في ظل تصاعد الدعوات إلى تعزيز الشفافية في جميع تعاقدات الحكومة العراقية، برزت تصريحات تطالب بالحد من الفساد المالي والإداري وتحقيق إدارة أكثر نزاهة وفعالية لموارد البلاد بالتزامن مع أرقام مخيفة حول الخسائر التي تكبدها العراق جراء الفساد، حيث بلغت ما يقارب 150 مليار دولار منذ 2003، وفق تقارير دولية ومحلية.
مشروعات ضخمة بقيت حبرًا على ورق أو جُسدت بصورة هزيلة بسبب العقود الفاسدة التي استفادت منها قلة، في حقب سابقة، بينما دفع المواطن الثمن غياب الخدمات والبنية التحتية.
واعتبر مغرد أن “المساءلة البرلمانية خطوة ضرورية، لكن التجربة أثبتت أنها تواجه عراقيل سياسية وقانونية في بلد تغيب فيه الشفافية المؤسساتية”.
وقال رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم انه “لا یـمكن مـواجـھة الـفساد الـمالـي والإداري مـن دون مؤسـسة قضائیة مستقلة ونزیھة وذات سیادة..وعلى الجمیع دعم ھـذه المؤسـسة وتذلیل العقبات التنفیذیـة أمام إجراءاتھا القانونـیة..فلا أحد فوق الـقانون مھما كانت الـمسمیات والانتماءات”.
قصص العقود الفاسدة في العراق أصبحت مثالًا صارخًا على هدر المال العام. مشروع “ظلام مستمر” كان أحد أبرز الأمثلة، حيث أبرمت عقود بمليارات الدولارات مع شركات طاقة أجنبية لتطوير شبكة الكهرباء، لكن الواقع بقي مظلمًا؛ فالمواطن العراقي لا يزال يعتمد على المولدات الأهلية لسد احتياجاته الأساسية. ووفق ما كشفته مصادر فإن بعض هذه العقود تضمنت مبالغ تصل إلى 10 أضعاف الكلفة الحقيقية، ما أثار تساؤلات عن هوية المستفيدين وغياب آليات الرقابة الحقيقية.
في حديث خاص مع “أحمد الجبوري”، وهو باحث اجتماعي من بغداد، قال: “الفساد المالي والإداري في المشاريع الحكومية لا يقتصر على العقود الكبيرة فقط، بل يتغلغل في كل المستويات، حتى التعاقدات البسيطة لتأهيل المدارس أو تعبيد الطرق”.
ووفق رأيه، فإن الأمر مرتبط بثقافة سياسية واجتماعية تعزز فكرة الإفلات من العقاب.
وأضافت مواطنة تدعى “سارة الخفاجي” في تدوينة على فيسبوك: “حيتان الفساد لا تزال تتصدر المشهد، لكننا بحاجة إلى حركة شعبية تفرض تغييرًا حقيقيًا، كما حدث في احتجاجات تشرين”.
ومن الناحية الاستباقية، يرى محللون أن خطوة تسهيل إجراءات المساءلة البرلمانية التي دعا إليها الحكيم قد تشكل نقلة نوعية في حال تفعيلها فعليًا دون عراقيل. وذكرت آراء متقاطعة أن تطبيق هذه الإجراءات يتطلب أدوات قانونية أكثر قوة، إضافة إلى حماية الشهود والمبلغين عن الفساد، ما يشكل تحديًا حقيقيًا للحكومة الحالية.
وقال مصدر سياسي طلب عدم الكشف عن هويته: “تعزيز الشفافية لا يتعلق فقط بالتشريعات بل بالقدرة على تنفيذها. هناك قوى مستفيدة ستعمل بكل الطرق على تعطيل أي جهود لمكافحة الفساد”. وأضاف أن العقبة الأكبر تكمن في تداخل النفوذ السياسي بالاقتصادي، ما يجعل من الصعب تمييز الجهة المسؤولة عن الإخفاقات.
“مشاريع طموحة تتحول إلى أطلال”، هكذا وصف أحد المواطنين حال العراق في مقطع فيديو انتشر على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تحدث عن مشروع مستشفى في إحدى المحافظات الجنوبية، توقفت أعمال إنشائه بعد أن استنزف نصف ميزانيته بسبب خلافات سياسية وشبهات فساد. هذا المشهد يتكرر في جميع أنحاء البلاد، مما يعكس الحاجة الملحة إلى تغيير جذري في إدارة المال العام.
تزداد الحاجة إلى تعزيز الشفافية في العراق، ليس فقط لضمان نزاهة التعاقدات، بل لضمان استعادة ثقة المواطن في مؤسسات الدولة. التحدي كبير، لكن الخطوة الأولى تبدأ بكشف الحلقات المظلمة ومحاكمة المتورطين دون استثناء.
المصدر: المسلة
Publisher: Almasalah