطة، ما يعني سرقة هذه الأموال دون حساب.
وشدد على أن الصحافة الإسرائيلية كشفت، في الأسابيع الأخيرة، عن محادثات إسرائيلية أمريكية رسمية حول ضم الضفة الغربية، من خلال مفاوضات رون دريمر، وزير الشؤون الإستراتيجية في حكومة نتنياهو، ومفاوضات يمكن وصفها بغير الرسمية بين رئيس مجلس مستوطنات الضفة الغربية يسرائيل جنتس مع شخصيات أمريكية رفيعة في البيت الأبيض والخارجية والدفاع الأمريكية حول موضوع الضم.
وقال: “الفكرة تقوم على ضم 65% من مساحة الضفة الغربية وفرض القانون الإسرائيلي، على أن يكون الباقي 20 كنتونًا فلسطينيًا، شرط ألا تُشكل كيانًا وطنيًا فلسطينيًا موحدًا”.
ورأى أبو علان أنه لذات السبب تم إعادة الاحتلال المباشر لجنين وطولكرم، وجارية عملية إعادة تكوين المخيمات فيهما لخلق واقع أمني مختلف فيها، وإلغاء هوية المخيمات، وجعلها أحياء من المدن الملاصقة لها، وهناك خطة لبقية المخيمات في الضفة الغربية، إن هي سارت على خطى مخيمات جنين ونور شمس وطولكرم، حسب التعبير الإسرائيلي.
المصدر: القدس العربي
“قنبلة سموتريتش” تشعل الحرب الإسرائيلية على البنوك والسلطة الفلسطينية