يعتزم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس زيارة العاصمة السورية دمشق، يوم غدٍ الجمعة، للقاء الرئيس السوري أحمد الشرع، في زيارة رسمية هي الأولى من نوعها منذ عام 2007، وسط تساؤلات فلسطينية حول دوافعها وتوقيتها وأثرها المحتمل على واقع فلسطينيي سوريا والعلاقة بين الجانبين.
وتأتي هذه الزيارة استكمالاً للقاء جمع الرئيسين في قمة عربية طارئة عُقدت في القاهرة في مارس/آذار الماضي، وكذلك بعد زيارة قام بها وفد فلسطيني رفيع المستوى إلى دمشق في يناير/كانون الثاني برئاسة رئيس الوزراء محمد مصطفى، في إطار ما وُصف بمساعي “التشاور والتنسيق”.
ترقّب وانتظار للموقف السوري
الكاتب والمحلل السياسي ماهر شاويش أشار إلى أن السلطة الفلسطينية تنتظر موقف الإدارة السورية الجديدة من عباس وسلطته بشكل عام، ومن ملف فلسطينيي سوريا بشكل خاص.
وأوضح في حديثه لقدس برس أن عباس قد يحمل مقاربة معينة، لكنه بحاجة لمعرفة موقف دمشق منها، ما لم تكن قد طُرحت خلال اللقاء السابق.
ورأى شاويش أن “الإدارة الجديدة لا تزال تتأرجح بين الأيديولوجيا والبراغماتية، وقد تجد في مقولة ’نقبل بما يقبل به الفلسطينيون‘ مخرجاً آمناً من الإحراج السياسي”.
ولفت إلى أن الانقسام الفلسطيني يمنح دمشق هامش وقت إضافي لاتخاذ موقف واضح.
وأضاف شاويش أن “الزيارة لا تخرج عن إطار العلاقات العامة لحركة فتح والسلطة”، مشيراً إلى أن ملف إعادة الإعمار وأمواله يمثل دافعاً محتملاً لعباس.
كما أكد أن مسألة التمثيل وسؤال المرجعية لفلسطينيي سوريا تبقى التحدي الأكبر، محذراً من أن استمرار السلطة بهذا النهج قد يدفع دمشق إلى التعامل مع جهات أخرى بحكم الأمر الواقع.
قلق وشكوك
من جانبه، قال الناشط السياسي إبراهيم أبو هاشم إن الرئاسة السورية قد تنظر للسلطة الفلسطينية كجهة تابعة غير مستقلة، وربما ترى في عباس ناقلاً لرسائل من أطراف أخرى، لا صاحب قرار حقيقي.
وأكد لقدس برس أن ما سيستفيده الفلسطينيون من هذه العلاقة مرهون بأهداف الزيارة، التي قد تكون محاولة من عباس لتلميع صورته أمام الرأي العام الفلسطيني، في ظل الانتقادات لدوره في الضفة وغزة.
ورأى أبو هاشم أن “الكرة بملعب الحكومة السورية”، مرجحاً أن تتعامل مع الزيارة بمنطق براغماتي، من خلال قراءة رسائل ما وراءها.
من جانبه قدم الناشط السياسي حسين تايه طرحاً مشابهاً، موضحا في حديثه لقدس برس أن السلطة تحاول من خلال هذه الزيارة إيجاد موطئ قدم يعوّض عن تراجعها في المشهد الفلسطيني، خاصة في ظل تصاعد الهجوم على المقاومة، معتبراً أن عباس يسعى لاستعادة بعض من “كرامته المداسة في الضفة وغزة”، حسب تعبيره.
زاوية مختلفة: مقاربة سورية براغماتية
من جانبه رأى الناشط السياسي معتصم أبو يحيى أن السلوك الدبلوماسي للقيادة السورية خلال الأشهر الماضية يعكس توجهاً براغماتياً يميل إلى النموذج “الأردوغاني”، في ترسيخ شرعية الدولة من خلال بناء علاقات رسمية متعددة.
وقال أبو يحيى إن دمشق ستتعامل مع السلطة كجهة سياسية تمثيلية للشعب الفلسطيني، وتسعى للاستفادة من وجود مؤسسات السلطة ومنظماتها الدولية على أراضيها.
لكنه أشار إلى أن ما تحمله السلطة من رسائل، سواء من “معلمهم الأكبر” أو بما يخص فصائل المقاومة، يجب أن يكون محل اهتمام وتدقيق، نظراً لقدرتهم على جمع معلومات دقيقة حول النشاط الفلسطيني في المخيمات.
ولفت إلى أن التعامل السوري سيبقى في الإطار السياسي المبدئي، رغم المظاهر البراغماتية، مؤكداً أن الخلفية الأيديولوجية ما تزال حاضرة بقوة، وسط ضغوط غربية متصاعدة تتعلق بالوجود الفلسطيني في سوريا.
وشدّد أبو يحيى على ضرورة عدم تمرير الزيارة دون رد فعل، داعياً إلى “تحشيد شعبي وطني رافض من مختلف الفصائل”، بالإضافة إلى إطلاق حملة إعلامية رقمية تركّز على مواقف السلطة من معركة غزة وربطها بالنظام السوري، بهدف خلق بيئة تضاد شعبي واضحة.
ورغم أن زيارة عباس إلى دمشق قد تبدو في ظاهرها بروتوكولية أو ضمن مساعي “ترميم العلاقات”، إلا أن ردود الفعل الفلسطينية المتفاوتة، تكشف عن حالة انعدام ثقة عميقة بين شريحة واسعة من فلسطينيي سوريا والسلطة الفلسطينية. وفي ظل الانقسام الفلسطيني، والتحولات الإقليمية، والتقارب السوري مع قوى المقاومة، تبقى الأسئلة الكبرى حول جدوى هذه الزيارة، بلا إجابة واضحة حتى الآن.
المصدر: قدس برس