يُواصل الإعلام العربيّ مَهمّة “تلميع” صورة نظام “الجهادي السابق” أبو محمد الجولاني، وتقديمه للسوريين والعالم أنه المُنقذ المُحرّر الذي يُفترض أنه حرّرهم من نظامٍ مجرم، ألا وهو نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، ولكن هذا الإعلام يُمارس صمتًا، أو تضليلًا حينما يتعلّق بفظائع يرتكبها النظام الجديد في سورية، ولعلّ أبرز ما يعود لأذهان السوريين اليوم من غير أنصار أحمد الشرع، ما قاله الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد حول الإخوان المسلمين في خطابه العام 1982، حين تساءل قائلًا: “ما الذي لم يفعله هؤلاء المجرمين، كل شيء، كل شيء فعلوه، قتلوا، اغتالوا، سرقوا، نهبوا، خانوا”.
انشغل السوريون في الساعات الأخيرة، إلى جانب إهانة إسرائيل للسيادة السورية واحتلالها لجزء من أراضيها، وصراع الأقليات مع السلطة الجديدة، انشغلوا بقصّةٍ صادمة، قد تكون بداية لفصل خطير في البلاد، وتعزيزًا للسلطة الجهادية الإسلامية المتطرفة، والتي تُؤمن بجهاد النكاح، والسّبي، ما يُشكّل خطرًا على كل النساء السوريات، وتحديدًا من الأقليّات.
يحدث في سورية أن تتحوّل إلى “سوق سبايا” علني، يُشارك فيه رجال أمن حكام دمشق الجدد، حيث اختطاف أثار صدمة السوريين بجميع طوائفهم، وبطلة الحكاية “ميرا”، والتي جرى اختطافها من داخل معهدها في محافظة حمص (يقطنها عدد كبير من العلويين)، لتظهر بشكلٍ لاحق “مُنقّبة ومُتزوّجة”، في مشهدٍ صادم، يضع علامات استفهام كبيرة حول مستقبل سورية الاجتماعي، فيما كان الشرع يُصافح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وينتقل من رئيس للجهاديين، إلى رئيس للسوريين.
المرصد السوري لحقوق الإنسان وصف الحادثة بأنها “مُؤامرة” جرت داخل المعهد، والذي سلّم أشخاص فيه، الفتاة لفصيل مسلح يعمل في حمص، قبل عودة ظهورها وهي “منقبة” بذريعة زواجها، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول مدى قدرة السوريين على ضمان أمان “بناتهم” داخل المعاهد، والجامعات، والمدارس، في حال قرّر أحد رجال الفصائل “تسجيل إعجابه” بفتاةٍ سورية ما، والزواج منها تحت تهديد السلاح.
يحصل كُل هذا بعد مرور خمسة أشهر فقط على سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد.
وبناءً على اتصال من معلمة في المعهد ويبدو أنها شاركت في مُؤامرة تسليم الفتاة لخاطفيها، دخلت “ميرا” لتأدية امتحان في معهد لإعداد المدرسين في حمص في الـ27 من نيسان الماضي، ثم فقد والدها الاتصال بها، والذي كان ينتظرها خارج المعهد، ثم جرى اعتقاله لاحقًا.
الصّدمة، أنه جرى تسجيل مقطع فيديو للفتاة، وظهرت وهي ترتدي نقابًا، وقالت إنها تزوّجت برضاها من شاب تواصلت معه برضاها، وهي في العهد، ويبدو أن ظروف تصوير مقطع الفيديو أثار جدلًا أوسع، ولغطًا أكبر، حيث بدت الفتاة من ملامح وجهها أنها مُجبرة، والأكثر قسوة، أنها لم تكن محجبة، وجرى إلباسها جلبات أزرق على الطريقة الأفغانية، وإلى جانبها زوجها الذي أمسك بمعصمها بقوّة، ويُفترض أنها تحبه وهربت معه.
ولا يبدو أنّ الواقعة قد وقعت بمعزلٍ عن معرفة سُلطات حكّام دمشق الجدد، فقد سارعت قناة “الإخبارية” التي ذهبت عُهدتها من الدولة السورية، إلى النظام الانتقالي، لتغطية الحدث الجدلي، وأظهر التقرير أن الفتاة العروس، تزوّجت بخاطرها من “فارسها”، ولكن لم تنجح القناة بتغطية ملامح التعب والخوف التي ظهرت على وجه الفتاة.
هذه الواقعة الصادمة، ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة في ظل نظام “الجهادي السابق” كما وصفته صحف فرنسية خلال تواجده في فرنسا، بل هي واقعة تسلّطت الأضواء عليها بالشكل الذي أثار حفيظة “سورية الجديدة”، حيث وثّق المجلس الإسلامي العلوي الأعلى، الذي وثّق في رسالةٍ مفتوحة إلى الأمم المتحدة 60 حالة مُشابهة خلال الأشهر الأخيرة، لفتيات من الطائفة العلوية تم اختطافهن من داخل المدارس والجامعات، وسط علامات استفهام كبيرة حول غياب التحقيق والمُساءلة.
الفنانة السورية يارا صبري، وهي كانت من أكثر المُحتفلين بسقوط نظام الأسد، هاجمت بحدّة المشهد، وكتبت على حسابها التواصلي: “باعتبارنا مهابيل بالجملة كشعب سوري، فمنتظر منّا نصدق قصة هالصبية يلي ‘قال’ ما انخطفت… السؤال: حسب الأصول الشرعية، هل مسموح تتزوج بدون ولي أمرها؟! يمكن مو مبكلة القصة منيح يا حبيباتي حتى مع شعب المهابيل (نحنا)”.
خطيفة.. سبيّة.. تابعة.. رهينة.. هذه عبارات تتصدّر المشهد السوري، والحديث هنا عن سورية ذاتها، وعن نسائها، فوزير خارجية سورية الانتقالي أسعد الشيباني استخدم هذه التوصيفات حين قال بعد “التحرير”: نحن حرّرنا خطيفة، ولا يُمكن للخطيفة أن تسأل أين سيأخذوها. من يُحرّر يُقرّر”.
يبدو هُنا أن هذا التصريح يشمل نساء سورية أيضًا.
الأصوات المُوالية للشرع، سارعت لاتهام “ميرا” بفبركة الحادثة، لتشويه صورة حكام دمشق الجدد، وسط أصوات طالبت السلطات الجديدة بفتح تحقيقٍ مُستقل.
ولافت أنّ العُنوان العريض الذي رافق قصّة “ميرا” هو “رحلة السّبي”، فيما باتت صورة “العروس السبيّة” العشرينية ابنة مدينة تل كلخ في حمص هي صورة حسابات السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي تضامنًا معها.
سُلطات سورية الجديدة بكُل حال فيما يبدو ليست بصدد تقديم الحقيقة في قصّة “ميرا السبيّة”، فقد لخّصت قصّتها بزواج رضائي بناءً على قصّة حب جمعت بين طائفتين مُختلفتين، وتمّت حماية “العروس” بسواعد رجال الأمن العام لتلقى حبيبها “الفارس الجهادي”، في الختام… المهم “بنو أميّة أصلهم ذهب”.. و”من يُحرّر يُقرّر”، والأهم.. “ذهب الأسد.. وبقي البلد”، ولكن أي بلد يسأل سائل؟!
المصدر: رأي اليوم