أثار قرار الإدارة الأمريكية بسحب ترشيح آدم بولر، مبعوثها لشؤون الأسرى، تساؤلات حول خلفياته وتداعياته، خاصة في ظل التوترات الداخلية بشأن سياسات التفاوض مع حركة المقاومة الإسلامية “حماس”.
فبينما يبدو القرار إداريًا في ظاهره، تشير التحليلات إلى أنه قد يكون انعكاسًا لخلافات أعمق داخل واشنطن، وضغوط خارجية، لا سيما من الاحتلال الإسرائيلي، الذي أبدى انزعاجه من بعض توجهات بولر.
مواقف متباينة
في ذات السياق، أكد الكاتب والمحلل السياسي أمجد بشكار أن “التصريحات الصادرة عن الإدارة الأمريكية بشأن لقاءات مع قيادة حركة (حماس) كانت تهدف بالأساس إلى تحريك المياه الراكدة، خاصة مع أطراف لم يكن التواصل معها مدرجًا على أجندة واشنطن سابقًا”.
وقال بشكار، في حديث لـ”قدس برس” اليوم السبت، إن “اللقاء كان مفاجئًا ليس فقط لـ(إسرائيل)، بل أيضًا لمنظومة الشرق الأوسط، بما في ذلك دول عربية ووسطاء كانوا يديرون الحوارات غير المباشرة، والذين تفاجأوا بدخول الولايات المتحدة على الخط بشكل مباشر”.
وأوضح أن “المواقف الأمريكية تجاه هذا اللقاء عكست اتجاهين متباينين؛ الأول عبّرت عنه تصريحات السيناتور ماركو روبيو، وقبلها الرئيس دونالد ترامب، والتي بدت وكأنها تسعى لاختبار إمكانية وجدوى التفاوض مع (حماس)، وهو ما يشير إلى أن للإدارة الأمريكية أجندة خاصة في هذا الملف، قد تبتعد نسبيًا عن الرؤية (الإسرائيلية) ورؤية رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو”.
وأضاف بشكار: “لو عدنا إلى تصريحات ترامب قبل أيام، لوجدنا أنه أقرّ بأن (إسرائيل) منزعجة من هذا اللقاء، لكنه أكد في الوقت ذاته أن الولايات المتحدة لا تعمل لصالح (إسرائيل)، بل تدير علاقاتها وفق مصالحها الخاصة، وهذا يعكس مسعى أمريكيًا لفتح قنوات اتصال مع المقاومة الفلسطينية بشكل مباشر، بعيدًا عن الهيمنة (الإسرائيلية) على هذا الملف”.
وأشار إلى أن “الإدارة الأمريكية تأخذ في الاعتبار مواقف الداخل الأمريكي و(الإسرائيلي)، مستدلًا بتصريحات روبيو حول استعداد (حماس) لطرح هدنة تمتد من 5 إلى 10 سنوات، بل وذهاب بعض الأصوات الأمريكية إلى الحديث عن إمكانية إبعاد الحركة عن العمل السياسي وتخليها عن السلاح، وهي طروحات تعكس الرؤية الأمريكية أكثر مما تعكس الواقع الفعلي”.
وأكّد بشكار أن “ترامب يسعى لتسويق نفسه كرجل سلام وصانع تحول جديد في السياسة الخارجية الأمريكية، الأمر الذي دفع إدارته لتجاوز العديد من الخطوط الحمراء، بما في ذلك اللقاء مع (حماس) رغم تصنيفها كمنظمة (إرهابية)”.
ولفت إلى أن “هذا اللقاء يذكّر بمحادثات واشنطن مع حركة (طالبان) في الدوحة، والتي كانت مصنفة سابقًا كتنظيم (إرهابي) قبل أن تجلس الولايات المتحدة معها على طاولة المفاوضات”.
وتطرّق بشكار إلى دور المبعوث الأمريكي الخاص في المفاوضات، موضحًا أن “واشنطن حاولت من خلاله إدارة التفاوض بدلاً من (إسرائيل)، في ظل تراجع ثقتها بقدرة نتنياهو على إدارة الأزمة”.
ورأى أن “الهدف الأساسي كان إعادة الأسرى (الإسرائيليين) وإضعاف حركة (حماس)”، لكنه استبعد أن “يكون المبعوث الأمريكي قد تصرف بشكل فردي أو خارج إطار السياسات الأمريكية العامة”.
وفيما يتعلق بتصريحات المسؤول الأمريكي آدم بولر، التي وصف فيها قادة “حماس” بأنهم “ليسوا شياطين بل أشخاص ودودون”، أشار بشكار إلى أن “هذه التصريحات أثارت ضجة واسعة داخل الولايات المتحدة و(إسرائيل)”.
وأضاف أن “بولر نجا من اتهامات بمعاداة (السامية) فقط لأنه (يهودي)، وإلا لكان تعرض لهجوم أوسع، وهو ما دفع دوائر صنع القرار (الإسرائيلي) إلى الضغط لإبعاده”.
واعتبر بشكار أن “إقالة بولر كانت نتيجة مباشرة لاعتراض (إسرائيل) أكثر مما كانت بسبب موقف الإدارة الأمريكية، خاصة أن تصريحاته اصطدمت بالسردية (الإسرائيلية) التي تساوي بين (حماس) والتنظيمات (الإرهابية) مثل (داعش) و(النازيين)، في حين جاء مسؤول أمريكي يهودي ليقدم توصيفًا مغايرًا”.
واختتم بالقول إن “التطورات الأخيرة تعكس تباينًا متزايدًا بين الرؤية الأمريكية و(الإسرائيلية) في التعامل مع ملف غزة، وهو ما قد يؤسس لتحولات جديدة في المرحلة المقبلة.
صراع داخلي
من جانبه، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمّة بغزة إياد القطراوي، أن “قرار سحب ترشيح آدم بولر، مبعوث الولايات المتحدة لشؤون الرهائن، يحمل دلالات متعددة تتعلق بالعلاقات الأمريكية مع الجماعات المسلحة والصراعات الداخلية داخل الإدارة الأمريكية”.
وفي حديثه لـ”قدس برس”، أشار إلى أن “هناك توترات داخلية بشأن استراتيجيات التعامل مع الحركات المسلحة وملف الرهائن، إذ قد تعكس هذه الخطوة خلافات حول أساليب التفاوض أو مخاوف متعلقة بالحقوق الإنسانية والسياسة الخارجية”.
وأوضح أن “البعض قد يرى أن المحادثات مع هذه الجماعات تؤثر سلبًا على الموقف الرسمي لواشنطن، إذ قد تُثير مخاوف داخلية بشأن تقديم تنازلات أو حتى تعزيز نفوذ تلك الجماعات، وهو ما قد يكون دافعًا لسحب الترشيح”.
وأضاف أن “للقرار أيضًا انعكاسات على السياسة الخارجية الأمريكية، خصوصًا فيما يتعلق باستراتيجية مكافحة الإرهاب، إذ قد يكون مرتبطًا بنتائج لم تتوافق مع النهج العام للإدارة الأمريكية”.
ورجّح أن” يكون القرار مدفوعًا بانتقادات من أعضاء الكونغرس أو وسائل الإعلام حول قدرة بولر على أداء دوره، لا سيما إذا وُجدت مخاوف من أن محادثاته مع الحركات المسلحة قد تعارضت مع مصالح الولايات المتحدة”.
وختم بالقول إن “سحب الترشيح قد يعكس صراعًا داخليًا في الإدارة الأمريكية حول طريقة التعامل مع قضايا الرهائن والجماعات المسلحة، إلى جانب تأثير تلك المحادثات على موقع بولر داخل الإدارة”.
وأكد البيت الأبيض اليوم السبت أن “إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحبت ترشيح آدم بولر لمنصب المبعوث الأميركي الخاص بشؤون الرهائن”.
انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة)اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على WhatsApp (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على Telegram (فتح في نافذة جديدة)النقر لإرسال رابط عبر البريد الإلكتروني إلى صديق (فتح في نافذة جديدة)اضغط للطباعة (فتح في نافذة جديدة)
المصدر: قدس برس
لماذا سحبت واشنطن ترشيح مبعوثها لشؤون الأسرى آدم بولر؟ – وكالة قدس برس للأنباء