قالت مجلة “إيكونوميست”، إن إسرائيل تستغل حالة عدم الاستقرار في سوريا، وتقوم بالاستيلاء على مزيد من أراضي مرتفعات الجولان السورية. وأكدت أن الاحتلال الوقائي والتوغل العسكري الإسرائيلي لا أساس قانونيا لهما، ولا داعي لهما.
ولفتت المجلة إن صف الحصون الرمادية المربعة التي كانت تبدو من الأفق، مشيرة إلى أنها تذكير للأيام التي كانت فيها إسرائيل تحضّر لمواجهة هجوم من فرق المدرعات السورية في مرتفعات الجولان. وقد حدث هذا آخر مرة في حرب تشرين الأول/ أكتوبر أو يوم الغفران عام 1973، عندما كاد الجيش السوري أن يخترق الدفاعات الإسرائيلية. كان ذلك الجيش ذات يوم من أقوى الجيوش في الشرق الأوسط. ومع ذلك فقد مرت سنوات عديدة عندما كانت قوته ضاربة.
ففي 7 كانون الأول/ ديسمبر 2024، اختفت ما تبقى من وحدات الجيش السوري التي ظلت تحرس خطوط وقف إطلاق النار على مدى نصف قرن. وحلت محلها مجموعة من الجماعات المعارضة المحلية التي لم تبد أي مقاومة في اليوم التالي عندما تقدمت الدبابات الإسرائيلية، واتخذت مواقع فيما كان يعرف بالمنطقة العازلة.
واستولى فريق من الكوماندوز الإسرائيلي على نقطة المراقبة السورية الفارغة على جبل الشيخ، على ارتفاع 2814 مترا، والتي تعتبر أعلى قمة في سلسلة جبال الشيخ. وفي نفس الوقت، شن الطيران الإسرائيلي سلسلة من الغارات الجوية على مواقع متعددة في سوريا، دمرت ما قال الجيش الإسرائيلي إنها “مستودعات استراتيجية” تحتوي على أسلحة كيميائية استخدمها نظام الأسد ضد المعارضة السورية في عدة مناسبات. وكذا دمر صواريخ بعيدة المدى وأنظمة مضادة للطائرات، حسب قول قادة الجيش.
وتزعم إسرائيل أنها تريد منع تهريب هذه الأسلحة إلى “حزب الله” في لبنان، أو الاستيلاء عليها من قبل الجماعات المعارضة المعادية لإسرائيل. وكانت مرتفعات الجولان ذات مرة ساحة معارك حامية، وتعتبرها الحكومة الإسرائيلية الآن رصيدا بالغ الأهمية للأمن القومي.
وتطل المرتفعات على أربع دول: سوريا وإسرائيل ولبنان والأردن. وقد احتلت إسرائيل الجزء الغربي منها منذ عام 1967.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سريعا في الاستفادة من التقدم الإسرائيلي. فبعد ساعات فقط من فرار بشار الأسد إلى موسكو، طار إلى الجولان لالتقاط صورة. ووصف سقوط النظام بأنه “يوم تاريخي للشرق الأوسط” وزعم أنه هو الذي فجّر انتفاضة الشعب السوري، قائلا إنها “كانت النتيجة المباشرة لعملنا القوي ضد حزب الله وإيران”. وأضاف أن التوغلات الإسرائيلية في الجزء الشرقي من المرتفعات كانت “موقفا دفاعيا مؤقتا إلى أن يتم التوصل إلى ترتيب مناسب”.
وتشير المجلة إلى أن الجملة الأخيرة كانت غائبة عن بيان مماثل باللغة العبرية. ذلك أن شركاء نتنياهو في الائتلاف اليميني المتطرف يريدون ضم أجزاء من الجولان السوري.
ولم يوافق الجميع في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على هذه الخطوات وأنها ضرورية. فقد قال أحد المراقبين المخضرمين للشأن السوري في المؤسسة الأمنية الإسرائيلة، إن “آخر ما يهم المعارضة المسلحة هو مهاجمة إسرائيل، التي أثبتت للتو مدى قوتها في سحق حزب الله. ولكن جنرالاتنا ما زالوا مصدومين من الفشل في توقع هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. ويحاول نتنياهو أن يتدخل في الموقف لصرف الانتباه عن قضاياه الشخصية”، مشيرا إلى شهادة رئيس الوزراء المقبلة في محاكمته بتهمة الفساد.
وحتى الأسبوع الماضي، ظلت استراتيجية إسرائيل القديمة تعتمد على نظام بشار الأسد للحفاظ على السلام في المنطقة وعدم تحويل سوريا إلى منصة انطلاق للهجمات ضد إسرائيل.
ومنذ عام 2011، عندما بدأت الحرب الأهلية في سوريا، لم يدعم نتنياهو مساعدة الجماعات المعارضة التي كانت تحاول إسقاط نظام الأسد. وحتى عندما سمح الأسد لإيران و”حزب الله” بالعمل في سوريا، قصفت إسرائيل قواعدهما لكنها لم تتصرف بشكل مباشر ضد النظام.
وفي الأشهر الأخيرة، عندما ضربت إسرائيل “حزب الله” في لبنان، ضغطت على الأسد في رسائل أرسلتها عبر الحكومة الروسية، لقطع علاقاته مع الحزب وإيران. وظلت هذه السياسة التي تتعلل بالأماني تطبع الموقف الإسرائيلي حتى الأسبوع الماضي، عندما كان مقاتلو المعارضة يسيرون نحو العاصمة دمشق.
وبعد رحيل الأسد، أصبح شغل إسرائيل الشاغل الآن هو الفوضى في سوريا التي قد تسمح للجماعات الموالية لإيران بالعودة وإطلاق الصواريخ والمسيرات باتجاه إسرائيل، هذا إلى جانب منع وقوع الأسلحة الاستراتيجية للنظام في أيدٍ معادية.
ولم تهدد هيئة تحرير الشام، أقوى الجماعات المعارضة السورية، إسرائيل في الماضي. وتزعم أنها تركز على توحيد سوريا في حقبة ما بعد الأسد. لكن بعض المراقبين الإسرائيليين يعتقدون أن أيديولوجيتها تشبه أيديولوجية حماس. ويشيرون إلى أن الاسم الحركي لزعيمها، أبو محمد الجولاني، يؤشر إلى جذور عائلته في الجولان، وهي علامة ربما على أنه لديه خططا لتلك المنطقة.
وهناك أيضا قلق بشأن الداعمين الرئيسيين لهيئة تحرير الشام، الحكومة التركية. فقد استقبل رجب طيب أردوغان حركة حماس، وقطع معظم العلاقات بين تركيا وإسرائيل.
ولكن القلق لا يشمل كل المراقبين الإسرائيليين. وتقول كارميت فالنسي، مديرة برنامج أبحاث سوريا في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب: “هناك فرص أكثر لإسرائيل في سوريا من التهديدات الآن”. ومعظم الجماعات المعارضة بالقرب من حدود الجولان ليست متحالفة مع هيئة تحرير الشام، وتشمل مقاتلين من المجتمعات الدرزية، التي كانت لإسرائيل علاقات جيدة معها في الماضي. وينطبق الشيء نفسه على المتمردين الأكراد المهيمنين في شمال شرق سوريا.
وتقول فالنسي: “مع رحيل الأسد وضعف قوة إيران في سوريا، أصبح لدى إسرائيل فرصة لاستخدام الدبلوماسية مع اللاعبين الجدد في سوريا ومحاولة ضمان الأمن”.
ويتفق عاموس يادلين، رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، الذي دفع الحكومة للإطاحة بالنظام السوري، مع هذا الرأي. ويرى أن الجولان، على الأرجح لن تشكل تهديدا مباشرا، وقال: “يجب على إسرائيل أن تركز على أولوياتها الحقيقية، وأولها إنهاء الحرب في غزة بوقف إطلاق نار مستقر”.
وتعلق المجلة أن الضربة القاسية التي وجهتها إسرائيل لـ”حزب الله”، الوكيل الرئيسي لإيران في دعم نظام الأسد، لعبت بلا شك دورا في تمهيد الطريق لانتصار المعارضة السورية. ومن أجل مصلحتها ومصلحة سوريا، يتعين على إسرائيل أن تظل على الحياد في الوقت الحالي.
المصدر: القدس العربي