وسط مشهد متشابك يعيد تشكيله سقوط نظام بشار الأسد، يبرز ملف المعتقلين العراقيين في السجون السورية كأحد أكثر الملفات تعقيدًا وإثارة. القصة ليست مجرد أرقام أو قوائم منسية؛ بل حكايات إنسانية عالقة في زنازين القهر، يعيد ذووها بعث الأمل بحثًا عن إجابات.
في مقطع فيديو مؤثر، يظهر والد المعتقل الكردي عيسى عبد الله، يتحدث لقناة عراقية محلية عن سنوات الفقد والوجع.
“كنا نظن أنه مات.. حتى أبلغونا اسمه في قائمة المحررين من أحد السجون. شعرت حينها كأنني أحيا من جديد”، يقول الرجل بعيون ملؤها الدموع.
عيسى، الذي كان يعمل في صفوف قوات البيشمركة، ليس سوى واحد من مئات الأسماء التي ظهرت مؤخرًا ضمن قوائم المعتقلين الذين تحرروا بعد اقتحام المعارضة السورية سجن صيدنايا سيئ السمعة.
على وسائل التواصل الاجتماعي، انتشرت تغريدات وتدوينات تعكس حالة الجدل والفرح الممزوج بالحذر.
إحدى التغريدات تقول: “الحرية لمن صمدوا تحت التعذيب.. لكن هل يعودون إلى وطن يخشون فيه نفس المصير؟”.
فيما كتبت مواطنة عراقية على “فيسبوك”: “كيف لي أن أحتفل بخروج أخي إذا كان يخشى العودة إلى العراق؟ من يضمن لنا الأمان؟”.
هذه التساؤلات تعكس قلق العائلات التي وجدت نفسها أمام معضلة: هل تُعلن عن أبنائها أم تبقي الأمر طي الكتمان خوفًا من المجهول؟
مصادر سياسية في بغداد تؤكد غياب أي قنوات رسمية للتواصل مع الجانب السوري، ما يعقد الجهود المبذولة لمعرفة مصير المفقودين.
السفارة العراقية في دمشق مغلقة، والموظفون نُقلوا إلى بيروت منذ سنوات.
في هذا الإطار، ترى تحليلات ان “الحكومة العراقية ملزمة بإعادة مواطنيها، لكن الوضع في سورية غير مستقر، ولا معلومات دقيقة سوى ما يتم تداوله عبر الإعلام والتواصل الاجتماعي”.
الباحثة سارة القريشي أضافت بُعدًا آخر للملف. “السنوات التي تلت الغزو الأميركي للعراق شهدت تدفق أعداد كبيرة من العراقيين إلى سورية، وسط ضعف في الرقابة الدولية على ممارسات النظام السوري. الاعتقالات والاختفاء القسري كانت منهجية، والآن علينا التعامل مع إرث هذه الجرائم”، تقول القريشي.
بعض العائلات اختارت الصمت، مثلما حدث مع عائلة من الأنبار اكتشفت أن ابنها الذي اعتقل في عام 2009 ما زال على قيد الحياة.
“لم نعلن عن وجوده خوفًا عليه”، يقول أحد أفراد العائلة، مفضلاً عدم الكشف عن هويته. يبدو أن خيار الصمت أصبح ملاذًا للكثيرين، وسط مخاوف من تكرار سيناريوهات الاعتقال أو الملاحقة السياسية.
من جانبه، يؤكد اللواء بختيار عمر، الأمين العام لقوات البيشمركة، أنهم يعملون عبر قنوات شخصية لتحديد مواقع المعتقلين الأكراد، معتمدين على علاقات مع أطراف مثل هيئة تحرير الشام. “الأمر ليس سهلاً، لكنه واجبنا”، يقول عمر، مشيرًا إلى أهمية تفعيل الدبلوماسية غير الرسمية.
يبدو أن قصة المعتقلين العراقيين في السجون السورية ستبقى مفتوحة على احتمالات متعددة، بين آمال العودة إلى الوطن وكوابيس الاعتقال المتجدد.
التحليلات تشير إلى أن الحسم في هذا الملف مرتبط ليس فقط باستقرار سورية، بل أيضًا بإرادة سياسية حقيقية داخل العراق لاحتضان أبنائه بعيدًا عن الحسابات الأمنية والمخاوف السياسية.
المصدر: المسلة