You are currently viewing حالة “التّهميش” لمِصر تتوسّع.. والخِلافُ مع دول الخليج المسكوت عنه يتفاقم.. ما هي الطّريق الأقصر للخُروج من هذا المأزق؟

حالة “التّهميش” لمِصر تتوسّع.. والخِلافُ مع دول الخليج المسكوت عنه يتفاقم.. ما هي الطّريق الأقصر للخُروج من هذا المأزق؟

عبد الباري عطوان

تعيش الدولة المِصريّة هذه الأيام حالةً من التّهميش السياسيّ والاقتصاديّ غير مسبوقة، برزت في أبشع صُورها أثناء زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لثلاث دول خليجيّة (السعوديّة وقطر والإمارات) وعودته منها مُحمّلًا بما يقرب من خمسة تريليونات دولار، بينما تجد القيادة المِصريّة نفسها عاجزة كُلِّيًّا عن تسديد أقساط وفوائد ديون البلاد التي تصل إلى ما يقرب من 160 مِليار دولار.

هُناك حالة تأزّم في العلاقات الخليجيّة- المِصريّة مسكوتٌ عنها، أطلّت برأسها عبر انتقاداتٍ إعلاميّة استحيائيّة، وكان لافتًا أنّه لم يتم توجيه الدّعوة إلى الرئيس المِصري عبد الفتاح السيسي لحُضور القمّة الخليجيّة التي انعقدت في الرياض أثناء زيارة الرئيس الأمريكي، على غِرار ما حدث في زيارة الرئيس ترامب الأولى، أو أثناء لُجوء القيادة السعوديّة إلى إدارة الظهر للرئيس الأمريكي السّابق الدّيمقراطي جو بايدن، بالتوجّه إلى الصين، وفرش السجّاد الأحمر لرئيسها، ودعوة قادة عرب للقاء به في قمّةٍ جرى ترتيبها خصّيصًا ترحيبًا به، وجرى تتويجها لاحقًا بانضمام السعوديّة ودول عربيّة بينها مِصر والإمارات إلى منظومةِ البريكس الاقتصاديّة المُوازية، أو المُنافسة لمنظومة الدّول السّبع بقيادة أمريكا.

***
ربّما يُفيد التّذكير بأنّ التّهميش بدأ مُبكّرًا وانعكس في الحُضور الخليجي لقمّة القاهرة الطّارئة المُتعلّقة باعتماد مُبادرة الإعمار العربيّة لقطاع غزة كان مُتواضعًا جدًّا، الأمر الذي أثار العديد من علامات الاستفهام داخِل مِصر وخارجها، حول أسباب تراجع العلاقات المِصريّة- الخليجيّة المُتسارع، وخاصّة بين مِصر والمملكة العربيّة السعوديّة.
صحيح أنّ دولة الإمارات العربيّة المتحدة استثمرت أكثر من 36 مِليار دولار في قرية “رأس الحكمة” في السّاحل الشّمالي، ولكنّ الصّحيح أيضًا، أنّ هذا الاستثمار كانَ مشروطًا بعُقود “إيجار” تمتدّ إلى أكثر من 99 عامًا، وببُنودٍ صعبةٍ ومُعقّدة، مثلما أكّد لنا مصدر مِصري مُطّلع على هذا المِلف.
هُناك همَسات تدور في الأوساط القريبة من الدولة المِصريّة العميقة تتّهم دُوَلًا خليجيّة بلعبها دورًا رئيسًا في عمليّة التّهميش هذه لمِصر، بعد رفض الرئيس السيسي لدعوة الرئيس ترامب لزيارة البيت الأبيض، وتلقّي إملاءات عن دور بلاده في تنفيذ مشروع الرئيس الأمريكي لتهجير أهل قطاع غزة إلى سيناء وتحويله بعد تفريغه من أهله إلى ريفيرا الشّرق الأوسط بالتّنسيق مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
رفض الإدارة الأمريكيّة لتحديث سلاح الجو المِصري وطائراته من نوع “ايغل” وتلبية طلبات قيادة سلاح الجو من قطع الغيار الضّروريّة، هو الذي دفع القيادة المِصريّة للتوجّه إلى الصين لشِراء طائراتٍ مُقاتلة، في لطمةٍ مُباشرةٍ وصاعقةٍ للإدارة الأمريكيّة، وفي أوّل رد يعكس التذمّر واتّباع سياسات تمرّديّة جديدة.
تسريبات صحافيّة غير مُؤكّدة تتحدّث هذه الأيّام عن سحب الرياض لدعوةٍ وجّهتها إلى كُل مِن الرئيس المِصري والعاهل الأردني لحُضور القمّة الخليجيّة التي انعقدت في حُضور الرئيس الأمريكي، والأسباب التي أدّت إلى هذه الخطوة، فهل جاءت عمليّة السّحب هذه انعكاسًا لتفاقم حالة الفُتور في العلاقات الخليجيّة- المِصريّة، أم بطلبٍ من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كرَدٍّ على عدم تلبية دعوته للرئيس المِصري لزيارة البيت الأبيض، ورفضه التورّط في حرب اليمن؟
عقد لقاء قمّة ثلاثيّة مِصريّة- أردنيّة- عِراقيّة على مُستوى وزراء الخارجيّة ربّما كرَدٍّ على سحب الدّعوة المذكورة آنفًا للرئيس المِصري والعاهل الأردني لقمّة ترامب، جرى تفسيرها على أنّها توجّه مِصري إقليمي جديد لكسر عمليّة التّهميش، ومُحاولة سريعة لإيجاد البدائل، وكان لافتًا حِرص الرئيس المِصري على حُضور قمّة بغداد العربيّة الأخيرة، التي لم يُشارك فيها جميع مُلوك وأُمراء الدّول الخليجيّة باستِثناء أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني.
السُّؤال الذي يطرح نفسه بقوّة هذه الأيّام هو حول كيفيّة الرّد المِصري على عمليّة التّهميش هذه إذا وُجدت النّوايا، وحتّى متَى ستستمر عمليّة “التستّر” عليها القائمة حاليًّا، وتعكس حالةً استثنائيّة وخُروجًا غير مألوف عن التّقاليد المِصريّة في هذا الصّدد؟
لا نُجادل مُطلقًا بأنّ مِصر باتت حاليًّا مُحاصرة بالأزمات على مُعظم الجبهات، فالسودان العمق الجنوبي المِصري يعيش حرب استنزاف تُغذّيها وتُصعّدها دول خليجيّة جنبًا إلى جنب مع أمريكا وإسرائيل، والشّيء نفسه يتفاقم على حُدودها الغربيّة مع ليبيا، واختراق حقيقي مُتصاعد لاتّفاقات كامب ديفيد، وتصعيدٌ مكتوم على حُدودها الشرقيّة مع قطاع غزة ودولة الاحتلال الإسرائيلي، ولا ننس في هذه العُجالة خسارة مِصر 7 مِليارات دولار سنويًّا لتراجع عوائد قناة السويس من جرّاء تضامن “أنصار الله” في اليمن مع الصّامدين في وجه حرب الإبادة في قطاع غزة وتعطيلهم “أنصار الله” للمِلاحة الإسرائيليّة والمُتواطئين معها في البحر الأحمر.
المَخرج الوحيد لمِصر الذي يُمكن أن يُعيد لها هيبتها، ومكانتها، ودورها القيادي الاستراتيجي في المِنطقة، هو التصدّي للمجازر الإسرائيليّة في قطاع غزة واليمن، والانسحاب من اتّفاقات كامب ديفيد بعد انتهاك إسرائيل لها باحتلال محور صلاح الدين (فيلادلفيا) وهزّ العصا بقوّة للعدو الصهيوني والتّعاطي معه باللّغة التي يفهمها، وإلّا فإنّ التّهميش قد يتطوّر وينتقل إلى الجبهة الداخليّة المِصريّة، ومن ثمّ التّفكيك والتّقسيم، والوحدة الوطنيّة التّرابيّة والنّسيج الاجتماعي والوحدة التّرابيّة، وزعزعة استِقرار البلاد بنشر الفوضى على غرار ما حدث ويحدث في لبنان وسورية وليبيا والسودان، فالعدوّ واحد والمُخطّط مُستمر ومُتفرّع وإنْ تعدّدت الدّول، ومِصر ما زالت تُعتبر الخطر الأكبر والوحيد الذي يُهدّد دولة الاحتلال وقيام إسرائيل الكُبرى، وتغيير الشّرق الأوسط وِفقًا لخريطة نتنياهو.

***
يا أهلنا في مِصر لقد طفح الكيْل، والسّياسة الحاليّة التي تتّبعونها باتت تُعطي نتائج عكسيّة، والسكّين الإسرائيليّة والأمريكيّة العربيّة اقتربت من عظمكم.
نحنُ لا نُريد إغراق مِصر في الحرب، ولكنّنا نُدرك جيّدًا أنّها مُستهدفة، وجيشها هو الوحيد المُتبقّي، واستسلام سورية وعدم ردّها على الإهانات والغارات الإسرائيليّة على مُدّة ثلاثين عامًا لم يمنع غزوها من الدّاخل، وتفكيكها، وإسقاط نظامها، وليس أمام مِصر إلّا الخِيار اليمني الذي ركّع أمريكا وأجبرها على الانسحاب واستِجداء الهدنة إنقاذًا لما تبقّى مِن كرامتها، وأغلق مطار اللّد (بن غوريون) وبات أكثر من ثلاثة ملايين إسرائيل ينامون ليْليًّا في الملاجئ.. مصر يجب أن تظل مرفوعة الرّأس وقويّة ومُوحّدة.. وآخِرُ العِلاج الكي، ومثلما انتصرت في حرب أكتوبر واستعادت قناتها وسيناءها، تستطيع أن تنتصر على المُخطّط الإسرائيلي- الأمريكي الذي يُريد تقويضها وإذلالها.. فهذه مِصر بإرثٍ حضاريٍّ يمتدّ 8 آلاف عام، وليس 300 عام مِثل أمريكا، أو 76 مِثل دولة الاحتلال الإسرائيلي.. والحياةُ وقفةُ عِز.

المصدر: رأي اليوم

حالة “التّهميش” لمِصر تتوسّع.. والخِلافُ مع دول الخليج المسكوت عنه يتفاقم.. ما هي الطّريق الأقصر للخُروج من هذا المأزق؟ | رأي اليوم

شارك المقالة