You are currently viewing من دبلن إلى فلسطين.. كيف شكّل الإرث الاستعماري موقف أيرلندا من القضية الفلسطينية؟

من دبلن إلى فلسطين.. كيف شكّل الإرث الاستعماري موقف أيرلندا من القضية الفلسطينية؟

يستعرض تحقيق لـمؤسسة الدراسات الفلسطينية العلاقة التاريخية للجمهورية الإيرلندية بالموقف المتقدم من القضية الفلسطينية، ويوضح أنها تتميز بموقفها الفريد بين الدول الغربية بسبب تاريخها الاستعماري، وفيما بعد، بسبب نجاح عملية السلام التي أعقبت الصراع في أيرلندا الشمالية (1969-1998). وحسب “الدراسات الفلسطينية”، سمحت كلتا التجربتين للحكومات الأيرلندية المتعاقبة بأن تعبّر عن مناصرتها الثابتة للسلام وحقوق الإنسان.
وفي ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أكدت جمهورية أيرلندا بلا كلل أولوية القانون الدولي، وقيام نظام دولي متعدد الأطراف، كما أعربت، في كثير من الأحيان، عن تعاطفها مع محنة الشعب الفلسطيني في المؤسسات الدولية.

 

في الأمم المتحدة
كانت جمهورية أيرلندا حريصة على ضمان عدم تفسير التزامها الإنساني باللاجئين الفلسطينيين بأي حال من الأحوال على أنه التزام سياسي متحيز. ورفضت اقتراح تركيا بأن تصير جمهورية أيرلندا الدولة غير المسلمة الوحيدة التي توقع مسودة قرار بشأن اللاجئين (1968)، وصوتت ضد القرار 2535 (1969) الذي ربط قضية اللاجئين بـ”الحقوق غير القابلة للتصرف للفلسطينيين”، معتبرة أن ذلك القرار يشكل تسييسًا للمشكلة من خلال التشكيك في وجود إسرائيل ذاته.
طبقًا لدراسة “مؤسسة الدراسات الفلسطينية”، حدثت نقطة تحوّل مهمة في موقف أيرلندا إزاء القضية الفلسطينية مع صدور إعلان البحرين (10 شباط/ فبراير 1980)، الذي جعل جمهورية أيرلندا أول دولة في المجموعة الاقتصادية الأوروبية تعترف رسميًا بحق الفلسطينيين في تقرير المصير وإقامة دولتهم.
أحيا توقيع اتفاقيات أوسلو في سنة 1993 وتشكيل السلطة الفلسطينية الأمل في التوصل إلى السلام. وأيدت جمهورية أيرلندا، بالتناغم مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، هذه الاتفاقيات، فضلًا عن حل الدولتين، مع الاستمرار في إدانة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، باعتباره عقبة أمام السلام. كما عززت زيارات ياسر عرفات إلى دبلن في السنوات 1993 و1999 و2001، وزيادة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين من خلال “هيئة المعونة الأيرلندية”، الالتزام الأيرلندي بفلسطين.
وسمحت الحكومة الأيرلندية بفتح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في دبلن في كانون الأول/ ديسمبر 1993، تطور وضعه ليتحوّل إلى مفوضية عامة لفلسطين في أيرلندا في سنة 2001، بينما تم إنشاء مكتب تمثيلي لأيرلندا في رام الله. وفي سنة 2011، ارتقى وضع المفوضية العامة لفلسطين في دبلن لتصبح بعثة فلسطين، بحيث صار رئيسها يحمل صفة سفير- رئيس بعثة.
من جهة أُخرى، في أعقاب اتفاقيات أوسلو، قدم أول سفير إسرائيلي في أيرلندا أوراق اعتماده إلى الرئيسة ماري روبنسون في تموز/ يوليو 1994، وتم افتتاح السفارة الإسرائيلية في سنة 1996، وهي السنة نفسها التي شهدت افتتاح السفارة الأيرلندية في تل أبيب. وبذلك، كانت جمهورية أيرلندا آخر دولة في الاتحاد الأوروبي تستضيف سفارة إسرائيلية، بعد أن كانت قد اعترفت بدولة إسرائيل اعترافًا فعليًا بحكم الأمر الواقع في سنة 1949.

الحرب على غزة 2008-2009 وتداعياتها
قبل عدوان “الرصاص المصبوب” نهاية 2008، زار وزير الخارجية الأيرلندي مايكل مارتن الضفة الغربية، في تموز/ يوليو 2008، حيث التقى بمسؤولي وكالة الأونروا ورئيس الحكومة الفلسطينية سلام فياض.
وفي بداية زيارته، صرح بأن جمهورية أيرلندا كانت من أوائل المؤيدين لإقامة دولة فلسطينية، وهو الهدف الذي اعتبره أحد أولويات الاتحاد الأوروبي.
وتوترت العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بسبب مشاركة الناشطين الأيرلنديين في أساطيل الحرية التي توجهت إلى غزة في سنتي 2010 و2011، واستخدام عملاء الموساد جوازات سفر أيرلندية مزورة في عملية اغتيال محمود المبحوح في دبي في سنة 2010.
وفي سنة 2011، صوتت أيرلندا لمصلحة حصول فلسطين على العضوية الكاملة في اليونسكو، وهو ما انطوى على مؤشر إلى دعمها الاعتراف الدولي بدولة فلسطين.

مناصرة البرلمان الأيرلندي لقضية فلسطين
في تموز/ يوليو 2013، وفي ظل الرئاسة الأيرلندية لمجلس الاتحاد الأوروبي، استبعد الاتحاد الأوروبي المستوطنات الإسرائيلية من أي اتفاقية تجارية جديدة مع إسرائيل.
وفي السنة التالية، اتخذت جمهورية أيرلندا خطوة رمزية أُخرى، عندما صوت مجلسا الشيوخ والنواب الأيرلنديان لمصلحة اقتراح غير ملزم يحث الحكومة الأيرلندية على الاعتراف رسميًا بدولة فلسطين، بما يتفق مع حل الدولتين.
كما أقر البرلمان الأيرلندي في سنة 2018 قانون مراقبة النشاط الاقتصادي (الأراضي المحتلة)، الذي يحظر التجارة مع المستوطنات غير القانونية في الأراضي الواقعة تحت الاحتلال بموجب القانون الدولي، ويمنع تقديم الدعم الاقتصادي لها.
ولم تلتزم الحكومة الأيرلندية بذلك القانون، مدعية أن الاتحاد الأوروبي، وليس الدول الأعضاء، هو المسؤول عن السياسة التجارية للتكتل. لكنها زادت من مساعداتها الإنسانية لوكالة الأونروا بعد خفض الولايات المتحدة مساهمتها المالية فيها.
وتمت مراجعة هذا الموقف لاحقًا في سنة 2024، عندما ادعى مايكل مارتن أن حكم محكمة العدل الدولية بعدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة يمكن أن يتيح للحكومة الأيرلندية اتخاذ قرارها المنفرد بشأن حظر التجارة مع المستوطنات.
وكان البرلمان الأيرلندي قد صوت بالإجماع، في أيار/ مايو 2021، لمصلحة اقتراح يعتبر التوسع الاستيطاني الإسرائيلي شكلاً من أشكال “الضم بحكم الأمر الواقع”.

المجتمع المدني الأيرلندي والقضية الفلسطينية
وتقول “مؤسسة الدراسات الفلسطينية” إنه، نظرًا إلى التاريخ الاستعماري الذي عانت جرّاءه أيرلندا، أبدى الرأي العام الأيرلندي، بشكل خاص، تعاطفًا مع القضية الفلسطينية منذ حرب حزيران 1967 والحروب في لبنان في الثمانينيات، التي أدت إلى نزوح جماعي للفلسطينيين.

 

وكان الدعم لفلسطين قويًا بشكل خاص داخل الحركة الجمهورية التي يقودها الحزب السياسي “شين فين”، الذي كان يتمتع بعلاقات وثيقة مع منظمة التحرير الفلسطينية. وكان يولي باستمرار، منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي، أولوية لدعم القضية الفلسطينية في جدول أعماله الخاص بالشؤون الخارجية.
وفي هذه الجزئية، تخلص مؤسسة الدراسات إلى القول: “كان المجتمع المدني الفاعل المؤيد للفلسطينيين مؤثرًا في توجيه السياسة الخارجية للدولة الأيرلندية في السنوات الأخيرة”.

حرب إسرائيل على قطاع غزة 2023-2025
منذ بدء الحرب الحالية على غزة، أعربت جمهورية أيرلندا عن مخاوفها بشأن معاملة السكان الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وأرسلت، بالاشتراك مع الحكومة السويدية، رسالة إلى المفوضية الأوروبية لضمان توافق سياسات الاتحاد الأوروبي مع مبادئ حقوق الإنسان، وطالبت بأن يكون احترام القانون الدولي شرطًا للحفاظ على اتفاقيات التجارة المتميزة مع إسرائيل.
كما اختارت جمهورية أيرلندا الاستمرار في توفير الدعم المالي لوكالة الأونروا، وذلك على الرغم من اتهام الحكومة الإسرائيلية بعض موظفي الوكالة بأن لهم دورًا في هجوم 7 تشرين الأول، الذي قامت به حركة “حماس”.
وأعلنت جمهورية أيرلندا، بالشراكة مع إسبانيا والنرويج، اعترافها رسميًا بدولة فلسطين في 28 أيار/ مايو 2024، ووافقت على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين دبلن ورام الله.
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2024، أعلنت جمهورية أيرلندا أنها ستنضم إلى قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية.

 

المصدر: القدس العربي

من دبلن إلى فلسطين.. كيف شكّل الإرث الاستعماري موقف أيرلندا من القضية الفلسطينية؟

شارك المقالة