You are currently viewing إنّهم يغتصبون أسرانا.. ويُجوّعون أهلنا في غزة حتّى الشّهادة.. لماذا نلوم “العالم الحُر” ولا نَلومُ جُيوشنا العربيّة وجِنرالاتها؟

إنّهم يغتصبون أسرانا.. ويُجوّعون أهلنا في غزة حتّى الشّهادة.. لماذا نلوم “العالم الحُر” ولا نَلومُ جُيوشنا العربيّة وجِنرالاتها؟

عبد الباري عطوان
أنْ يُجاهر بتسلئيل سموتريتش وزير الماليّة الإسرائيلي بنازيّته علنًا، ويتباهى بتجويع أهالي قطاع غزة حتى الشّهادة، وأنْ يُؤكّد “أنّ ترك سكّان قطاع غزة يموتون جُوعًا يُمكن أنْ يكون أمْرًا مُبَرّرًا أخلاقيًّا” فهذا ليس جديدًا ولا مُفاجئًا بالنّسبة إلينا، ولكن المُفاجأة الصّادمة هو ردّ فِعل العالم الغربيّ الذي لم يتوقّف طِوال المئة عام الماضية من إلقاء مُحاضرات علينا حول احترام حُقوق الإنسان، ويستخدمون الاتّهامات لنا كعرب ومُسلمين في هذا المِضمار لفرض الحِصارات التجويعيّة بل والتدخّل عسكريًّا لأسقاط أو تغيير أنظمة، والقائمة طويلة.
سموتريتش يُبرّر في تصريحاته هذه قتل مليونيّ مدنيّ في قطاع غزة، نسبة عالية منهم من الأطفال والنساء، يُواجهون حِصارًا خانقًا، وإغلاق حُكومته جميع المعابر السّبعة لمنع وصول أيّ مُساعدات غذائيّة أو طبيّة، والأخطر من ذلك أنّ هذه التّصريحات التي يجري تطبيقها عمليًّا على الأرض لا تحظى باهتمامِ العالم الغربيّ “الحُر” أو زعيمته الولايات المتحدة الأمريكيّة، باستثناء بعض الإدانات الإنشائيّة، ودُونَ الحديث مُجرّد الحديث، من قِبَل الحُكومات الغربيّة عن فرضِ عُقوبات، بل ما يَحدُث هو العكس تمامًا من حيث وصف أعمال القتل والإبادة والتّطهير العِرقي بأنّها تأتي في إطارِ الدّفاع الإسرائيليّ المشروع عن النّفس.
أهلنا في قطاع غزة لم يعد أمامهم إلّا خِياران، الشّهادة عطشًا وجُوعًا أو بالصّواريخ الإسرائيليّة، أو الاثنين معًا، وباتت وجبات غذائهم “الشّهيّة” أوراق الشّجر والبرسيم، ومُشاهدة أطفالهم يموتون جُوعًا أمام أعينهم، ناهيك عن نُزوحهم أربع مرّات على الأقل مُنذ بداية الحرب قبل عشرة أشهر، ونحنُ لا نتحدّث هُنا عن الأوبئة، وأمراض الجلد، وسُوء التّغذية، وانعِدام الأدوية، للمُصابين بالضّغط والسكّر والكوليسترول، وحتّى الرّعاية الطبيّة، لأنّ الأولويّة باتت للجرحى والمُصابين من جرّاء القصف.
***
هذا العالم الغربيّ الفاجر مُنعدم الضّمير الذي تُقيم زعيمته الولايات المتحدة جسرًا جويًّا لإرسال آلاف القنابل العملاقة وطائرات الشّبح، والدبّابات والمُسيّرات الحديثة لدولة الاحتلال بِما يُوفّر لها احتياجاتها من أدوات القتل والدّمار، مُكافأةً لها على مجازرها، هذا العالم لا يملك ذرّة من الضّمير والأخلاق ولا يُحرّك ساكنًا.
وزير خارجيّة بريطانيا ديفيد لامي انحصر ردّه في حثّ الحُكومة الإسرائيليّة على إدانة تصريحات وزيرها لأنّ التّجويع “جريمة حرب” ولكنّه لم يقل إن ما تشهده غزة التي تعيش تحت الحِصار الخانِق والقصف بالصّواريخ والقنابل العملاقة ليل نهار هو تطبيقٌ عمليٌّ لاستراتيجيّة التّجويع الذي تُمارسه هذه الحُكومة مُنذ عشرة أشهر، ولم يُطالب هو ونُظراؤه في أوروبا باستصدار قرارات من قِبَل مجلس الأمن لفرض عُقوبات على دولة الاحتلال على غرار ما فعلت ضدّ العِراق، وإيران وليبيا، وسورية، استنادًا إلى “أعذارٍ” مُعظمها “مُفبرك” لتبرير قتل الملايين من أبنائها والتّمهيد لغزوٍ شامل يُطيح بأنظمةِ الحُكم الوطنيّة فيها، عِقابًا لها على الوقوف في خندق الحُقوق العربيّة الفِلسطينيّة المشروعة.
عندما يكشف استطلاعٌ للرّأي أجرته شركة إسرائيليّة عن تأييد 47 بالمئة من مُستوطني دولة الاحتلال لأعمال الاغتِصاب الجنسي لأسرى فِلسطينيين مُقيّدي الأيدي والأرجل من قِبَل جُنود الجيش “الأكثر أخلاقيّة” في العالم، ويتم توثيق هذه الجرائم بالصّوت والصّورة فإنّ الصّمت على هذه الانتهاكات يعني المُوافقة عليها، والتّستّر على مُرتكبيها، بل وتشجيعهم على الاستِمرار وارتكاب المزيد من أعمال الاغتصاب والتّجويع والقتل.
هؤلاء “الحضاريّون” شنّوا حملةً غير مسبوقة على حركة المُقاومة الإسلاميّة حماس استنادًا إلى بياناتٍ إسرائيليّة “مُلفّقة” تقول إنّ منفّذي هُجوم “طُوفان الأقصى” أقدموا على اغتصابِ سيّدات إسرائيليّات، وكان أبرز من ردّد هذه الأكاذيب الرئيس الأمريكي جو بايدن، وعندما اتّضحت الحقيقة، ولم يُقدّم الإسرائيليّون أيّ دليل على صحّة هذه الاتّهامات، اعتذر الرئيس بايدن واعترف بخطئه، والشّيء نفسه فعلته محطّة “سي إن إن” التي روّجت لها، ولكن لم نسمع ولا كلمة “إدانة” من الرئيس بايدن نفسه للاعتِداءات الجنسيّة على الأسرى الفِلسطينيين، الرّجال والنّساء أيضًا.
لاحظوا أننا لم نُوجّه أي نقد أو لوم للحُكومات العربيّة، وخاصَّةً تلك المُطبّعة مع دولة الاحتلال، وتُكافئه أكثر وأكثر كلّما صعّد من حربِ إبادته في قطاع غزة والضفّة وجنوب لبنان، واليمن، بتوفير كُل احتياجاته من الطّعام الطّازج، وتُقيم جُسورًا بريّة لأداء الواجب، وتأكيد قيم حُسن الجِوار تُجاه هؤلاء القتلة، وإظهار الحِرص على حُصولهم على الوجبات الطّازجة من الخُضار والفواكه واللّحوم والأسماك، بينما يُديرون وجوههم إلى النّاحية الأُخرى حتى لا يروا الأطفال الذين تحوّلوا إلى هياكل عظميّة من الجُوع والعطش في القطاع، أو يستشهدون بشظايا القنابل، ولا يجدون العناية الطبيّة لأنّه جرى تدمير مُعظم المُستشفيات، إنّه العار في أبشعِ أشكاله.
***
قرّرنا عدم توجيه اللّوم لمُعظم الحُكومات العربيّة الكبيرة منها أو الصّغيرة، لأنّ قادتها بلا ضمائر، ولا قيم، ولا أخلاق، وأكثر صُهيونيّة من الصّهاينة أنفسهم، ونَحمدُ الله أنّ لدينا هؤلاء الأبطال في كتائب المُقاومة في القِطاع والضفّة، وجنوب لبنان، واليمن العظيم، والعِراق الذين تحمل جيناتهم قيم العزّة، والكرامة، والفِداء، ويتصدّون للاحتلال وسُفنه، ومُستوطنيه، ويستنزفونه بشريًّا ونفسيًّا واقتصاديًّا، ويحرمونه من الأمن والاستِقرار والرّدع ويبثّون الرّعب في صُفوف جِنرالاته وقادَته.. هؤلاء هُم العرب الأقحاح الذين نعتزّ بهم، ويجعلوننا نفخر بعُروبتنا وعقيدتنا وإرثنا التّاريخي الحافِل بالإنجازات وبِما يجعلنا واثقين بالنّصر المُؤكّد القريب بإذنِ الله.

 

رأي اليوم

شارك المقالة