سعى رأس النظام السوري بشار الأسد، الأحد، للحصول على دعم حلفائه، بعد فقدان قواته السيطرة على حلب، إثر هجوم لفصائل معارضة خلّف أكثر من 410 قتلى، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وأصبحت حلب، ثاني كبرى مدن سوريا، خارج سيطرة النظام السوري للمرة الأولى منذ اندلاع النزاع، مع سيطرة “هيئة تحرير الشام” وفصائل حليفة لها على كل الأحياء، حيث كانت تنتشر قوات النظام، حسبما أفاد المرصد.
ونقلت “الرئاسة السورية” عن الأسد تشديده، خلال استقباله وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بدمشق، على “أهمية دعم الحلفاء والأصدقاء في التصدي للهجمات الإرهابية المدعومة من الخارج”.
واستبق عراقجي وصوله، الأحد، لدمشق بتأكيد دعم بلاده “الحازم” للسلطات السورية، فيما توعّد الأسد من جهته باستخدام “القوة” ضد “الإرهاب”.
وأعلنت روسيا أن قواتها الجوية تساعد جيش النظام السوري في “صدّ” فصائل معارضة بمحافظات إدلب (شمال غرب)، وحماة (وسط)، وحلب (شمال).
ووصل عراقجي إلى أنقرة مساء الأحد، بعد ساعات على لقائه الأسد. ويلتقي عراقجي نظيره التركي هاكان فيدان، قبل اجتماعه مع الرئيس رجب طيب أردوغان، وفق ما ذكر مسؤولون.
منذ الأربعاء، بدأت “هيئة تحرير الشام” (“جبهة النصرة” سابقاً، قبل فكّ ارتباطها بتنظيم “القاعدة”)، مع فصائل معارضة أقل نفوذاً، هجوماً مباغتاً يُعدّ الأعنف منذ سنوات بمحافظة حلب، حيث تمكّنت من التقدّم بموازاة سيطرتها على عشرات البلدات بمحافظتَي إدلب وحماة.
والأحد، قال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لفرانس برس إن “هيئة تحرير الشام” وفصائل معارضة “باتت تسيطر على مدينة حلب بالكامل، باستثناء الأحياء الخاضعة لسيطرة القوات الكردية” بشمالها.
وبذلك أصبحت المدينة “للمرة الأولى خارج سيطرة قوات النظام منذ اندلاع النزاع” عام 2011.
ويضم الجزء الشمالي من مدينة حلب أحياءً عدة تقطنها غالبية كردية، أبرزها الشيخ مقصود والأشرفية، وتخضع لسيطرة القوات الكردية، العمود الفقري لـ “قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة أمريكياً، والتي تشكّل الذراع العسكرية للإدارة الذاتية الكردية.
كانت القوات الحكومية استعادت السيطرة على كامل مدينة حلب، نهاية عام 2016، بدعم جوي روسي، بعد معارك وجولات قصف وسنوات من الحصار للأحياء الشرقية فيها، والتي شكّلت معقلاً للفصائل المعارضة منذ صيف 2012.
وكان لإيران والمجموعات الموالية لها نفوذ واسع بمدينة حلب ومحيطها، قبل أن تخلي عدداً من مواقعها تباعاً، خلال الأشهر الماضية، وفق المرصد.
وتقود الهجوم “هيئة تحرير الشام”، المصنّفة “إرهابية” من الأمم المتحدة، والتي تعدّ إدلب معقلها الرئيس، مع فصائل سورية أخرى أقل نفوذاً. وتمكّنت، خلال اليومين الماضيين، من السيطرة على غالبية أحياء حلب والمطار الدولي، إضافة إلى عشرات المدن والقرى بإدلب وحماة “مع انسحاب قوات النظام منها”، وفق المرصد.
وشنّ الطيران الروسي، الأحد، وفق المرصد، غارات على ساحة قرب جامعة مدينة حلب أوقعت خمسة قتلى، لم يحدد إذا كانوا مدنيين أو مقاتلين.
واستهدفت غارات مماثلة مخيماً للنازحين بمدينة إدلب، ما أسفر عن مقتل ثمانية مدنيين، بينهم طفلان، وإصابة أكثر من خمسين آخرين.
وبين القتلى زوجة ابن أم محمد التي قالت لفرانس برس، بينما كانت تجلس مع أحفادها والغبار يكسوهم في مستشفى بالمدينة: “كنا نجلس في الغرفة، لم نسمع إلا دوي انفجار، وسقطت الجدران علينا”.
وأضافت، وبجانبها إحدى حفيداتها تمسك بدمية كبيرة، ورأسها مضمد: “كنت برفقة أولاد ابني الخمسة، الحمد لله أن إصاباتهم طفيفة”.
تعزيزات عسكرية
وارتفعت حصيلة الهجوم الخاطف الذي شنته فصائل معارضة، الأربعاء، بشمال سوريا إلى 412 قتيلاً على الأقل، بينهم 61 مدنياً، حسب المرصد.
وأوضح المرصد أن الهجوم أسفر عن 214 قتيلاً بصفوف الفصائل، و137 قتيلاً بصفوف قوات النظام والميليشيات الموالية لها، و61 قتيلاً مدنياً، بينهم 17 سقطوا الأحد.
وذكرت وكالة أنباء النظام السوري “سانا” أن الطيران السوري والروسي استهدف “تجمعاً لقادة التنظيمات الإرهابية” بحلب “ما أدى إلى مقتل عشرات الإرهابيين”، كما استهدف “رتلاً للتنظيمات الإرهابية مكوناً من عشرات الآليات والعربات المحملة بالذخيرة والعتاد والعناصر الإرهابية بريف إدلب الشرقي”.
إلى ذلك، قالت روما إن “المدرسة الفرنسيسكانية تيرا سانكتا بحلب تعرّضت لهجوم روسي أدى إلى أضرار جسيمة”.
في غضون ذلك، سيطرت فصائل معارضة موالية لتركيا، الأحد، على مدينة تل رفعت الإستراتيجية بشمال سوريا، بعدما كانت بأيدي القوات الكردية، وذلك في هجوم منفصل عن ذاك الذي شنته “هيئة تحرير الشام” على مدينة حلب، وفق المرصد.
واتصل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بنظيره التركي هاكان فيدان، الأحد، لمناقشة “الحاجة إلى وقف التصعيد” بسوريا. وشدد بلينكن لفيدان على “ضرورة وقف التصعيد وحماية أرواح المدنيين والبنى التحتية”، وفق الخارجية الأمريكية.
من جهته، قال فيدان لبلينكن إن تركيا “تعارض أي تطور من شأنه زيادة عدم الاستقرار بالمنطقة”، مضيفاً: “نحن ندعم خطوات ترمي إلى التهدئة بسوريا”، حسبما نقلت عنه الخارجية التركية.
والتصعيد الميداني الحالي لم تشهد له سوريا مثيلاً منذ سنوات. فقد أتاح وقفٌ للنار رعتْه موسكو وأنقرة، عام 2020، هدوءاً إلى حد كبير في إدلب، حيث كانت “هيئة تحرير الشام” تسيطر على نحو نصف مساحة المحافظة، وعلى أجزاء ملاصقة لها من محافظات حلب وحماة واللاذقية.
وانهارت الهدنة، الأربعاء، مع بدء الفصائل هجومها، دون أن تتضح خلفيته وآفاقه.
وغداة توعّده بـ”دحر” التنظيمات “الإرهابية”، قال الأسد، الأحد، إن “الإرهاب لا يفهم إلا لغة القوة، وهي اللغة التي سنكسره ونقضي عليه بها”.
دعم “حازم”
تشكّل خسارة حلب، بعد نحو 14 عاماً من النزاع، صفعة لنظام الأسد.
ويقول الباحث آرون لوند من مركز “سنتشري إنترناشونال” للأبحاث: “يبدو أن النظام قد خسر حلب، وما لم يتمكن من شن هجوم مضاد قريباً، وما لم ترسل روسيا وإيران دعماً أكبر، لا أعتقد أن الحكومة ستستعيدها”.
ويضيف: “قد تخسر الحكومة كل شيء في سوريا، وتظلّ تُعتبَر دولة إلى حدّ ما. لكنّ خسارة حلب أو دمشق هي النقطة التي تبدأ الأمور عندها تبدو غامضة”.
وأعربت ثلاث دول منخرطة بالنزاع السوري – روسيا وإيران حليفتا الأسد، وتركيا الداعمة لفصائل معارضة – عن قلقها إزاء “التطور الخطير” بسوريا.
وأثار التصعيد الميداني ردود فعل إقليمية ودولية.
ودعت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، الأحد، إلى “وقف التصعيد” في سوريا، حاضّةً، في بيان مشترك، على حماية المدنيين والبنية التحتية.
وجاء في البيان الذي أصدرته الخارجية الأمريكية أن “التصعيد الحالي يؤكد الحاجة الملحة إلى حل سياسي للنزاع بقيادة سوريّة، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2254″، في إشارة إلى القرار الأممي لعام 2015 الذي أقرّ عملية السلام بسوريا.
وأكد الملك الأردني عبد الله الثاني، الأحد، في اتصال مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، “وقوف الأردن إلى جانب الأشقاء في سوريا ووحدة أراضيها وسيادتها واستقرارها”.
ورغم تراجع حدة المعارك إلى حد كبير، بالسنوات الماضية، إلا أن جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى تسوية للنزاع فشلت.
وحذّر المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون من أن القتال الدائر “تترتب عليه عواقب وخيمة على السلام الإقليمي والدولي”، داعياً الأطراف المعنية إلى “الانخراط السياسي العاجل والجاد… لحقن الدماء والتركيز على الحل السياسي”.
تشهد سوريا منذ 2011 نزاعاً مدمراً أسفر عن مقتل أكثر من نصف مليون شخص، واستنزف الاقتصاد، وأدى إلى تشريد وتهجير أكثر من نصف عدد سكانها.
(أ ف ب)
المصدر: القدس العربي
Publisher: Alquds alarabi