في مشهد يعكس عمق المأساة الإنسانية في قطاع غزة، ومع تصاعد الضغوط الدولية واشتداد الانتقادات الحقوقية، بدأت كيان الاحتلال الإسرائيلي بالسماح بدخول شاحنات مساعدات إنسانية محدودة بعد أكثر من 80 يومًا من الحصار الكامل.
إلا أن هذه الخطوة، التي روّجت لها سلطات الاحتلال كـ”استجابة إنسانية”، أثارت ردود فعل غاضبة من خبراء ومحللين فلسطينيين، رأوا فيها محاولة مكشوفة لتلميع صورة الاحتلال وتضليل الرأي العام العالمي، في ظل استمرار المجازر وسياسة التجويع الممنهج.
وبين من يرى في هذه المساعدات نتيجة ضغوط أمريكية، ومن يعتبرها مجرد أداة سياسية لإدارة المجاعة إعلاميًا، تتقاطع التحليلات عند حقيقة واحدة أن الكارثة في غزة مستمرة، وما يُمنح للغزيين هو “فتات مشروط”، لا يرقى إلى الحد الأدنى من احتياجات أكثر من مليوني إنسان محاصَر.
بُعدان رئيسان
في هذا السياق، قال المحلل السياسي إياد القرا، إن “إدخال الاحتلال الإسرائيلي للمساعدات الإنسانية إلى غزة يحمل بُعدين رئيسيين، الأول أن “إسرائيل” لم تعد قادرة على الصمود أمام الضغط الدولي، خصوصًا في ظل الوضع الإنساني الكارثي في القطاع، وتزايد انتقادات المنظمات الدولية”.
وأضاف في حديث لـ”قدس برس”: “صحيح أن إسرائيل ترتكب المجازر وتقتل المدنيين، لكن هناك قضايا تحظى باهتمام خاص، لا سيما ردود الفعل الأوروبية التي بدأت تتصاعد”.
وأوضح القرا أن البُعد الثاني يتعلق بما وصفه بأنه “جزء من اتفاق بين حركة حماس والولايات المتحدة”، يتضمن إدخال المساعدات إلى غزة، مؤكدًا أن “واشنطن تضغط على (إسرائيل) للالتزام به، حفاظًا على دورها التفاوضي، سواء في ملف الأسرى الأميركيين أو الجنود الإسرائيليين من حملة الجنسية المزدوجة”.
وتابع المحلل السياسي الفلسطيني أن “الولايات المتحدة تريد إثبات قدرتها على الضغط على إسرائيل، خاصةً أن أكثر من شهرين مرا دون إدخال مساعدات، وهو ما يحرجها دوليًا”.
سياسة إلهاء
من جهته، أشار الباحث الفلسطيني علي أبو رزق إلى أن “ما سُمح بدخوله حتى الآن لا يتجاوز تسع شاحنات يوميًا، وقد يصل العدد إلى ثلاثين بحلول مساء اليوم (الإثنين)، وهو ما يعادل فقط 5% من عدد الشاحنات التي دخلت خلال الهدنة السابقة، والتي بلغ متوسطها 600 شاحنة يوميًا”.
وكتب أبو رزق في تغريدة على منصة “إكس” (تويتر سابقًا): “ما يجري هو إدارة إعلامية للمجاعة، حيث تتناقل وسائل الإعلام مشهد ثلاثين شاحنة، لتُحقّق الصورة المطلوبة”.
وأوضح أن “معظم هذه الشاحنات لا تحتوي إلا على مساعدات غذائية أساسية من طحين ومعلّبات، ولا تضم مواد غذائية طازجة أو لحوماً أو دواجن، بما يضمن لـ(إسرائيل) إبقاء متوسط السعرات الحرارية للفرد بين 1000 إلى 1500 سعرة فقط”.
وأضاف: “في أحد أكثر السيناريوهات قذارة، من المفترض أن تدخل اليوم (الإثنين) شاحنات أدوية إلى مستشفيات القطاع، لكن في الليلة السابقة فقط (الأحد)، شنّت طائرات الاحتلال غارة استهدفت مستودع أدوية في مستشفى ناصر بخانيونس”.
وأكد أبو رزق أن هذا التصعيد لا يمكن فصله عن السياق السياسي والعسكري العام، قائلاً: “في الوقت الذي تتصاعد فيه الإدانات الدولية لفكرة الاجتياح الشامل لغزة وتجويع سكانها، يمارس الاحتلال سياسة إلهاء، ويقدّم طُعماً جديدًا باسم المساعدات، تمامًا كما فعل في اجتياح رفح… بهدوء ودون ضغوط حقيقية”.
تضليل الرأي العام الدولي
أما رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني صلاح عبد العاطي، فقد أدان بشدة سماح الاحتلال بدخول عدد محدود جدًا من الشاحنات، بعد أكثر من 80 يومًا من الحصار الشامل وإغلاق المعابر، في ظل أوضاع إنسانية غير مسبوقة.
وقال عبد العاطي في حديث لـ”قدس برس”، إن “هذه الخطوة الهزيلة، التي يتم الترويج لها كاستجابة إنسانية، ليست سوى محاولة مكشوفة لتضليل الرأي العام الدولي وتبييض صورة الاحتلال، بينما تستمر جرائم الإبادة الجماعية والتدمير بحق أكثر من 2.3 مليون مدني محاصر”.
وأضاف أن “هذا العدد الرمزي من الشاحنات لا يمكن فهمه إلا كاستهتار بأرواح الناس واستغلال سياسي للمساعدات”.
كما أشار إلى “وصول عناصر من شركات أمنية أمريكية ضمن خطة إسرائيلية أمريكية مشتركة، تهدف إلى استخدام المساعدات كأداة لإحداث تغييرات ديموغرافية، واستبدال الأونروا والمنظمات الدولية الأخرى، في إطار مشروع لتفريغ غزة من سكانها وضمها قسرًا لدولة الاحتلال”.
وحذّر عبد العاطي من محاولات تصوير هذه الخطوة بأنها “اختراق إنساني”، داعيًا المجتمع الدولي إلى “فضح هذا التضليل ورفض عسكرة المساعدات”.
وأكد القانوني الفلسطيني أن “إيصال المساعدات إلى غزة حق قانوني وأخلاقي، لا يجوز أن يخضع للمساومة أو الابتزاز”.
وشدد على الأمم المتحدة والمنظمات الدولية “أن ترفض التواطؤ مع هذا السلوك، وتتحرك عاجلًا لضمان دخول مساعدات كافية من خلال ممرات إنسانية دائمة وآمنة، بعيدًا عن تحكم الاحتلال، وعلى الأطراف السامية الموقعة على اتفاقيات جنيف أن تتحمل مسؤولياتها القانونية لوقف الإبادة الجماعية والعقاب الجماعي، ومحاسبة قادة الاحتلال كمجرمي حرب”.
ودعا عبد العاطي وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان إلى “مضاعفة جهودها لكشف التلاعب بالمساعدات، ونقل الصورة الحقيقية للكارثة الإنسانية في غزة”.
وكانت قوات الاحتلال جددت عدوانها على قطاع غزة منذ فجر 18 آذار/مارس 2025، بغارات جوية على جميع أنحاء قطاع غزة مما أدى إلى استشهاد وإصابة أكثر من 12 ألف فلسطيني، منقلبة على اتفاق لوقف إطلاق النار مع فصائل المقاومة الفلسطينية، استمر نحو 60 يوماً من إبرامه بوساطة أمريكية مصرية، وقطرية.
وبدعم أمريكي، يرتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إبادة جماعية بغزة خلفت نحو 174 ألفا و500 شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.
المصدر: قدس برس
لماذا تسمح “إسرائيل” بدخول شاحنات المساعدات إلى غزة الآن؟ – وكالة قدس برس للأنباء