You are currently viewing من الصفيح إلى العبودية: حياة مليئة بالمعاناة في العشوائيات

من الصفيح إلى العبودية: حياة مليئة بالمعاناة في العشوائيات

في أول إحصاء سكاني شامل يتم في البلاد منذ نحو 30 عامًا، تم الكشف عن حقائق صادمة تتعلق بالعشوائيات التي تنتشر في العديد من المناطق الفقيرة.

تقرير هذا الإحصاء كشف عن مدى معاناة السكان في هذه المناطق، حيث أظهرت الأرقام أن الملايين من المواطنين يقيمون في مناطق بنيت من مواد رديئة مثل الصفيح على أراضٍ مملوكة للدولة، وبدون أي مرافق حيوية أو بنية تحتية تواكب الحد الأدنى من الحياة الكريمة.

أظهرت بيانات الإحصاء أن غالبية سكان العشوائيات يعانون من الفقر المدقع والأمية، إذ تشير الإحصائيات إلى أن نسبة كبيرة من سكان هذه المناطق لا يملكون شهادات تعليمية ولا يمكنهم الوصول إلى فرص التعليم.

وبعض السكان لا يمتلكون حتى أوراقًا ثبوتية تثبت هويتهم، مما يجعلهم عرضة للاستغلال ويعرضهم للعديد من المشكلات القانونية.

قصة إحصائية مثيرة تطرقت إليها التقارير تتعلق برجل فقير لا يستطيع تحديد عدد أبنائه بشكل دقيق، ففي أثناء تعبئته الاستمارة مع موظف إحصاء، أبلغ الأخير بأن لديه أربعة أطفال، ليكتشف لاحقًا، وبناء على قول الجار، أن لديه خمسة أطفال.

هذه الحادثة كشفت عن التحديات الكبيرة التي يواجهها المواطنون في مناطق العشوائيات، حيث الارتباك في المعلومات الشخصية يصبح نتيجة مباشرة للفقر والتهميش.

وإلى جانب ذلك، أظهرت التقارير حالات متكررة من الزواج غير المسجل، حيث يعيش العديد من المواطنين في علاقات غير موثقة قانونيًا ودينيًا، وهو ما يعزز من صعوبة تقديم الدعم الاجتماعي للمحتاجين.

حالات أخرى شملت أطفالًا بلا مدارس، إذ وجد الإحصاء أن هناك أعدادًا كبيرة من الأطفال الذين يعيشون في هذه المناطق بعيدًا عن فصول الدراسة.

وأشار موظف إحصائي إلى حادثة طريفة ولكن مؤلمة، حيث تم تسجيل طفلة باسم شقيقتها المتوفاة، بحيث أصبحت الطفلة تستخدم أوراق شقيقتها الشخصية بعدما أوصى وكيل مواد غذائية مقرب للعائلة بذلك، في خطوة قد تكون مرتبطة بتسهيل وصولهم إلى بعض المستحقات أو الإعانات.

أسباب الوضع المؤسف في هذه المناطق لا تقتصر فقط على الفقر المدقع، بل أيضًا على التفشي الكبير للجريمة المنظمة، التي تجد في هذه المناطق بيئة خصبة لتنفيذ عملياتها غير القانونية.

ومع ازدياد الأوضاع الاقتصادية سوءًا وارتفاع أسعار العقارات، تزداد مأساة هذه العائلات فكريًا ومعيشيًا، حيث يواجه السكان ضغوطًا متزايدة للبقاء في أماكنهم التي لا تحتوي على أي بنية تحتية.

وفقًا لتحليلات خبراء اجتماعيين، هناك حلقة مفرغة تجعل من هذه المناطق بيئة خصبة للعنف والفقر، فلا التعليم متاح ولا الفرص الاقتصادية موجودة، وبالتالي يزداد الإحباط لدى الشباب، مما يدفعهم في كثير من الأحيان نحو الانضمام إلى العصابات أو اللجوء إلى المخدرات كمخارج للهروب من واقعهم المرير.

وقال الباحث الاجتماعي أحمد العتيبي في مداخلة عبر إحدى الصحف المحلية: “العشوائيات ليست فقط قضية سكنية، بل هي معضلة مجتمعية عميقة تؤثر على كل نواحي الحياة”.

توقعات المستقبل لا تبدو مشجعة، حيث يعتقد محللون أن هذه المناطق ستظل مصدرًا رئيسيًا للاحتقان الاجتماعي والجريمة ما لم تتخذ الدولة إجراءات جذرية لتحسين الظروف المعيشية والتعليمية.

وأضاف الباحث في الشؤون الاقتصادية، يوسف نجم: “إن الاستثمار في تعليم هؤلاء الشباب وتوفير فرص العمل لهم هو مفتاح التخلص من هذه الظاهرة على المدى الطويل”.

وفي تدوينة على منصة X (تويتر)، علق الناشط الاجتماعي محمود الجاسم قائلاً: “إذا لم نبدأ الآن في معالجة أزمة العشوائيات، سنجد أنفسنا في مواجهة مع جيل كامل ضاع مستقبله وأصبح فريسة للجريمة”. بينما علق أحد المواطنين عبر فيسبوك قائلاً: “أطفالنا يعيشون في الظلام، لا مدارس ولا فرص عمل، إلى متى ستظل هذه الحال؟”.

ومن جهة أخرى، تحدثت مصادر محلية من إحدى مناطق العشوائيات في العاصمة، حيث أكد أحد سكان المنطقة أن الحياة اليومية أصبحت أكثر صعوبة مع ارتفاع تكاليف المعيشة، وزيادة العجز في توفير الخدمات الأساسية. وتساءل قائلاً: “هل سيتحرك أحد لإنقاذنا من هذا الوضع؟”.

وفي النهاية، يبدو أن الأمر يتطلب تدخلاً عاجلاً من الجهات الحكومية لضمان توفير بيئة مناسبة للعيش في هذه المناطق وتقديم الحلول المستدامة التي تضمن استقرار السكان ورفع مستوياتهم التعليمية والاجتماعية، وإلا ستظل العشوائيات نقطة ضعف في بنية المجتمع وتؤثر سلبًا على مستقبله.

ويؤكد مستشار رئيس الوزراء مظهر محمد صالح، أن “قطاع السكن في العراق يعاني أزمة قديمة، وأكثر من ثلاثة آلاف عشوائية يسكن فيها نحو أربعة ملايين شخص تنخفض فيها متطلبات العيش اللائق، وتتجمع نصف هذه العشوائيات في أطراف بغداد، والنصف الآخر في بقية مدن البلاد، والحكومة الحالية تسعى إلى توفير ثلاثة ملايين وحدة سكنية تمهيداً لتقليل ارتفاع معدلات العيش في مناطق مماثلة”.

وتشير وزارة التخطيط إلى أن “نحو أربعة ملايين مواطن يسكنون في بيوت عشوائية تُعرف ببيوت التجاوز التي تنخفض فيها معايير العيش اللائق”.

 

المصدر: المسلة

https://almasalah.com/archives/109637

شارك المقالة