عبد الباري عطوان
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يثبت يوما بعد يوم انه تلميذ غبي لأستاذه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبات يطبق املاءاته حرفيا، وبحماس غير متوقع، ليس في قطاع غزة والضفة الغربية فقط، وانما في منطقة الشرق الأوسط كلها، ومن المؤكد ان نتائج هذا الخضوع لإملاءات معلمه ستكون كارثية عليه وحزبه وهيبة الولايات المتحدة ومصالحها الاستراتيجية.
في اليومين الماضيين وجه ترامب تهديدين رئيسيين قد يقودان الى هزيمة كبرى للولايات المتحدة وخسارة معظم حلفائها في منطقة الشرق الأوسط:
الأول: إيقاف جميع المساعدات المالية الامريكية الى أكبر حليفين لامريكا في المنطقة الغربية هما مصر الأردن اذا لم يرضخا لطلبه في استقبال أكثر من مليوني مواطن فلسطيني تنفيذا لمخططه في “شراء” قطاع غزة وتفريغه من سكانه ونهب ثرواته.
الثاني: تهديد حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بفتح أبواب الجحيم عليها اذا لم تفرج عن جميع الاسرى الإسرائيليين الذين في حوزتها دفعة واحدة، وإعطائها مهلة حتى منتصف يوم السبت المقبل.
***
لنبدأ بالتهديد الأول، أي قطع المساعدات عن مصر والأردن، اذا لم تستقبل المهجرين من القطاع، وكل المؤشرات تؤكد حتى الآن انهما لن تخضعا مطلقا لهذا التهديد الذي سيؤدي تنفيذه الى ردود الفعل التالية:
أولا: احتمال الغاء مصر لاتفاق كامب ديفيد، والأردن لاتفاق وادي عربة للسلام مع دولة الاحتلال، وإغلاق 16 قاعدة أمريكية على أرضه، لأن هذه المساعدات تشكل بندا رئيسيا في الاتفاقات الموقعة.
ثانيا: تصعيد التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة والحليفين المذكورين (مصر والأردن) فهناك تسريبات إعلامية قوية تلمح الى الغاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لزيارته المقررة الى واشنطن يوم 18 من شهر شباط (فبراير) الحالي بعد عودة وزير خارجيته من العاصمة الامريكية بخيبة أمل بسبب إصرار إدارة ترامب على تهديداتها بتهجير أبناء القطاع بالقوة الى صحراء سيناء، اما بالنسبة الى الأردن فإن هناك حالة إجماع ثلاثية بين الشعب والحكومة والعرش على رفض مطالب التهجير، والوقوف في خندق مقاومتها مهما كانت النتائج.
ثالثا: هذه التهديدات الامريكية المدعومة إسرائيليا، والمتسمة بالوقاحة والغطرسة، ستؤدي الى احتمال تحويل ما يسمى “محور الاعتدال” العربي الى محور مقاومة يقوده المثلث المصري السعودي الأردني، ولعل مؤتمر القمة العربي الطارئ القادم في القاهرة يوم 27 شباط (فبراير) الحالي، قد يكون بداية تدشين انطلاق هذا المحور وتوجهه شرقا الى الصين، وشمالا الى روسيا.
رابعا: تطاول كل من ترامب ونتنياهو الوقح على زعماء دول عربية وانتهاك سيادتها أدى الى توتير العلاقات معها، فترامب خاطب الرئيس المصري بالجنرال استهزاءا اثناء مؤتمره الصحافي الأخير مع نتنياهو، اما نتنياهو فاتهم مصر بتحويل قطاع غزة الى سجن مفتوح، وطالب بإقامة الدولة الفلسطينية في الأرض السعودية، وجاء هذا الطلب بعد تطاول ترامب على المملكة السعودية، الحليف الاستراتيجي لامريكا، بقوله انها مستعدة للتطبيع دون شرط قيام الدولة الفلسطينية وطالبها ابتزازا بترليون دولار وكأنها جمهورية موز.
اما اذا انتقلنا الى التهديد الثاني، أي أمهال حركة “حماس” حتى منتصف يوم السبت القادم للإفراج عن جميع الاسرى الإسرائيليين دفعة واحدة والا سيفتح عليهم أبواب الجحيم فإن ترامب قد يدفع ثمنا غاليا اذا مضى قدما فيه وذلك للأسباب التالية:
الأول: ان بنيامين نتنياهو، سيد ترامب، فشل في تحقيق أي من أهدافه بتركيع حركة “حماس” وإجبارها على الاستسلام، وتنفيذ وعوده بإجتثاثها من القطاع على مدى 15 شهرا من الحرب استخدم فيها كل أشكال الإبادة والتطهير العرقي والدمار الشامل والمجازر والتجويع، فهل سينجح ترامب و”جحيمه” فيما فشل فيه استاذه نتنياهو؟
الثاني: كشفت عملية افراج حركة “حماس” عن الرهائن الإسرائيليين لديها عن نجاحها في إدارة عمليات التبادل التي جذبت الاهتمام العالمي سياسيا واعلاميا بطريقة ذكية جدا، ووظفتها لتأكيد قوتها، وسيطرتها المطلقة على القطاع بطريقة فاجأت اعداءها قبل اصدقائها.
الثالث: وقف حركة “حماس” لعملية تسليم الأسرى لديها احتجاجا على اختراق إسرائيل لبنود وقف اطلاق النار بإطلاق نار وقتل نازحين عائدين من الجنوب الى الشمال بغارات لمسيّراتها، دليل على ثقة الحركة بنفسها وقدرتها الفورية على الرد بكل شجاعة ورجولة، وعدم خوفها من الغاء اتفاق وقف اطلاق النار من أساسه، وقدرتها واستعدادها على مواجهة كل الاحتمالات.
الرابع: ان تبقى المقاومة بكل فصائلها في غزة فوق الأرض وتحتها بعد حرب إبادة ضروس، فهذا يعني هزيمة كبرى لنتنياهو وترامب، وكل أذرع الصهيونية العالمية، وانتصار “طوفان الأقصى” وثقافته، ومعادلاته الجديدة وأبرزها دفن المفاوضات العبثية وكل أكاذيب السلام وتعزيز نهج المقاومة كطريق وحيد لإستعادة الأرض والمقدسات، والسيادة، والكرامة العربية، والإسلامية.
***
ختاما نؤكد ان مصر والأردن والسعودية باتخاذها موقفا قويا معارضا لتهجير ترامب لأبناء القطاع وبعده الضفة الغربية، فإنها تفعل ذلك حماية لأمنها القومي وبقاء أنظمة حكمها، الى جانب وقوفها في خندق القضية الفلسطينية العادلة، فتوطين مليونين من أبناء القطاع في سيناء يعني زعزعة الأمن القومي المصري، وعودة حالة عدم الاستقرار فيها، التي كلفت القيادة المصرية عشرات المليارات وآلاف الشهداء من خيرة جنودها وضباطها، ولا يمكن ان ننسى وقوف الشعب المصري كله، وجيشه وعقيدته دعما للقضية الفلسطينية، ولا نعتقد ان حديث نتنياهو عن إقامة دولة فلسطينية في صحراء السعودية كان زلة لسان، وانما بالون اختبار وتمهيدا مدروسا لتسويق هذه الخطوة، اما الأردن فوضعه هو الأخطر لأن كل الشعب الأردني وجميع منابته واعراقه مع فلسطين وضد كل أعمال التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، لأن الوحدة الوطنية التي يعيشها الأردن اليوم تتجلى في أقوى وأجمل صورها.
ليت ترامب ينفذ تهديداته ويقطع المساعدات، ويرسل قواته الى قطاع غزة، ونجزم بأن غزة ستكون مقبرة مشاريعه التهجيرية، وسيندم وحزبه على غطرسته ووقاحته وغبائه، وسيترحم على أيام قواته في بغداد وكابول وفيتنام.. الأيام بيننا.
المصدر: رأي اليوم