يتزايد توثيق الجرائم المرتكبة بحق النظام الصحي في قطاع غزة، في ظل منع الصحافيين من دخول القطاع، واعتماد العالم على شهادات الأطباء والعاملين الإنسانيين كمصادر أولى للمعلومات. وتكشف تقارير متعددة عن استهداف مباشر وممنهج للمستشفيات والمرافق الطبية، بما يتجاوز المزاعم الإسرائيلية التقليدية حول “الأنفاق” أو “المقاتلين المختبئين” في المنشآت الصحية.
ومن بين أبرز الشهادات الجديدة، ما نقله الجرّاح اليوناني كريستوس جيورغالاس، الذي عمل في مستشفى ناصر بمدينة خان يونس خلال شهري أبريل/ نيسان ومايو/ أيار 2024. وفي تصريحاته لصحيفة يونانية، وصف جيورغالاس ما يجري بأنه “حرب على الأطفال”، مستعرضًا مشاهد الإصابات الفادحة التي لحقت بصغار السن نتيجة الغارات الإسرائيلية.
وقال إن القوات الإسرائيلية لم تكتف بقصف المستشفى، بل دخلت إليه عمدًا لتدمير المعدات الحساسة. وتحدث عن واقعة استهداف جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)، حيث أُحضر مهندس متخصص لتعطيله نهائيًا، لأن مجرد قصفه لم يكن كافيًا لإخراجه من الخدمة. كما رُصد تدمير ممنهج لحاضنات الأطفال في قسم حديثي الولادة باستخدام أدوات حديدية، وقد وثّق زملاؤه ذلك بالصوت والصورة.
وبحسب جيورغالاس، فقد احتلت القوات الإسرائيلية المستشفى طوال شهري فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2024، وتعرض الأطباء الذين بقوا في المكان للتعذيب الجسدي، حيث صُفّوا واحدًا تلو الآخر وتعرضوا للضرب، فيما جرى اختطاف نحو 80 منهم، لا يُعرف مصير نصفهم حتى اليوم، وسط شهادات تؤكد مقتل عدد منهم فورًا.
وتتكرر هذه الروايات في مناطق أخرى من القطاع. ففي وقت سابق من العام، أفادت منسقة الطوارئ في “أطباء بلا حدود”، كارولين سيغوين، بأن المستشفى الإندونيسي شمال غزة شهد تدميرًا كاملًا لجميع الأجهزة الطبية، الواحد تلو الآخر، بما لا يترك مجالًا لاستخدامها مستقبلًا. وتساءلت: “ما الدافع وراء هذا الفعل؟ هذه الأجهزة صُمّمت لإنقاذ الأرواح، فكيف تُحطم عمدًا؟”.
وأورد طبيب الطوارئ كلايتون دالتون في تقرير نشرته مجلة نيويوركر أنه شاهد معدات العناية المركزة مدمرة بطريقة منظمة، تشمل أجهزة تخطيط القلب، والمراقبة، وأجهزة الغسيل الكلوي. وأكد أن آثار التدمير لم تكن نتيجة إطلاق نار عشوائي بل بدت كأوامر محددة لتفكيك منظومة الرعاية الصحية.
وفي سياق هذا التوثيق، كتبت الصحافية كايتلين جونستون في تقرير نشرته بتاريخ 30 مايو/ أيار، أن “حماس لم تكن الهدف… بل كانت المستشفيات هي الهدف، والمنظومة الصحية بأكملها”. وأشارت إلى أن الاتهامات الإسرائيلية بوجود أنفاق أو مقاتلين داخل المستشفيات باتت غير قابلة للتصديق أمام هذا السيل من الشهادات. فلا أحد يختبئ في جهاز MRI، ولا أسلحة داخل الحاضنات، ولا أنفاق خلف أجهزة قياس الضغط.
إن ما يجري في غزة يتجاوز مبررات الحرب المعتادة، ليكشف عن سياسة مبيتة لتجريد السكان من أبسط مقومات الحياة، بما فيها الحق في العلاج، وجعل القطاع غير قابل للحياة. فقد بات من الواضح أن البنية التحتية الصحية في غزة أصبحت هدفًا بحد ذاتها، في سياق حرب لا تميز بين مدني ومرفق طبي.
المصدر: القدس العربي
الحرب الإسرائيلية على غزة.. أطباء يكشفون استهدافا متعمّدا للمنظومة الصحية