عبد الباري عطوان
عندما تتعهّد حركة “أنصار الله” “العربيّة” اليمنيّة بالرّد على الغارات الجويّة الإسرائيليّة التي استهدفت مطار صنعاء الدولي، ومحطّات كهرباء في العاصمة ومُحافظاتٍ أُخرى، وتقول في بيانٍ رسميّ إنّ هذا العُدوان الأمريكي- الإسرائيلي لن يمرّ دون رد، ولن يُثنيها عن الاستمرار في موقفها المُساند لغزة في مُواجهة حرب الإبادة والتّجويع ودون تردّد، فإنّ علينا أنْ نتوقّع قصف يافا (تل أبيب) وحيفا ومدن أُخرى مُحتلّة ربّما اللّيلة، بالمُسيّرات وبالصّواريخ الباليستيّة، والفرط صوتيّة على وجه الخُصوص، فقد عوّدنا الأشقّاء في اليمن، مُنذ اليوم الأوّل لانفِرادهم بإعلان الحرب على دولة الاحتلال والدّاعمين لها، وخاصّة أمريكا، تضامنًا مع غزة، عوّدونا على أنّهم يقولون ويفعلون ويُنفّذون، ولا ينامون على ضيم، وأخذ الثّأر فورًا، ودون أيّ تأخير من شيمهم، ونِعمَ الرّجال هُم.
هذه الغارات الإسرائيليّة التي استهدفت مُنشآتٍ مدنيّة صرفة، وبأكثر من ثلاثين طائرة حربيّة، تعكس ضخامة الألم وحالة الارتباك والهلع، التي سادت المُؤسّسة العسكريّة الإسرائيليّة، وقيادتها السياسيّة، وقاعدتها البشريّة بعد فشل أربع منظومات دفاعيّة جويّة مُتقدّمة جدًّا في إسقاط الصّاروخ الفرط صوتي اليمني “المُعدّل” الذي وصل إلى مطار اللّد (بن غوريون) في قلب يافا المُحتلّة، وأخرجه كُلِّيًّا عن العمل، وأرسل أكثر من ثلاثة ملايين مُستوطن بملابسِ النّوم إلى الملاجئ طلبًا للسّلامة.
***
القيادة العسكريّة الإسرائيليّة تُدرك جيّدًا أنّ الرّد اليمني قادم لا محالة، ولكنّها لا تعرف أين، وكيف سيكون، خاصّة أن نظيرتها اليمنيّة لم تُؤكّده فقط، بل تحدّثت عن “مُفاجآتٍ” قادمة ستزيد من هلع، وارتباك، العدو الإسرائيلي، فهذه قيادةٌ مِن رَحِمِ الشّعب، وقيم الصّمود والشّهامة والشّجاعة، ونفَسُها طويلٌ جدًّا، ولا تُنهي حُروبها إلّا بالنّصر واقرأوا التّاريخ.
الشّعب اليمني العربيّ المُسلم الأصيل لن تتغيّر حياته إذا ما خرج مطار صنعاء عن الخدمة بسبب هذه الضّربات العُدوانيّة الإسرائيليّة، فقد ظلّ هذا المطار مُغلقًا لأكثر من ثماني سنوات، وبشَكلٍ دائم، أثناء الحرب الإماراتيّة- السعوديّة على اليمن، ولم يتم فتحه إلّا بالقُوّة، وتطبيق نظريّة المطار مُقابل المطار، والميناء مُقابل الميناء، والمدني مُقابل المدني، ولا نُريد نكأ الجراح.
هذه النظريّة سيُعاد تطبيقها حتمًا ضدّ دولة الاحتلال الإسرائيلي التي قد تطول، ولا نستبعد أنّ شركات الطّيران العالميّة الكُبرى وتِعدادها بالعشَرات، التي أوقفت رحَلاتها إلى مطار اللّد بمُجرّد سُقوط الصّاروخ الأوّل في فنائه الدّاخلي، قد لا تعود قريبًا مُطلقًا وستُوقف جميع خدَماتها لأشهرٍ قادمة، فهذه حربٌ مُختلفةٌ وقد تطول.
الشّعب اليمني العظيم العنيد في الحق، وعزّة النفس، والكرامة، سيُعيد حتمًا إصلاح جميع محطّات الكهرباء في ساعات، أو ربّما في أيّامٍ معدودة، ويستطيع أنْ يعيش حتّى بُدونها، ويلجأ إلى الكُهوف، تمامًا مثلما فعل أهله في قطاع غزة طِوال العُدوان الإسرائيلي المُستمر مُنذ أكثر مِن عامٍ ونصف العام، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا طعام، ولكنّ السُّؤال الذي يطرح نفسه بقُوّة هو: هل يستطيع المُستوطنون الإسرائيليّون المُرفّهون، النّواعم، أنْ يعيشوا بدون مطار اللّد، و أن يناموا في الملاجئ مُعظم اللّيالي، ويُشاهدون ألسنة اللّهب تنطلق في جميع الجهات من حولهم بسبب قصف المُسيّرات والصّواريخ اليمنيّة التي ستهطل مِثل المطر فوق رؤوسهم في الأيّام والأسابيع والأشهر المُقبلة، وبدون ماء ولا كهرباء وإنترنت، وأمن، فمَن يقصف مطار اللّد يستطيع أنْ يقصف محطّات الكهرباء والماء وكُل عُصب الحياة الأُخرى.
***
دولة اليمن أصبحت دولة مُواجهة، وباتت قائدة محور المُقاومة، وتتفاخر بأنّها لم تتردّد مُطلقًا عن الالتزام بمبدأ وحدة السّاحات الذي دشّنه سيّد الشّهداء حسن نصر الله، رحمه الله، ولا يهمّها، شعبًا وقيادةً مُطلقًا أنْ تكون لوحدها في الميدان، ليس فقط في مُواجهة “إسرائيل” وجيشها الذي أرعب كُل الجُيوش والأشناب واللّحى العربيّة المُتواطئة الجبانة، وإنّما أيضًا الولايات المتحدة الأمريكيّة الدّولة العُظمى وحاملات طائراتها.
نقولها، ونُكرّرها للمرّة الألف، أنّ الشعب اليمني الذي هزم جُيوش جميع الامبراطوريّات على مدّ التّاريخ، سيهزم أمريكا وإسرائيل أيضًا، وسيثأر لشُهدائه، فأمريكا ليست معصومةً عن الهزائم، ويكفي التّذكير بأنّ المُجاهدين الأفغان، الذين لا يملكون صواريخ فرط صوت، ولا المُسيّرات، ولا الدبّابات، ولا النفط والمال، هزَموا أمريكا، وأذلّوها، وحرّروا جميع الأراضي الأفغانيّة دون نُقصان شبر واحد منها.
نكتب بعاطفيّةٍ، نعم، ولا يُعيبنا ذلك، لأنّنا نُؤمن بأنّ إرادة السّلاح، وليس الدبلوماسيّة والاستِسلام، والحديث النّاعم، وطأطأة الرّؤوس، وإدمان نظريّة توازن القِوى، هي التي تُعيد للأُمم كرامتها وعزّة نفسها وأراضيها المُحتلّة.
نقف دون تردّد في هذه الصّحيفة في خندقِ أهلنا المُقاومين اليمنيين في مُواجهتهم للعُدوانَين الأمريكي والإسرائيلي على اليمن العظيم، أصل العرب، مثلما وقفنا في خندقِ العِراق، وسورية، ولبنان، وليبيا، ومِصر، والجزائر، والسودان، وأفغانستان والحياةُ وقفةُ عِز.
المصدر: رأي اليوم