يواجه الأردن، تهديدات ومخاوف مركبة ومعقدة، بسبب الضغوطات التي يمارسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من أجل استقبال لاجئين فلسطينيين من فطاع غزة الذي أنهكته الحرب لأكثر من 15 شهرا، وهو ما يرفضه الأردن جملة وتفصيلا.
وتفرض هذه المخاوف الحقيقية على الأردن، خيارات سياسية فليلة، بسبب التراكمات في العلاقات بين الإدارة الأميركية ممثلة بدونالد ترامب، ومؤسسات صنع القرار في الأردن.
هذه التراكمات في العلاقات بين البلدين، التي أنشأها التذبذب في السياسة الأميركية تجاه الأردن، والقرب من الاحتلال الإسرائيلي، فرضت على الأردن “سبك” حالة وطنية أردنية شعبية ورسمية، ووضع خطة غير تقليدية لمواجهة الخطر القادم، وفقا لمراقبين.
أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية محمد أبو رمان، قال إن “تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كانت بلا شك منذ بداية ولايته صادمة لدوائر القرار في عمّان”.
وأضاف أبو رمان لـ”قدس برس”، أنه “كان هنالك أكثر من تحليل لهذه التصريحات، بعضها ذهب لأنها قد تكون جس نبض لا أكثر، لكن تكرارها أوضح أن هناك من هو أكبر”.
وأوضح أن “ترامب يضع تصورا للقضية الفلسطينية، يتمثل في أن التهجير قد يمتد من غزة إلى الضفة الغربية والقدس”، مستدركا أن “المرحلة القادمة فيما يبدو، مرحلة تصور أحادي الجانب من ترامب، يريد فرضها على الفلسطيين والدول العربية، بما في ذلك تحميل الأردن أعباء كثيرة بما يتعلق باستيعاب الفلسطينيين، وهو ما يصطدم بالخطوط الحمراء الأردنية، ولا يمكن القبول به”.
وأكد أبو رمان، أن “الأردن وصل إلى مرحلة المأزق بالعلاقة مع الولايات المتحدة”، معتبرا أن “الأردن يعتمد بدرجة رئيسية الدبلوماسية الهادئة، التي تحاول تجنب المواجهة مع ترامب، والرفض، لكن ليس بصورة تضع الأردن بشكل مباشر في صدام مع الإدارة الجديدة التي تعتمد فيما يبدو استراتيجية (الرجل المجنون)”.
وتقوم استراتيحية “الرجل المجنون”، بحسب أبو رمان، على “ترهيب الآخرين وفرض الشروط”، في حين تقوم الطريقة الأردنية على “إشراك أطراف أخرى والاستعانة بدول أخرى غربية تعزز موقف الأردن”.
ويحاول الأردن من خلال هذه الأدوات، فرض تعزيز إقليمي ودولي لإيصال رسالة للإدارة الأميركية، أن “خيارها غير مقبول”، وفقا لأبو رمان الذي أكد أن “الأردن يراهن على الموقف السعودي لأنها طرف مهم بسبب محاولة ترامب تحقيق التطبيع بينها وبين إسرائيل بأسرع وقت”.
ولفت أبو رمان، إلى أن “الأردن يحاول وضع العراقيل الدبلوماسية أمام إدارة ترامب”، أما في حال بقيت الإدارة الأميركية متمسكة بموقفها وزادت الضغوط على الأردن، وأوصلت المسألة إلى مرحلة الضغط للقبول بالخيار، فإن الأردن “لن يقبل ذلك، بسبب وجود حالة من الإجماع الأردني الكبير على عدم قبول تهجير الفلسطينيين من أرضهم”.
وتقوم أداوت الأردن على فكرة “التمسك بالسيادة الوطنية وتأكيد التحالفات الإقليمية، لذلك يتجنب الأردن منذ اللحظة الأولى أن يكون لوحده، ويحاول أن يكون له أطراف في رفض تهجير الفلسطينيين، يوضح أن رمان.
ويستدرك أبو رمان، أن “الأردن سيدفع الثمن في المساعدات الأميركية، لكنه في النهاية لديه علاقات أوروبية جيدة، وبالتالي هي أربع سنوات صعبة مقبلة على الأردن”.
أما القيادي بالحركة الإسلامية في الأردن، زكي بني ارشيد، فقال من جانبه، إن “الأردن يتعرض إلى استهداف حقيقي بسبب الخطر القادم من المشروع الصهيوني، والتطرف اليميني والديني الذي يسيطر على القرار في (إسرائيل)، إضافة إلى التهديد الواضح والعلني من الرئيس الأميريكي دونالد ترامب، أول رئيس نقل سفارة بلاده إلى القدس، وأول من اعترف بضم الجولان، وأول من طالب بتوسيع مساحة الكيان الصهيوني”.
وأوضح بني ارشيد في تصريحات لـ”قدس برس”، أن ذلك يعد “خطرا استراتيجيا داهما، يستوجب مواجهته بخطة غير تقليدية”.
وأكد أن “ما يقوم به الأردن خطوات جيدة ومهمة، لكنها تحتاج إلى تطوير”، مستدركا أن المطلوب “الاهتمام بسبك حالة وطنية أردنية شعبية ورسمية وتحقيق إجماع وطني على برنامج عملي لمواجهة المخاطر، وإعادة التموضع الإقليمي والدولي”.
وأشار إلى أن المطلوب أيضا، “تعزيز العلاقة مع الدول العربية والجانب الفلسطيني، وتقديم خطاب يتضمن خيارات أخرى”.
وشدد بني ارشيد، على أن “إذا كان برنامج التسوية واتفاقيات السلام والتنسيق مع السلطة الفلسطينية لم يحصن الأردن ولم يدرء الخطر عنه، فيمكن أن يكون البديل التنسيق مع المقاومة”.
وقال أستاذ علم الاجتماع الأردني حسين الخزاعي، إن “أهم تحدٍ للأردن منذ عام 2016، هو تذبذب السياسة الأميركية مع الدول العربية، وخاصة الدول الصديقة”.
وأضاف الخزاعي لـ”قدس برس”، أنه “لا يوجد سياسة أميركية ثابتة تجاه الوطن العربي بشكل عام، والأردن بشكل خاص”، مستدركا أن “الأقرب للسياسة الأميركية أن تكون حليفة لدولة الاحتلال”.
وأوضح أن “الغرب لا يعرف عادات وتقاليد ومنطلق الشعوب العربية. ليس من السهل تهجير أهالي غزة، بسبب بنيتهم الوطنية والقومية، ومدى تلاحمهم مع أرضهم ومحبتهم لها”.
وأشار الخزاعي إلى أن “الأردن يرفض مثل هذا التهجير بالرغم من قوة العلاقة بين الشعبين”، مبينا أن “الأردنيين مستعدون للتضحية في بيسل عدم تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وتعرضهم للظلم والنكبة من جديد”.
وبحسب الخزاعي، فإنه “لا يروق للسياسة الأميركي التي تهدق إلى زيادة معاناة الشعوب العربية، أن ترى موقفا جامعا في الأردن رافضا لتهجير الفلسطينيين”.
ولفت الخبير في علم الاجتماع، إلى أن المجتمع الأردني “جاهز للضغوط الأميركية، مقابل أن تكون هناك شفافية من قبل الدولة في التعامل مع القضية، وموقف موحد يجمع الحكومة مع الشعب في رفض التهجير”.
وحذر الخزاعي، من “أي رسائل إعلامية أميركية قد تصدر في محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار في الأردن، وتفتيت الوحدة، وإبعاد الأردنيين عن بعضهم البعض”.
ويقول الصحفي الأردني المقيم في الولايات المتحدة، باسل رفايعة، إن “مخاوف الأردن لا تكمن في الضغوط لاستقبال لاجئين من غزة، ولا في وقف المنح والمساعدات الأميركية، فقط”.
ويوضح في حديث مع “قدس برس” أن “المخاوف مركبة وتعقيداتها تجعل الخيارات السياسية قليلة. ثمة نحو 300 ألف فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية، يحملون جوازات وأرقاماً وطنية أردنية. وهؤلاء مع عائلاتهم يشكلون كتلة سكانية تزيد عن نصف مليون نسمة، وهم ورقة ضغط دائمة يلوح بها اليمين الإسرائيلي”.
وشدد رفايعة على أن “ترحيلهم طوعا أو قسرا يزيد الأعباء الاقتصادية، ويحقق خطوات ملموسة في الحلم الصهيوني بالوطن البديل”.
ورأى أن “اللاءات الأردنية المتكررة ضد الكونفدرالية مثلاً ستصطدم بواقع ديمغرافي مختلف، ما يفرض تنازلات مختلفة” على حد تعبيره.
إلا أنه استدرك بالقول إنه “لدى الأردن تراكمات تاريخية من العلاقات الجيدة مع المؤسسات العميقة في الولايات المتحدة، والمساعدات التي تقدم للأردن ليست مجانية. المملكة لديها تعاون عسكري وثيق مع واشنطن، وتتولى منذ سنوات طويلة ما يُسمّى بملف مكافحة الإرهاب والملف الإيراني، وغيرها من الملفات” في إشارة إلى أن الولايات المتحدة لن تفرط بتلك الخدمات بسهولة.
وحول أدوات الضغط التي تملكها عمّان لمواجهة توجهات ترامب، قال رفايعة: “لا أحد يملك أدوات ضغط على اندفاعة دونالد ترامب واليمين الأميركي_الصهيوني.. لدى الأردن علاقات جيدة مع الاتحاد الأوروبي، وقبل أيام أبرم معه اتفاقية لحزمة مساعدات ومنح ومشروعات تزيد عن ثلاثة مليارات يورو، ويمكنه احتواء التداعيات الاقتصادية إذا ما استمر ترامب في تعليقها اعتمادا على مساعدات واستثمارات دول خليجية”، وفق ما يرى.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اقترح في الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير الماضي، نقل فلسطينيي قطاع غزة إلى دول مجاورة مثل الأردن ومصر، متذرعا بـ”عدم وجود أماكن صالحة للسكن في قطاع غزة” الذي دمرته حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على مدار 15 شهرا.
وبعد ذلك، جدد ترامب في نهاية الشهر ذاته، تأكيده أن “كلا من الأردن ومصر سيستقبلان في بلديهما سكانا من قطاع غزة”، في تصريحات أدلى بها لصحفيين في البيت الأبيض.
ورد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، على تصريحات ترامب، قائلا إن “موقف بلاده الرافض لتهجير الفلسطينيين ثابت”.
وأضاف الصفدي أن “حل القضية الفلسطينية في فلسطين والأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين”.
وأوضح أن رفض بلاده للتهجير ثابت لا يتغير، “وهذا ليس فقط موقفا ثابتا راسخا لا يمكن أن تحيد عنه المملكة، ولكنه أيضا ضرورة من أجل تحقيق الأمن والاستقرار والسلام الذي نريده جميعا”.
كما أكد بيان عربي مشترك السبت، استمرار الدعم الكامل لصمود الشعب الفلسطيني على أرضه وتمسكه بحقوقه المشروعة وفقا للقانون الدولي، في موقف موحد ضد دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتهجير أهالي قطاع غزة إلى الأردن ومصر.
وأعلن الديوان الملكي الأردني، الأحد، أن الملك عبد الله الثاني يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض، الثلاثاء 11 شباط/فبراير الحالي، بعد أن تلقى رسالة دعوة من الرئيس ترامب الأسبوع الماضي، فيما يبدو دعوة لمناقشة قضية رفض الأردن القاطع لاستقبال لاجئين من قطاع غزة بعد 15 شهرا من عدوان الاحتلال الإسرائيلي.
وخلف عدوان الاحتلال الإسرائيلي وحرب الإبادة الجماعية على غزة، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر عام 2023، أكثر من 61 ألف ضحية، من بينهم نحو 47.5 ألف شهيد وصلوا إلى المستشفيات، و14 ألفا مفقودون تحت الركام وفي الطرقات، إلى جانب أكثر من 111 ألف جريح، وأكثر من مليوني نازح، بحسب معطيات وأرقام رسمية.
المصدر/ قدس برس