You are currently viewing هل ستتحقّق نُبوءة ترامب في رُضوخِ مِصر والأردن لمطالبه بالمُوافقة على استقبال مِليونين من أبناء القطاع؟ وماذا لو حدث العكس؟ وهل كانَ حديثُ توماس فريدمان عن تقسيم القطاع زلّة قلم أم تسريب مقصود؟

هل ستتحقّق نُبوءة ترامب في رُضوخِ مِصر والأردن لمطالبه بالمُوافقة على استقبال مِليونين من أبناء القطاع؟ وماذا لو حدث العكس؟ وهل كانَ حديثُ توماس فريدمان عن تقسيم القطاع زلّة قلم أم تسريب مقصود؟

عبد الباري عطوان
عندما يُعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بكُلّ ثقةٍ أنّ الرئيس المِصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني اللذين رفضا طلبه بالانخراط في مشروع تهجير أبناء قطاع غزة إلى بلديهما، سيخضعان في نهايةِ المطاف لخطّته، ويفتحان أراضيهما للمُهجّرين، فإنّ هذا يعني أمرين أساسيين: الأوّل، هو المُواجهة، وربّما الحرب غير المُعلنة مع الإدارة الأمريكيّة الحاليّة، والثاني، الرّضوخ للضّغوط، وارتكاب خيانة عُظمى عُنوانها النّكبة العربيّة الثّانية.
ترامب استخدم تعبير “تطهير” القطاع من أهله الذين يزيد عددهم عن مِليونين ورُبع المِليون، 85 بالمئة منهم ممّن هاجروا أساسًا من القُرى والمُدُن الساحليّة الفِلسطينيّة الجنوبيّة، وبدلًا من أنْ يُعيدهم إلى قُراهم ومُدنهم يُريد تشريدهم للمَرّة الثّانية أو الثّالثة في تبنٍّ صريحٍ لمشروع بنيامين نتنياهو الذي بدأ بحرب الإبادة والتّطهير العِرقي، وفرض نُزوح مِليونيّ فِلسطيني من شِمال القطاع إلى جنوبه قُرب الحُدود المِصريّة، تمهيدًا للتّهجير الأكبر، ولولا رفض الشعب الفِلسطيني والجيش المِصري وقيادته لهذه الخطوة قبل 15 شهرًا، لأصبح هؤلاء الآن في مدينةٍ للخيام فوق بقايا مُستوطنة “يميت” في سيناء الذي جرى إخلاؤها بقِوى الصّمود الدّبلوماسي المِصري الرّسمي المدعوم عسكريًّا، وكان يتبنّى هذا المشروع أنتوني بلينكن الذي حصل على تمويلٍ من بعض الدّول الخليجيّة لتمويله.
***
القضيّة الوحيدة التي تُوحّد الشعب المِصري ومُؤسّسته العسكريّة، وقيادته السياسيّة الحُكوميّة هي القضيّة الفِلسطينيّة ودعمها ورفض التّهجير الذي إذا تم سيكون الضّربة القاضية لها، ولهذا نرى رفضًا ثُلاثيًّا مُشتركًا له، والشّيء نفسه يتجسّد في الأردن أيضًا.
علينا أنْ نُذكّر بأنّ الرئيس المِصري الأسبق محمد أنور السادات دفع حياته ثمنًا لتفريطه بالقضيّة الفِلسطينيّة، والقُبول باتّفاقات كامب ديفيد الاستِسلاميّة، برصاص جُنود الجيش المِصري، وأثناء عرض عسكري، وأمام العالم بأسْرِه، ليكون عبرةً لغيره.
السِّلاح الأقوى في يد ترامب إذا لم يتراجع عن “مجزرة” التّهجير هذه، قطع المُساعدات الماليّة عن كُل من مِصر والأردن عِقابًا لهما على أيّ تمسّكٍ برفضهما لخطّته، بالتّطهير العِرقي لأبناء القطاع، ولكنّ الرّد قد يتمثّل في حالةِ فوضى عارمة في مِنطقة الشّرق الأوسط، ودُخولها في حالةٍ من الفوضى المُسلّحة، والتطرّف الوطني، قد تكون المصالح والقواعد العسكريّة الأمريكيّة أبرز أهدافها، مُضافًا إلى ذلك إلغاء اتّفاقات “السّلام” رسميًّا أو عمليًّا، وربّما الاثنين معًا.
الرئيس ترامب أكثر إيمانًا ودعمًا للمشروع التوسّعي الصّهيوني من أيّ زعيمٍ أمريكيّ سبقه، فهو يُفكّر دائمًا بعقليّة تاجر العقارات، ومِن هُنا كانت صفقة القرن في الشّرق الأوسط التي كانت أبرز مُخطّطاته لـ”تسمين” دولة الاحتلال، وضمّ أراضٍ عربيّةٍ لزيادة مساحتها بدءًا بالجُولان السوري المُحتل، والقدس الشرقيّة، ربّما قريبًا جدًّا الضفّة الغربيّة وأجزاء من سورية والعراق ولبنان والأردن، بعد الانتهاء من تفريغ القطاع، ولم يكن من قبيل الصُّدفة أن يختار ترامب الصّهيوني ستيف وارتكوف تاجر العِقار ومُحاميه مبعوثًا له إلى مِنطقة الشّرق الأوسط، وكانت أوّل مهامه “التسلّل” إلى قطاع غزة، لمُعاينة “البِضاعة” عن كثب، تمهيدًا للخطوة التّالية، أي تفريغ القطاع من سُكّانه لإفساح المجال أمام المشروع العقاري الصّهيوني الأكبر.
توماس فريدمان الكاتب الأمريكي والخبير في شُؤون الشّرق الأوسط، بحُكم ديانته اليهوديّة أوّلًا، وتولّيه رئاسة مكتب صحيفة “النيويورك تايمز” في بيروت في السّبعينات والثّمانينات من القرن الماضي ثانيًا، كشف في مقاله الأُسبوعيّ الأخير في الصّحيفة عن ملامحِ هذه الصٍفقة العقاريّة عندما نصح ترامب بتقسيم قطاع غزة على غرارِ الضفّة الغربيّة إلى مِنطقتين، “الأولى أ” تشمل 80 بالمئة من أرض القطاع وتكون تحت إدارة فِلسطينيّة دوليّة، والثّانية “ب” في جنوبه وتمثّل 20 بالمئة من أرض القطاع وتتركّز في الشّمال، وتخضع للحُكم العسكريّ الإسرائيليّ لمرحلةٍ انتقاليّة لمُدّة أربع سنوات حتّى تضمن دولة الاحتلال أمن مُستوطناتها وحُدودها الشماليّة.
وقال إنّ الحلّ النهائيّ هو سُلطةٌ فِلسطينيّةٌ (وليس دولة) بقيادة الدكتور سلام فياض تُدير ما تبقّى من الضفّة والقطاع.
مقال توماس فريدمان لا يُمكن أن يكون زلّة قلم، وإنّما تسريبٌ مُتعمّدٌ في رأينا لبعض أفكار ومُخطّطات حُكومة ترامب المُستقبليّة لتصفية القضيّة الفِلسطينيّة، وعلينا أن لا ننسى أنّه صاحب المُبادرة العربيّة للسّلام في صيغتها الأساسيّة التي قدّمها للعاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز أثناء زيارته المُعدّة جيّدًا للرياض.
فصل شمال غزة عن جنوبه في “المُبادرة” الجديدة مدروسٌ بعناية، لأنّ مخزون النّفط والغاز والمناطق السياحيّة الواعدة تتمركز تحت أرضه وفوقها، ولهذا السّبب ركّز نتنياهو طِوال الأشهُر الأربعة الماضية من حرب الإبادة على الشّمال، وخاصًّةً جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، حيث قامَ بإخلاء حواليّ 70 بالمئة من سُكّانه بالقتل والتّدمير، ولكنّه فشل في تحقيق هذا الهدف، ومُنِيَ جيشه بخسائرٍ كبيرة من جرٍاء صُمود المُقاومة وكمائنها وجُرأة وشجاعة مُقاتليها، ولهذا لم يكن من الصُّدفة أن يتم تسليم أسيرة إسرائيليّة فوق رُكام عماراتها المُدمّرة في وسط جباليا.
***
أمام هذا الرّفض المِصري الأردني المُزدوج والحاسم لخطط التّطهير “الترامبيّة” لقطاع غزة، لا نستبعد أن ينهار اتّفاق وقف إطلاق النّار في غزة، وربّما في جنوب لبنان أيضًا، وعودة الحرب وبدعمٍ كاملٍ من إدارة الرئيس ترامب، ويتّضح ذلك من خِلال تصريحات وزير الخارجيّة الأمريكي الجديد ماركو روبيو الذي قال أمس إنّه غير واثق من صُمود هذا الاتّفاق.
المُقاومة التي صمدت لما يَقرُب من 500 يوم في مُواجهة الإبادة الإسرائيليّة في القطاع، واستشهد قادة الصّف الأوّل العسكري فيها برئاسة البطل محمد الضيف رئيس هيئة أركان قوّاتها الذي كانَ من أبرز مُهندسي مُعجزة “طُوفان الأقصى” لم ولن تستسلم، فالقيادة الجديدة الشابّة التي ملأت الفراغ لا تقلّ دهاءً وصلابةً عن سابقتها.
تمسّك القِيادتين المِصريّة والأردنيّة برفض مُخطّطات ترامب لإفراغ قطاع غزة من أهله إذا ما استمر، قد يُؤدّي إلى انهيار مُعاهدتيّ كامب ديفيد ووادي عربة، وتحرّر “دولتيّ المُواجهة” وشعبها من عارِها وقُيودها، وهذا لو تم سيكون أبرز ثمار وإنجازات “طُوفان الأقصى”، وإعادة مِنطقة الشّرق الأوسط كلّها إلى مُربّع المُقاومة الأوّل لمُواجهة المشروع الصّهيوني وداعميه في الغرب.

المصدر: رأي اليوم

https://www.raialyoum.com/%d9%87%d9%84-%d8%b3%d8%aa%d8%aa%d8%ad%d9%82%d9%82-%d9%86%d8%a8%d9%88%d8%a1%d8%a9-%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d9%85%d8%a8-%d9%81%d9%8a-%d8%b1%d8%b6%d9%88%d8%ae-%d9%85%d8%b5%d8%b1-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b1/

شارك المقالة