You are currently viewing لماذا يصعّد المبعوث الأمريكي ويتكوف تحذيراته مجددا بإفلاس مصر وانهيارها ويلمح الى موجة اغتيالات على غرار لبنان؟ هل اقترب التهجير بالقوة الى سيناء؟ وما هي مؤشرات “التوتر” المزعوم على الجبهة المصرية والكيان؟

لماذا يصعّد المبعوث الأمريكي ويتكوف تحذيراته مجددا بإفلاس مصر وانهيارها ويلمح الى موجة اغتيالات على غرار لبنان؟ هل اقترب التهجير بالقوة الى سيناء؟ وما هي مؤشرات “التوتر” المزعوم على الجبهة المصرية والكيان؟

عبد الباري عطوان

قبل أيام التقيت بصديق قديم يتردد على مصر بين الحين والآخر، بحكم عمله في منطقة الخليج، وعلاقاته القوية مع النخبة الاقتصادية المصرية غير الرسمية، الحديث طال بيننا عن مصر التي كنت أعرفها جيدا بحكم الدراسة في جامعاتها، والنقطة الأبرز التي توقفت عندها قوله ان مصر تعيش حاليا حالة غليان شعبي لم يعرف مثلها طوال الخمسين عاما الماضية، وسبب هذا الغليان الرئيسي هو التعاطف مع أهل قطاع غزة وحرب الإبادة التي يواجهونها، والتجويع الذي يعيشونه بسبب اغلاق المعابر، ومنع دخول جميع المساعدات الغذائية الأخرى، الامر الذي قد يجعل الانفجار وشيكا.
تذكرت اقوال هذا الصديق الذي أثق بقوله وتحليلاته، وانا اتابع الضغوط الإسرائيلية الامريكية المحسوبة جيدا، والمتصاعدة هذه الأيام ضد مصر للرضوخ للمطالب المتعلقة بالتهجير على وجه الخصوص، وانعكست في تصريحات متعمدة ومتكررة للمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، والتسريبات الإعلامية الإسرائيلية التي تضخّم الخطر الأمني المصري على دولة الاحتلال.

***
يبدو واضحا، ومن خلال رصد بعض الاخبار التي ظهرت على السطح، وحملات الكُتاب المقربين من دائرة الحكم في مصر ان كيل الأخيرة قد طفح، ولم يعد يتحمل هذه الحملات المهينة التي تفاقمت حدتها في الأيام الأخيرة، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
أولا: الهجوم العنيف والمبطن الذي شنه ويتكوف على مصر في مقابلة مرتبة مع الصحافي الأمريكي الشهير تاكر كارلسون وتجسد في قوله ان مصر تعيش حالة إفلاس، وحالة من الخطر، وربما الانهيار، ونسب اليه قوله ان من جاء بحكم الاخوان المسلمين، يمكن ان يجيء بهم مرة اخرى، وأضاف في تهديد واضح ان نسبة البطالة في أوساط الشباب تصل الى 25 بالمئة، والبلد في حاجة ماسة الى مساعدات، وذهب الى ما هو أبعد من ذلك من ان كل ما يحدث في لبنان من تطورات “إيجابية” مثل انتخاب رئيس، ورئيس وزراء، ما كان له ان يتم دون اغتيال السيد حسن نصر الله في ويحيى السنوار، في تهديد مباشر للقيادة المصرية.
ثانيا: تصاعد التصريحات الرسمية الإسرائيلية على لسان جنرالات داخل السلطة وخارجها، تركز على اتساع دائرة التسليح الحديث في الجيش المصري مصحوبة بتحذيرات من خطورتها على أمن إسرائيل، خاصة الشق المتعلق بزيادة اعداد الكتائب العسكرية في سيناء في انتهاك لبنود اتفاقية كامب ديفيد، حسب قولهم.
ثالثا: حالة غضب إسرائيلي مفتعلة تجاه مصر لأن رئيسها عبد الفتاح السيسي لم يوجه دعوة الى السفير الإسرائيلي الجديد اوري روتمان لحضور حفل استقبال السفراء المعتمدين الأسبوع الماضي، وتأخير الموافقة على قبول أوراق اعتماده أكثر من عام.
رابعا: أخذ السفير المصري في تل ابيب خالد عزيز إجازة مفتوحة امتدت لعدة أشهر، حسب الصحف العبرية، كأحد الأدلة على توتر متصاعد في العلاقات، رغم ان مسؤولين اسرائيليين أكدوا ان التعاون الأمني بين الدولتين مستمر كالمعتاد.
خامسا: تتردد هذه الأيام تقارير إخبارية تؤكد ان من أبرز مهام إدارة التهجير “الطوعي” لمليونين من أبناء القطاع التي أسسها نتنياهو وألحقها بوزارة الدفاع، التسريع بعملية التهجير على جبهات متعددة وبالقوة العسكرية، وخاصة بتدمير الحاجز الاسمنتي على الحدود بين مصر وقطاع غزة، او عبر معبر كرم أبي سالم، إجبار الفلسطينيين بالمغادرة تحت التهديد بالقتل، ولعل الحصار الخانق والتجويع حتى الموت الذي تفرضه السلطات الإسرائيلية الإسرائيلية على حي “تل السلطان” جنوب رفح القريب جدا من الحدود المصرية، قد يكون بداية هذا المخطط المدعوم أمريكيا، وتحت عنوان “التهجير الطوعي”.
لا نجادل مطلقا بمقولة ويتكوف التي تركز على الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها مصر حاليا، ولكننا نؤمن ان هذه الصعوبات هي بسبب اتفاقات كامب ديفيد، وقيود صندوق النقد الدولي، والحصارات الامريكية والإسرائيلية الخانقة، وغير المباشرة، التي أوصلت البلاد الى هذه الهاوية، الى جانب بعض الأخطاء الإدارية.
من يساعد مصر للخروج من ازماتها الاقتصادية هذه ليس المساعدات الامريكية الهزيلة (3 مليارات دولار سنويا معظمها قطع عسكرية وقطع غيار تستفيد منها الشركات الامريكية) وانما الاستثمارات والمساعدات العربية، فدولة الامارات ضخت 35 مليار دولار في مشروع استثماري في قرية رأس الحكمة في الساحل الشمالي، والسعودية 10 مليارات دولار، وقطر 7 مليارات.
الحملة الإسرائيلية الامريكية الحالية على مصر حاليا تهدف الى ارهابها وتركيعها، وإرغامها على التعاون بإيجابية مع مشروع التهجير الأمريكي الإسرائيلي الذي ما زال مطروحا على الطاولة، وتوضع المخططات العملية في الغرف السوداء لتنفيذه.
صحيح ان ويتكوف مبعوث الرئيس ترامب للشرق الأوسط تاجر عقارات ولا يفهم بالسياسة، ولا بالجغرافيا، وليس له علاقة بالتاريخ، ولكنه صهيوني متطرف يرى المنطقة العربية والعالم الإسلامي بعيون نتنياهو، ويردد ما يسمع.
ما يوقف انهيار مصر الذي يبشر به ويتكوف ليس التفريط بأهم فقرة في العمود الفقري للأمن القومي المصري، والقبول بإثم التهجير لأبناء غزة، وإنما بالوقوف بقوة وصلابة في وجه هذا المشروع الاجرامي وحرب الإبادة المتصاعدة في قطاع غزة، والتجاوب مع مشاعر الشعب المصري العظيم الذي يتعاظم غضيه بسببها، وإسرائيل لا تتحمل صاروخا واحدا من مصر.
مصر لا تحتاج الى ثلاثة مليارات دولار مساعدات مسمومة وسنوية أمريكية، تكبل حركتها، وتجعلها ترضخ لبنود اتفاقات كامب ديفيد التي لم تلتزم بها دولة الاحتلال المستفيد الأكبر منها، فهذه المليارات الثلاثة أصبحت قيمتها تحت الصفر بسبب التضخم وعدم زيادتها، بل وجرى الخصم منها، منذ إقرارها قبل 50 عاما تقريبا.
***
نختم بالقول ان أكثر ما بث الرعب والقلق في الدولة العبرية وزعزعة اركان المشروع الصهيوني من جذوره حدثان رئيسيان، الأول مصري والثاني فلسطيني:
الأول: هجوم العبور المفاجئ عبر قناة السويس واختراق حائط بارليف في بداية حرب عام 1973 وأدى الى هزيمة إسرائيلية هي الاضخم في تاريخ المنطقة.
الثاني: هجوم السابع من تشرين اول (أكتوبر) او “طوفان الأقصى” الذي نقل الحرب الى عمق الكيان الصهيوني، وأغرقه في حرب استنزاف في قطاع غزة، توسيع ساحاتها الى الضفة الغربية واليمن ولبنان وربما قريبا الى العراق وايران.
جيش الاحتلال يخوض معارك على سبع جبهات ولم يكسب أي منها حتى الآن، وكيف سيكون الحال لو انفجرت الحرب الثامنة والاضخم على الجبهة المصرية؟ لا شيء مستحيل فمن كان يتصور ان يجري تفعيل هذه الجبهة فجأة في حرب رمضان أكتوبر المباركة؟
مصر العظمى تتعرض للابتزاز المهين الذي يجب ان يتوقف فورا، وبكل الطرق والوسائل، لن نفاجأ اذا حصل الرد بقوة، فالجيش الذي خاض حرب العاشر من رمضان هو الجيش نفسه الأكثر قوة وتسليحا حاليا، ونحن نتحدث عن الجوهر والعقيدة والايمان المترسخ، فمصر مثل الفيل الضخم قد يكون بطيء الحركة، ولكن اذا تحرك فانه قد يدمر كل شيء امامه، واقرأوا التاريخ جيدا، ولا تكونوا مثل ويتكوف ومعلمه، الخبراء في “الريفيرات”.. والأيام بيننا.

المصدر: رأي اليوم

لماذا يصعّد المبعوث الأمريكي ويتكوف تحذيراته مجددا بإفلاس مصر وانهيارها ويلمح الى موجة اغتيالات على غرار لبنان؟ هل اقترب التهجير بالقوة الى سيناء؟ وما هي مؤشرات “التوتر” المزعوم على الجبهة المصرية الإسرائيلية؟ | رأي اليوم

شارك المقالة