You are currently viewing لماذا تشتعل المُواجهات الدمويّة على الحُدود السوريّة- اللبنانيّة فجأةً؟ ومن يقف وراء اغتيال الجُنود السوريين الثّلاثة؟ وأين يكمن الخطر الحقيقي على “سورية الجديدة”؟

لماذا تشتعل المُواجهات الدمويّة على الحُدود السوريّة- اللبنانيّة فجأةً؟ ومن يقف وراء اغتيال الجُنود السوريين الثّلاثة؟ وأين يكمن الخطر الحقيقي على “سورية الجديدة”؟

عبد الباري عطوان
أثارت الاشتباكات وأعمال القتل التي وقعت على الحُدود اللبنانيّة- السوريّة في اليومين الماضيين حالةً من القلق غير مسبوقة تعكس حالةً من الفوضى وعدم الاستِقرار والانفِلات الأمنيّ ممّا قد ينعكس سلبًا على العلاقات بين البلدين أوّلًا، ويتطوّر إلى صداماتٍ دمويّةٍ مُوسّعةٍ ثانيًا، ويُعطي انطباعًا بأنّ النظام السوري الجديد لا يملك القُدرة العسكريّة اللّازمة للسّيطرة على الحُدود ومُواجهة الأخطار التي تُهدّد أمنها، والتّعايش في مُحيطها ثالثًا.
وزارة الدفاع السوريّة كانت أوّل من “علّق الجرس” وسلّطت الأضواء على هذه الاشتِباكات عندما اتّهمت “حزب الله”، أو بالأحرى عناصر تابعة له، “بخطف” ثلاثة جُنود سوريين إلى لبنان وقتلهم هُناك، وتسليم جُثثهم إلى الجيش اللبناني الذي سلّمها إلى السّلطات السوريّة، وبعدها كرّت الأحداث والصّدامات وتبادل إطلاق الصّواريخ.
ad
“حزب الله” أصدر بيانًا نفى فيه بشكلٍ قاطعٍ وجود أيّ علاقة له بالأحداث على الحُدود اللبنانيّة السوريّة، أو داخِل سورية نفسها، واستهجن في البيان نفسه الزّجّ باسمه في هذا المِلف وقالت مصادر مُقرّبة منه، إنّ الحزب لديه ما يكفيه، وإنّ لا مصلحة لهُ في خوضِ حربٍ جديدةٍ على الجبهة السوريّة في ظِل الاعتِداءات وعمليّات الاغتيال التي يشنّها الجيش الإسرائيلي وطائراته وتستهدف قيادات عسكريّة تابعة له في جنوب لبنان والبقاع والهرمل، واستمراره في احتلال أجزاء من الشّريط الحُدوديّ، وانتهاك اتّفاق وقف إطلاق النّار.
***
ad
الحُدود السوريّة- اللبنانيّة التي شهدت مرحلةً من الهُدوء طِوال السّنوات الماضية وبعد القضاء على خطر جماعات “داعش”، تمتدّ لأكثر من 375 كيلومترًا في مناطقٍ جبليّةٍ وأودية وَعِرَة، وسُهول، وتضم 6 معابر حدوديّة رسميّة، وتُعتبر من المناطق الحاضنة لعصابات مُهرّبي المخدّرات والسّلاح، ومن غير المُستبعد أن تكون جماعات مُسلّحة تابعة للنظام السّابق تنشط فيها وعبرها في مُقاومتها المُتصاعدة والثّأريّة ضدّ النّظام الحاكم في دِمشق.
من الأسباب التي عجّلت بالإطاحة بالنظام البعثي السّابق رفضه منْع شُحنات الأسلحة الإيرانيّة لحزب الله عبر الأراضي السوريّة، ولقاء الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان دُونَ أيّ ضمانات لسحب قوّاته من شِمال غرب سورية، والإقدام على التّطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وقطع جميع علاقاته مع إيران وإبعاد جميع مُستشاريها العسكريين من الأراضي السوريّة.
نُقطةٌ أُخرى تتكشّف بسُرعةٍ حاليًّا بعد مُرور أكثر من ثلاثة أشهر على تولّي النظام الجديد السُّلطة في سورية بدعمٍ تُركيٍّ أمريكيٍّ عربيٍّ، تُؤكّد أنّ الهدف الأوّل والأهم بالنّسبة لهؤلاء هو إطاحة النظام السّابق، ونجحوا فِعلًا في تحقيق هذا الهدف، ولكنّهم لم يُجهّزوا النّظام البديل سياسيًّا وعسكريًّا وأمنيًّا وتشريعيًّا، وهذا ما يُفسّر أعمال العُنف، والتّصفية العِرقيّة التي وقعت في السّاحل الشّمالي، ومدن سُوريّة أُخرى، بالإضافة إلى عدم توسيع قاعدة النظام، وجعله لكُلّ السوريين على قدمِ المُساواة، وبمُختلف دياناتهم وطوائفهم وأعراقهم.
الخطر الأكبر على سورية “الجديدة” لا يأتي من حُدودها الغربيّة اللبنانيّة، ولا الشرقيّة العِراقيّة، وإنّما من الجنوب، وتحديدًا من العدوّ الإسرائيلي في فِلسطين المُحتلّة، تمثّل في أحدثِ صُوره في احتلال جبل الشيخ وأكثر من 400 كيلومتر في ما يُسمّى بالمِنطقة العازلة، وقصف وتدمير جميع المطارات والموانئ العسكريّة، ومعدّاتها وطائراتها وقواعد الدبّابات ومخازن الأسلحة، ومِن المُؤسف أنّه يتم تجاوز وغضّ النّظر عن هذا الخطر والتّعتيم عليه، بل وعدم إدانته لفظيًّا وبشكلٍ صريح وجدّي على الأقل.
***
منع وصول إمدادات الأسلحة والمعدّات العسكريّة إلى المُقاومة الإسلاميّة اللبنانيّة سيظلّ مصدرًا للتوتّر في العلاقات السوريّة- اللبنانيّة، طالما استمرّ العُدوان والاحتلال الإسرائيليين على لبنان، واستمرّ المُخطّط الإسرائيلي- الأمريكي لتحشيد الأقليّات وتوحيدها في إطارِ مُخطّطِ تقسيم سورية على أُسسٍ طائفيّةٍ وعِرقيّة.
لا مكان آمن وشرعي لسورية إلّا في خندقِ المُقاومة للعُدوان الإسرائيلي لتحرير جميع أراضيها المُحتلّة، القديم منها والجديد، ونقصد بالقديم الجولان وكُلّ الأراضي “الشّاميّة” الفِلسطينيّة المُحتلّة، والجديد جبل الشيخ والمناطق المُحيطة به، ولا شرعيّة عربيّة أو إسلاميّة، لأيّ نظام سوري أو عربي يقف على الحِياد أو في الخندق الآخَر الأمريكي- الإسرائيلي.. والأيّام بيننا.

المصدر: رأي اليوم

https://www.raialyoum.com/%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%aa%d8%b4%d8%aa%d8%b9%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%a7%d8%ac%d9%87%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%85%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%ad/

شارك المقالة